بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وقد جاء في كتب التاريخ: أن ابن زياد كتب إلى يزيد بن معاوية رسالة يخبره فيها بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وأسر نسائه وعياله، وتفاصيل اُخرى عن الفاجعة، فكتب يزيد في جواب رسالته: أن يبعث إليه برأس الحسين ورؤوس مَنْ قتل معه، والنساء الاُسارى.
فاستدعى ابن زياد بـ مفخر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن للإشراف على القافلة ومَنْ معها من الحرس، وسلّم إليهم الرؤوس والأسرى، وأمر بـ علي بن الحسين أن تغلّ يديه إلى عنقه بسلسلة من حديد. فساروا بهنَّ إلى الشام كما يُسار بسبايا الكفّار، يتصفّح وجوههنَّ أهل الأقطار.
السيّدة زينب الكبرى عليها السّلام في طريق الشام
لا نعلم بالضبط كم طالت المدّة التي تمّ فيها قطع المسافة بين الكوفة والشام، ولكنّنا نعلم أنّها كانت رحلة مليئة بالإزعاج والإرهاق وأنواع الصعوبات، فقد كان الأفراد المرافقون للعائلة المكرّمة قد تلقّوا الأوامر بأن يعاملوا النساء والأطفال بمنتهى القساوة والفظاظة، فلا يسمحوا لهم بالاستراحة اللازمة من أتعاب الطريق ومشاقه وصعوباته، بل يواصلوا السير الحثيث للوصول إلى الشام، وتقديم الرؤوس الطاهرة إلى الطاغية يزيد.
ومن الثابت تاريخياً أنّه كان للسيّدة زينب عليها السّلام الدور الكبير في إدارة العائلة، والمحافظة على حياة الإمام زين العابدين عليه السّلام، وحماية النساء والأطفال، والتعامل معهم بكلّ عاطفة وحنان، محاولة منها ملأ بعض ما كانوا يشعرون به من الفراغ العاطفي، والحاجة إلى مَنْ يهوّن عليهم مصائب الأسر ومتاعب السفر.
وروي عن الإمام علي بن الحسين عليه السّلام أنّه قال: إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها ـ الفرائض والنوافل ـ من قيام عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام.
وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: اُصلّي النوافل من جلوس لشدّة الجوع والضعف، وذلك لأنّي منذ ثلاث ليال اُوزّع ما يعطونني من الطعام على الأطفال، فالقوم لا يدفعون لكلّ منّا إلاّ رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم.
أجل، وقد كانت الحكمة والمصلحة تقتضي أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام يبقى بمعزل عن انتباه الأعداء والجواسيس المرافقين، ولا يتكلّم بأيّة جملة من شأنها جلب الانتباه إليه، ولذلك فقد جاء في التاريخ أنّ الإمام علي بن الحسين ما كان يكلّم أحداً من القوم طوال الطريق إلى أن وصلوا إلى باب قصر يزيد بدمشق.
من هنا، فقد كان الدور الأكبر ملقى على عاتق السيّدة الكفوءة زينب العظيمة عليها الصلاة والسلام. ورغم قلّة المعلومات التي وصلتنا عمّا جرى على السيّدة زينب في طريق الشام من الحوادث، إلاّ أنّنا نذكر هذه المقطوعات، والعينات التاريخية التي تعبّر للقارئ المتدبّر الذكيّ عن أمور كثيرة، وعن الدور العظيم والمسؤوليات الجسيمة التي قامت بها السيّدة زينب الكبرى عليها السّلام طوال هذه الرحلة. ونقرأ في بعض كتب التاريخ أنّ في طريقهم إلى الشام مرّوا على منطقة قصر مقاتل، وكان ذلك اليوم يوماً شديد الحرّ، وقد نزفت القربة التي كانت معهم واُريق ماؤها، فاشتدّ بهم العطش، وأمر عمر بن سعد جماعة من قومه أن يبحثوا عن الماء، وأمر أن تضرب خيمة ليجلس فيها هو وأصحابه، لكي تحميهم من حرارة الشمس، وتركوا عائلة الإمام الحسين عليه السّلام وجميع النساء والأطفال تصهرهم الشمس، وأقبلت السيّدة زينب عليها السّلام إلى ظلّ جمل هناك، وقد أمسكت بالإمام علي بن الحسين عليهما السّلام وهو في حالة خطيرة قد أشرف على الموت من شدّة العطش، وبيدها مروحة تروحه بها من الحرّ، وهي تقول: يعزّ عليّ أن أراك بهذا الحال يابن أخي !
وذهبت السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السّلام إلى ظلّ شجرة كانت هناك، وعملت لنفسها وسادةً من التراب ونامت عليها، فما مضت ساعة إلاّ وبدأ القوم يرحلون عن ذلك المكان مع السبايا، وتركوا سكينة نائمة في مكانها. فقالت فاطمة الصغرى ـ وكانت عديلة سكينة ـ للحادي: أين اُختي سكينة ؟ والله، لا أركب حتّى تأتي باُختي. فقال لها: وأين هي ؟
قالت: لا أدري أين ذهبت. فصاح السائق للقافلة بأعلى صوته: يا سكينة، هلمي واركبي مع النساء. فلم تستيقظ سكينة من نومتها لشدّة ما بها من التعب والإرهاق، وبقيت نائمة، ولمّا أضرّ بها الحرّ والعطش انتبهت من نومتها، وجعلت تمشي خلف غبار القافلة وهي تصيح: اُخيّة فاطمة، ألستُ عديلتك في المحمل، وأنت الآن على الجمل وأنا حافية ؟!
فعطفت عليها اُختها، وقالت للحادي: والله، لئن لم تأتني باُختي لأرمين نفسي من هذا الجمل، واُطالبك بدمي عند جدّي رسول الله يوم القيامة.
فقال لها: مَنْ تكون اُختك ؟
قالت: سكينة التي كان الحسين يحبّها حبّاً شديداً.
فرقّ لها الحادي، ورجع إلى الوراء حتّى وجد اُختها وأركبها معها.
وقد جاء في التاريخ أيضاً أنّ في ليلة من الليالي، بينما القوم يسيرون في ظلام الليل، بدأت السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليهما السّلام بالبكاء، لأنّها تذكّرت أيّام أبيها وما كان لها من العزّ والاحترام، ثمّ هي الآن أسيرة بعد أن كانت أيّام أبيها عزيزة. واشتدّ بكاؤها، فقال لها الحادي: اسكتي يا جارية، فقد آذيتيني ببكائك. فما سكتت، بل غلب عليها الحزن والبكاء، وأنّت أنّة موجعة، وزفرت زفرةً كادت روحها أن تخرج، فزجرها الحادي وسبّها، فجعلت سكينة تقول في بكائها: وا أسفاه عليك يا أبي ! قتلوك ظلماً وعدواناً ! فغضب الحادي من قولها وأخذ بيدها وجذبها ورمى بها على الأرض، فلمّا سقطت غُشي عليها، فما أفاقت إلاّ والقافلة قد مشت، فقامت وجعلت تمشي حافيةً في ظلام الليل، وهي تقوم مرّةً وتقعد مرّة، وتستغيث بالله وبأبيها، وتنادي عمّتها، وتقول: يا أبتاه، مضيت عنّي وخلّفتني وحيدةً غريبةً، فإلى مَنْ ألتجئ ؟ وبمَنْ ألوذ في ظلمة هذه الليلة في هذه البيداء ؟
فركضت ساعة من الليل وهي في غاية الوحشة، فلم ترَ أثراً من القافلة، فسقطت مغشيةً عليها.
فعند ذلك اقتلع الرمح الذي كان عليه رأس الحسين من يد حامله، وانشقت الأرض ونزل الرمح إلى نصفه في الأرض، وثبت كالمسمار الذي يثبت في الحائط. وكلّما حاول حامل الرمح أن يخرجه من الأرض لم يتمكن، واجتمعت جماعة من القوم وحاولوا إخراج الرمح فلم يستطيعوا ذلك.
فأخبروا بذلك عمر بن سعد، فقال: اسألوا علي بن الحسين عن سبب ذلك. فلمّا سألوا الإمام عليه السّلام) قال: قولوا لعمّتي زينب تتفقد الأطفال، فلربّما قد ضاع منهم طفل.
فلمّا قيل لزينب الكبرى ذلك، جعلت تتفقد الأطفال، وتنادي كلّ واحد منهم باسمه، فلمّا نادت: بنيّه سكينة لم تجبها، فرمت السيّدة زينب عليها السّلام بنفسها من على ظهر الناقة، وجعلت تنادي: وا غربتاه ! وا ضيعتاه ! وا حسيناه !
بنيّه سكينة: في أيّ أرض طرحوك ! أم في أيّ واد ضيّعوك ! ورجعت إلى وراء القافلة وهي تعدو في البراري حافية، وأشواك الأرض تجرح رجليها، وتصرخ وتنادي،
وإذا بسواد قد ظهر فمشت نحوه وإذا هي سكينة، فرجعتا معاً نحو القافلة.
وروي عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أنّه سأل أباه علي بن الحسين عليهما السّلام عمّا جرى له في طريق الشام ؟
فقال الإمام علي بن الحسين: حُمِلْتُ على بعير هزيل بغير وطاء، ورأس الحسين عليه السّلام على علم، ونسوتنا خلفي على بغال، والحرس خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح، حتّى دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام، هؤلاء سبايا أهل البيت.عليهم السلام.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وقد جاء في كتب التاريخ: أن ابن زياد كتب إلى يزيد بن معاوية رسالة يخبره فيها بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وأسر نسائه وعياله، وتفاصيل اُخرى عن الفاجعة، فكتب يزيد في جواب رسالته: أن يبعث إليه برأس الحسين ورؤوس مَنْ قتل معه، والنساء الاُسارى.
فاستدعى ابن زياد بـ مفخر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن للإشراف على القافلة ومَنْ معها من الحرس، وسلّم إليهم الرؤوس والأسرى، وأمر بـ علي بن الحسين أن تغلّ يديه إلى عنقه بسلسلة من حديد. فساروا بهنَّ إلى الشام كما يُسار بسبايا الكفّار، يتصفّح وجوههنَّ أهل الأقطار.
السيّدة زينب الكبرى عليها السّلام في طريق الشام
لا نعلم بالضبط كم طالت المدّة التي تمّ فيها قطع المسافة بين الكوفة والشام، ولكنّنا نعلم أنّها كانت رحلة مليئة بالإزعاج والإرهاق وأنواع الصعوبات، فقد كان الأفراد المرافقون للعائلة المكرّمة قد تلقّوا الأوامر بأن يعاملوا النساء والأطفال بمنتهى القساوة والفظاظة، فلا يسمحوا لهم بالاستراحة اللازمة من أتعاب الطريق ومشاقه وصعوباته، بل يواصلوا السير الحثيث للوصول إلى الشام، وتقديم الرؤوس الطاهرة إلى الطاغية يزيد.
ومن الثابت تاريخياً أنّه كان للسيّدة زينب عليها السّلام الدور الكبير في إدارة العائلة، والمحافظة على حياة الإمام زين العابدين عليه السّلام، وحماية النساء والأطفال، والتعامل معهم بكلّ عاطفة وحنان، محاولة منها ملأ بعض ما كانوا يشعرون به من الفراغ العاطفي، والحاجة إلى مَنْ يهوّن عليهم مصائب الأسر ومتاعب السفر.
وروي عن الإمام علي بن الحسين عليه السّلام أنّه قال: إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها ـ الفرائض والنوافل ـ من قيام عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام.
وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: اُصلّي النوافل من جلوس لشدّة الجوع والضعف، وذلك لأنّي منذ ثلاث ليال اُوزّع ما يعطونني من الطعام على الأطفال، فالقوم لا يدفعون لكلّ منّا إلاّ رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم.
أجل، وقد كانت الحكمة والمصلحة تقتضي أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام يبقى بمعزل عن انتباه الأعداء والجواسيس المرافقين، ولا يتكلّم بأيّة جملة من شأنها جلب الانتباه إليه، ولذلك فقد جاء في التاريخ أنّ الإمام علي بن الحسين ما كان يكلّم أحداً من القوم طوال الطريق إلى أن وصلوا إلى باب قصر يزيد بدمشق.
من هنا، فقد كان الدور الأكبر ملقى على عاتق السيّدة الكفوءة زينب العظيمة عليها الصلاة والسلام. ورغم قلّة المعلومات التي وصلتنا عمّا جرى على السيّدة زينب في طريق الشام من الحوادث، إلاّ أنّنا نذكر هذه المقطوعات، والعينات التاريخية التي تعبّر للقارئ المتدبّر الذكيّ عن أمور كثيرة، وعن الدور العظيم والمسؤوليات الجسيمة التي قامت بها السيّدة زينب الكبرى عليها السّلام طوال هذه الرحلة. ونقرأ في بعض كتب التاريخ أنّ في طريقهم إلى الشام مرّوا على منطقة قصر مقاتل، وكان ذلك اليوم يوماً شديد الحرّ، وقد نزفت القربة التي كانت معهم واُريق ماؤها، فاشتدّ بهم العطش، وأمر عمر بن سعد جماعة من قومه أن يبحثوا عن الماء، وأمر أن تضرب خيمة ليجلس فيها هو وأصحابه، لكي تحميهم من حرارة الشمس، وتركوا عائلة الإمام الحسين عليه السّلام وجميع النساء والأطفال تصهرهم الشمس، وأقبلت السيّدة زينب عليها السّلام إلى ظلّ جمل هناك، وقد أمسكت بالإمام علي بن الحسين عليهما السّلام وهو في حالة خطيرة قد أشرف على الموت من شدّة العطش، وبيدها مروحة تروحه بها من الحرّ، وهي تقول: يعزّ عليّ أن أراك بهذا الحال يابن أخي !
وذهبت السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السّلام إلى ظلّ شجرة كانت هناك، وعملت لنفسها وسادةً من التراب ونامت عليها، فما مضت ساعة إلاّ وبدأ القوم يرحلون عن ذلك المكان مع السبايا، وتركوا سكينة نائمة في مكانها. فقالت فاطمة الصغرى ـ وكانت عديلة سكينة ـ للحادي: أين اُختي سكينة ؟ والله، لا أركب حتّى تأتي باُختي. فقال لها: وأين هي ؟
قالت: لا أدري أين ذهبت. فصاح السائق للقافلة بأعلى صوته: يا سكينة، هلمي واركبي مع النساء. فلم تستيقظ سكينة من نومتها لشدّة ما بها من التعب والإرهاق، وبقيت نائمة، ولمّا أضرّ بها الحرّ والعطش انتبهت من نومتها، وجعلت تمشي خلف غبار القافلة وهي تصيح: اُخيّة فاطمة، ألستُ عديلتك في المحمل، وأنت الآن على الجمل وأنا حافية ؟!
فعطفت عليها اُختها، وقالت للحادي: والله، لئن لم تأتني باُختي لأرمين نفسي من هذا الجمل، واُطالبك بدمي عند جدّي رسول الله يوم القيامة.
فقال لها: مَنْ تكون اُختك ؟
قالت: سكينة التي كان الحسين يحبّها حبّاً شديداً.
فرقّ لها الحادي، ورجع إلى الوراء حتّى وجد اُختها وأركبها معها.
وقد جاء في التاريخ أيضاً أنّ في ليلة من الليالي، بينما القوم يسيرون في ظلام الليل، بدأت السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليهما السّلام بالبكاء، لأنّها تذكّرت أيّام أبيها وما كان لها من العزّ والاحترام، ثمّ هي الآن أسيرة بعد أن كانت أيّام أبيها عزيزة. واشتدّ بكاؤها، فقال لها الحادي: اسكتي يا جارية، فقد آذيتيني ببكائك. فما سكتت، بل غلب عليها الحزن والبكاء، وأنّت أنّة موجعة، وزفرت زفرةً كادت روحها أن تخرج، فزجرها الحادي وسبّها، فجعلت سكينة تقول في بكائها: وا أسفاه عليك يا أبي ! قتلوك ظلماً وعدواناً ! فغضب الحادي من قولها وأخذ بيدها وجذبها ورمى بها على الأرض، فلمّا سقطت غُشي عليها، فما أفاقت إلاّ والقافلة قد مشت، فقامت وجعلت تمشي حافيةً في ظلام الليل، وهي تقوم مرّةً وتقعد مرّة، وتستغيث بالله وبأبيها، وتنادي عمّتها، وتقول: يا أبتاه، مضيت عنّي وخلّفتني وحيدةً غريبةً، فإلى مَنْ ألتجئ ؟ وبمَنْ ألوذ في ظلمة هذه الليلة في هذه البيداء ؟
فركضت ساعة من الليل وهي في غاية الوحشة، فلم ترَ أثراً من القافلة، فسقطت مغشيةً عليها.
فعند ذلك اقتلع الرمح الذي كان عليه رأس الحسين من يد حامله، وانشقت الأرض ونزل الرمح إلى نصفه في الأرض، وثبت كالمسمار الذي يثبت في الحائط. وكلّما حاول حامل الرمح أن يخرجه من الأرض لم يتمكن، واجتمعت جماعة من القوم وحاولوا إخراج الرمح فلم يستطيعوا ذلك.
فأخبروا بذلك عمر بن سعد، فقال: اسألوا علي بن الحسين عن سبب ذلك. فلمّا سألوا الإمام عليه السّلام) قال: قولوا لعمّتي زينب تتفقد الأطفال، فلربّما قد ضاع منهم طفل.
فلمّا قيل لزينب الكبرى ذلك، جعلت تتفقد الأطفال، وتنادي كلّ واحد منهم باسمه، فلمّا نادت: بنيّه سكينة لم تجبها، فرمت السيّدة زينب عليها السّلام بنفسها من على ظهر الناقة، وجعلت تنادي: وا غربتاه ! وا ضيعتاه ! وا حسيناه !
بنيّه سكينة: في أيّ أرض طرحوك ! أم في أيّ واد ضيّعوك ! ورجعت إلى وراء القافلة وهي تعدو في البراري حافية، وأشواك الأرض تجرح رجليها، وتصرخ وتنادي،
وإذا بسواد قد ظهر فمشت نحوه وإذا هي سكينة، فرجعتا معاً نحو القافلة.
وروي عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أنّه سأل أباه علي بن الحسين عليهما السّلام عمّا جرى له في طريق الشام ؟
فقال الإمام علي بن الحسين: حُمِلْتُ على بعير هزيل بغير وطاء، ورأس الحسين عليه السّلام على علم، ونسوتنا خلفي على بغال، والحرس خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح، حتّى دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام، هؤلاء سبايا أهل البيت.عليهم السلام.