بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1
آمنا بالله صدق الله العلي العظيم
عن ابي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه : رأيت بهاتين والا عميتا وسمعتين بهاتين والا صمتا رسول الله (صلي الله عليه واله) وهو يقول علي (عليه السلام) قائد البررة علي (عليه السلام) قاتل الفجره منصور من نصره مخذول من خذله وذلك ان سائلا اتى مسجد رسول الله(صلي الله عليه واله) فلم يعطه احد فمد له علي (عليه السلام) كفه وهو راكع فأخد السائل خاتمه من يده واشترى بثمنه طعاما له فلما سمع بذلك رسول الله (صلي الله عليه واله) رفع يديه بمحرابه قال اللهم ان اخي موسى سألك فقال ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ 2فأنزلت عليه ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ... ﴾ 3 .
وانا اسألك ربي اشرح لي صدري ويسر لي امري واجعل لي وزيرا من اهلي عليا أشدد به ازري فما استتم كلامه حتى نزل قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 .
وقد ذكر السيد المرتضى علم الهدى في كتابه الشافي في الإمامة والشيخ الطوسي في كتابه تلخيص الشافي ان اقوى الادلة على الإمام علي(عليه السلام) من القران هي آية الولاية . عندما نريد ان نتحدث عن ميثاق الإمامه في آية الولاية فإننا نتناول ثلاثة محاور :
المحور الاول في تحديد الولاية في الاية المباركة
تحديد الولاية في الاية المباركة ايضا يعتمد على ثلاثة عناصر نتعرض لها . .
العنصر الاول مناسبة النزول :
هناك بعض الباحثين من اخواننا اهل السنة من قال بأن ايه الولاية انما نزلت في عبادة ابن الصامت وبما انها في عبادة ابن الصامت اذن فلا يصح الاستدلال بها على امامة الامام علي(عليه السلام) نحن نقول بأن هذا الكلام لا ينطبق على الموازين العلميه . . لاحظو معي هنا امامنا روايتان رواية تقول ان هذه الاية نزلت في عبادة ابن الصامت ورواية تقول بأن الاية نزلت على علي امير المؤمنين (عليه السلام) فلنقارن بين الروايتين لنجد ايهما احق بالتفسير والاتباع الرواية التي ذكرت ان المناسبة هي نزلت في عبادة بن الصامت ليس لها الا ثلاثة طرق ولم يروها احد من الصحابه بل رواها التابعون وبعض تابعي التابعين ولم يصحح سندها ولا واحد من علماء الجرح والتعديل من اخواننا اهل السنة اصلا .
بينما نأتي للرواية الاخرى التي تقرر ان الاية نزلت في الامام علي (عليه السلام) إذ تصدق بخاتمه وهو راكع هذه الرواية متواترة . . شمعنى متواترة ؟ هناك مصطلح عند اخواننا اهل السنه ان الرواية التي يرويها عشرة من الصحابه تعتبر متواترة هذه الرواية رواها عشرة ابو ذر والمقداد وعمار وابن عباس وجابر وعمر بن العاص وانس بن مالك وابو رافع وسلمة بن كهيل وحسان بن ثابت وعبدالله بن سلام مضافا الى رواية الأمام علي والحسن (عليهما السلام) وحسان بن ثابت هو من انشد في علي (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمه وهو راكع قال :
أبَا حَسَنٍ تفديكَ نفسي ومُهجَتي *** وكُلّ بطيءٍ في الهُدَى ومُسارِعِ
أيَذْهبُ مَدحي في المُحِبِّين ضَائعاً *** ومَا المَدحُ في ذاتِ الإلَهِ بِضائِعِ
فأنتَ الذي أعطيتَ إذْ كُنتَ رَاكِعاً *** فَدَتْكَ نفوسُ القَومِ يَا خَيرَ رَاكِعِ
بِخَاتَمِكَ الميمون يَا خَيْرَ سَيّدٍ *** ويَا خير شارٍ ثمّ يَا خَير بَائِعِ
فأنزلَ فيك الله خَير وِلايَةٍ *** وبيّنَها في مُحكَمَات الشّرائِعِ
فالرواية متواترة ثانيا الرواية التي ذكرت ان الاية نزلت في الامام علي (عليه السلام) مجمع عليها .
كيف مجمع عليها ؟ الايجي في كتاب المواقف التفتازاني في شرح المقاصد السيوطي في لباب النقول هؤلاء الثلاثة قالوا: نزول الاية في علي بن ابي طالب كرم الله وجهه مما اجمع عليه الاصحاب العلماء اجمعوا في نزولها على علي ابن ابي طالب (عليه السلام) والألوسي في روح المعاني قال غالب الاخبار ان الاية نزلت في علي ابن ابي طالب (عليه السلام) مضافا ان هذه الرواية متضافرة في كتب الحديث في كتب التفسير في كتب التاريخ رواها احمد ، النسائي ، ابو نعيم في حلية الاولياء ، الطبراني في معجمه ، الطبري في ذخائر العقبى ، ابن المغازلي ، الشافعي في مناقبه ، الخطيب الخوارزمي ، الحويني في فرائد السمطين .
نأتي الى كتب التفسير رواها الزمخشري في كشافه ، ابو حيان في تفسيره ، السيوطي في الدر المنثور ، الألوسي في روح المعاني ، ابن ابي حاتم الرازي في تفسيره وذكر في اول التفسير وقال لا اروي في كتابي الا الصحيح من الاخبار ، ابن تيميه في كتابه منهاج السنة عندما يتعرض للتفاسير المعتبره يذكر منها تفسير ابن ابي حاتم الرازي . لماذا ؟ لأنه لا يروي الموضوعات من الاخبار . . اذا كان ابن تيميه يشهد ان تفسير ابن ابي حاتم الرزاي لا يروي الا الصحيح من الاخبار وابن ابي حاتم الرازي التزم بأن لا يروي إِلّا الصحيح وابن ابي حاتم الرازي عندما وصل الى هذه لأية فسرها بنزولها في علي ابن ابي طالب (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمه وهو راكع . هذا العنصر الاول وهو الرواية .
نأتي للعنصر الثاني : عندما نريد ان نحدد معنى الولي
ربما يقال ان هذا لفظ مشترك احيانا يطلق الولي ومعناه المحب كما ذكر في الاية قال تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ 4 ، الولي قد يطلق ويراد به الناصر كقوله تعالى : ﴿ ... وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 5 . . أي ينصر بعضهم بعضا ، وقوله تعالى : ﴿ ... وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 6 .
الولي قد تطلق ويراد بها من يقدم كما في قوله تعالى : ﴿ ... وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ... ﴾ 7، يعني يقدم على البعض الاخر ، وقد يطلق الولي ويراد بها الأولى بالشؤون ”وليك الأولى بشؤونك“ الأولى بالتصرف في امورك كما في قوله تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... ﴾ 7. يعني هو الاولى بالتصرف في شؤونهم وأمورهم .
بما ان الولي يطلق على معاني لماذا الشيعه مصرون على ان الولي في الاية يراد به الإمامة ؟ يعني يراد بها الاولى في التصرف بشؤون المؤمنين ؟
لكثرة الاستعمال أي : في علم اللغة ان اللفظ له مصاديق متعددة . . اذا كثر استعماله في مصداق من المصاديق فأن كثره الاستعمال قرينه النوعيه على الانصراف الى ذلك المصداق او المعنى . .
اذن لفظ الولي جاء استعماله في أي معنى ؟ كما هو متداول الان ما المعنى من قول هذا ولي فلان ؟ أي الاولى بشؤونه والمسؤول عنه .
نأتي للقرآن الكريم اذا كنت تقرأ القرآن اكثر من 60 مورد استخدم القرآن لفظ ولي والقصد منه الاولى بالتصرف،الاولى بالشؤون منها قوله تعالى : ﴿ ... وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ 8 نصير ذات معنى واضح إذن ولي بأي معنى تأتي ؟ ليست بمعنى النصير بل بمعنى الاولى بشؤونهم لأن العطف كما يقول علماء اللغة يدل على المغايرة فالولي هنا ليس بمعنى النصره بل الاولى بالتصرف . .
وفي قوله تعالى :﴿ ... فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ... ﴾ 9 . ما معنى وليه ؟ الأولى به المسؤول عنه هو الذي يملل .
وقوله تعالى :﴿ ... وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ 10 والولي هنا ايضا بمعنى المسؤول عنه المؤول عن شؤونه . اذن كثر استعمال الولي في القران بمعنى الاولى بشؤونكم والاولى بالتصرف في اموركم .
العنصر الثالث : دلالة انما على الحصر
انما باتفاق علماء اللغة اذا اطلقت انما تدل على الحصر مثلا انما ابوك فلان . . يعني ابوك فلان منحصر فيه .
انما فلان شاعر يعني ليس له صفة اخرى منحصر في الشعر .
انما فلان عالم يعني ليس له صفة اخرى منحصر في العلم .
انما تفيد الحصر بما ان انما تفيد الحصر اذن نفترض ان الولي له معاني متعددة نحن نستطيع ان نعين ان المراد بالولي في الاية هو الامام بدلالة انما على الحصر والسبب ان انما حصرت الولاية في ثلاثة . . انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الموصوفون بصفة معينة يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون . بما ان انما حصرت الولاية في هؤلاء الثلاثة اذن لا يمكن ان تفسر الولاية بمعنى المحبة لأن المحبة لا تنحصر في هؤلاء ولا يمكن ان تفسر الولاية بمعنى النصرة لان النصرة لا تنحصر في هؤلاء الثلاثة اذن معنى الولاية معنى اخر ينسجم مع الحصر . ما هو المعنى الذي ينسجم مع الحصر هو الاولى بالتصرف كأنه قال الاولى بشؤنكم والتصرف في اموركم هم ثلاثة الله ورسوله والذين امنو يقيمون الصلاة يأتون الزكاة وهم راكعون . فدلت الاية على الحصر ودلالتها على الحصر دل على ان المراد بالولاية الإمامة .
امامنا شبهه يطرحها بعض الباحثين من اخواننا اهل السنه وهي انه نتفق معكم ان انما تدل على الحصر ولكن دلالة انما على الحصر لا تعني ان المراد بالولاية الامامة ، نستطيع ان نقول ان الولاية معناها النصرة ومع ذلك انما تدل على الحصر لان الناصر للمؤمنين من هو ؟ وفعلا لو دققنا بعقولنا الاية تقول انما وليكم «كم »من هم ؟ المؤمنون ، انما وليكم ايها المؤمنون الله ورسوله والذين امنو لو فسرنا الولاية بالنصرة سيكون الحصر صحيح لأن من ينصر المؤمنين هو الله ورسوله والمؤمنين اذن نصرة المؤمنين تنحصر في ثلاثة الله والرسول والمؤمنين . . المؤمنين ينصر بعضهم بعضا كما جاء في قوله تعالى : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 11 . ينصر بعضهم بعضا .
وقوله تعالى : ﴿ ... وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ... ﴾ 5. أي ينصر بعضهم بعضا ، فبما ان ناصر المؤمنين منحصر في الله والرسول والمؤمنين إذن انما و ان دلت على الحصر لكن يبقى معنى الولاية النصرة وليس الامامة لان النصرة منحصرة في الله والرسول والمؤمنين . هذه الشبهه!!
والجواب عليها : اننا عندما ندقق في الاية نجد ان الاية حصرت الولاية ليس في كل المؤمنين بل في فئه من المؤمنين لو ان الاية قالت انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا " وانتهت لقلنا المؤمنون ينصر بعضهم بعضا اذن الولاية بمعنى النصرة لكن الاية حصرت الولاية في الله ورسوله وفئة معينة من المؤمنين وهم الذين وصفتهم الاية بأنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون اذن بما ان الاية حصرت الولاية في فئه معينه لا في جميع المؤمنين فقد دلت على ان الولاية ليست بمعنى النصرة لان نصرت المؤمنين لا تنحصر بهذه الفئة ، كل المؤمنين ينصرون المؤمنين بينما الاية حصرت الاية حصرت الاية في فئة معينه من المؤمنين وهذا الحصر لا ينسجم إِلّا مع الإمام وإِلا فالنصرة والمحبة وجميع معاني الولاية لا تنحصر بفئة معينه فبما ان الاية حصرت الولاية في فئة معينه اذن المراد بالولاية هو الامامة والأولوية بالتصرف لأن المحصور فيهم فئة معينة وهم الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون .
المصادر
1.. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
2. القران الكريم: سورة طه (20)، الآيات: 25 - 32، الصفحة: 313.
3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 35، الصفحة: 389.
4. القران الكريم: سورة فصلت (41)، الآية: 34، الصفحة: 480.
5. a. b. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 19، الصفحة: 500.
6. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 72، الصفحة: 186.
7. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
8. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 107، الصفحة: 17.
9. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 282، الصفحة: 48.
10. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 33، الصفحة: 285.