بسم الله الرحمن الرحيم
ينقل الملاّ زين العابدين السلماسي : كنت حاضراً في مجلس درس آية الله السيد السند مهدي بحر العلوم قدّس سرّه في المشهد الغرويّ إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمي
فتوجّه المحقّق إلى جناب السيّد وقال: انّكم فُزتم وحُزتم مرتبة الولادة الرّوحانية والجسمانية، وقرب المكان الظاهريّ والباطني، فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان، كي ينشرح به الصدور، ويطمئنّ به القلوب.
فأجاب السيد من غير تأمّل، وقال: انّي كنت في الليلة الماضية ـ في المسجد الأعظم بالكوفة، لأداء نافلة الليل عازماً على الرّجوع إلى النجف في أوّل الصبح، لئلاّ يتعطّل أمر البحث والمذاكرة ـفلمّا خرجت من المسجد اُلقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة، فصرفت خيالي عنه، خوفاً من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم ولكن كان الشوق يزيد في كلِّ آن، ويميل القلب إلى ذلك المكان، فبينا اُقدّم رجلا واُؤخّر اُخرى، إذا بريح فيها غبار كثير، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنّها التوفيق الذي هو خير رفيق، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد.
فدخلت فاذا به خالياً عن العبّاد والزوّار، الّا شخصاً جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبّار، بكلمات ترقّ القلوب القاسية، وتسحّ الدموع من العيون الجامدة، فطار بالي، وتغيّرت حالي، ورجفت ركبتي، وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها اُذني، ولم تَرَها عيني، ممّا وصلت إليه من الأدعية المأثورة، وعرفت انّ الناجي ينشئها في الحال، لا انّه ينشد ما أودعه في البال.
فوقفت في مكاني مستعماً متلذّذاً إلى أن فرغ من مناجاته، فالتفت اليّ وصاح بلسان العجم: " مهدى بيا " أي: هلمّ يا مهدي، فتقدّمت إليه بخطوات فوقفت، فأمرني بالتقدّم فمشيت قليلا ثم وقفت، فأمرني بالتقدّم وقال: انّ الأدب في الامتثال، فتقدّمت اليه بحيث تصل يدي إليه ويده الشريفة اليَّ، وتكلّم بكلمة
قال المولى السلماسي رحمه الله : ولمّا بلغ كلام السيّد السند إلى هنا أضرب عنه صفحاً، وطوى عنه كشحاً، وشرح في الجواب عمّا سأله المحقّق المذكور قبل ذلك. عن سرّ قلّة تصانيفه، مع طول باعه في العلوم، فذكر له وجوهاً فعاد المحقّق القمي فسأل هذا الكلام الخفيّ فأشار بيده شبه المنكر بأنّ هذا سرّ لا يذكر
------------------------------
دار السلام: ج 2، ص 207 و208.
ينقل الملاّ زين العابدين السلماسي : كنت حاضراً في مجلس درس آية الله السيد السند مهدي بحر العلوم قدّس سرّه في المشهد الغرويّ إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمي
فتوجّه المحقّق إلى جناب السيّد وقال: انّكم فُزتم وحُزتم مرتبة الولادة الرّوحانية والجسمانية، وقرب المكان الظاهريّ والباطني، فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان، كي ينشرح به الصدور، ويطمئنّ به القلوب.
فأجاب السيد من غير تأمّل، وقال: انّي كنت في الليلة الماضية ـ في المسجد الأعظم بالكوفة، لأداء نافلة الليل عازماً على الرّجوع إلى النجف في أوّل الصبح، لئلاّ يتعطّل أمر البحث والمذاكرة ـفلمّا خرجت من المسجد اُلقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة، فصرفت خيالي عنه، خوفاً من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم ولكن كان الشوق يزيد في كلِّ آن، ويميل القلب إلى ذلك المكان، فبينا اُقدّم رجلا واُؤخّر اُخرى، إذا بريح فيها غبار كثير، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنّها التوفيق الذي هو خير رفيق، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد.
فدخلت فاذا به خالياً عن العبّاد والزوّار، الّا شخصاً جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبّار، بكلمات ترقّ القلوب القاسية، وتسحّ الدموع من العيون الجامدة، فطار بالي، وتغيّرت حالي، ورجفت ركبتي، وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها اُذني، ولم تَرَها عيني، ممّا وصلت إليه من الأدعية المأثورة، وعرفت انّ الناجي ينشئها في الحال، لا انّه ينشد ما أودعه في البال.
فوقفت في مكاني مستعماً متلذّذاً إلى أن فرغ من مناجاته، فالتفت اليّ وصاح بلسان العجم: " مهدى بيا " أي: هلمّ يا مهدي، فتقدّمت إليه بخطوات فوقفت، فأمرني بالتقدّم فمشيت قليلا ثم وقفت، فأمرني بالتقدّم وقال: انّ الأدب في الامتثال، فتقدّمت اليه بحيث تصل يدي إليه ويده الشريفة اليَّ، وتكلّم بكلمة
قال المولى السلماسي رحمه الله : ولمّا بلغ كلام السيّد السند إلى هنا أضرب عنه صفحاً، وطوى عنه كشحاً، وشرح في الجواب عمّا سأله المحقّق المذكور قبل ذلك. عن سرّ قلّة تصانيفه، مع طول باعه في العلوم، فذكر له وجوهاً فعاد المحقّق القمي فسأل هذا الكلام الخفيّ فأشار بيده شبه المنكر بأنّ هذا سرّ لا يذكر
------------------------------
دار السلام: ج 2، ص 207 و208.