اللهم صل على محمد وآل محمد
ورد عن أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام قوله: "كنت عند أبي عبد الله -الصادق- عليه السلام فدخل عليه شيخ فقال: يا أبا عبد الله أشكو إليك ولدي وعقوقهم وإخواني وجفاهم عند كبر سني، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هذا إن للحق دولة وللباطل دولة وكل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل وإن أدنى ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده والجفاء من إخوانه وما من مؤمن يصيبه شيئاً من الرفاهية في دولة الباطل إلا ابتلي قبل موته، إما في بدنه وإما في ولده وإما في ماله حتى يخلصه الله مما اكتسب في دولة الباطل ويوفر له حظه في دولة الحق. فاصبر وأبشر".
فالإبتلاءات هي لأجل إخراج الظلمات من الإنسان، وجود هذه الظلمات بحد ذاته نعمة، استئصال الصفات السيئة يعطي الإنسان قوة وقابلية أكبر في الوصول إلى الله لا يجدها الإنسان المعافى من الإبتلاء المتقرب إلى الله بالعبادات.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه" اصطفاه بمعنى استخلصه لنفسه، فالعبد الذي يرضى بقضاء الله -لا يشكو ولا يسخط- قد تخلص من تعلقه بذاته وأصبح تعلقه بالله فقط لا تعلق له بنفسه مطلقاً، يعلم الله ما الذي سيصل إليه الإنسان بصبره ورضاه "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ العَظِيم".
قال الله عز وجل: "ما لأوليائي والهم بالدنيا، إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم، يا داود إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون" الإبتلاءات في الدنيا لها ثواب عظيم عند الله، يجب على المرء أن يصل لتلك المرحلة التي لا تغشاه فيها حالات من قبيل الغضب والحزن والخوف، بل يبقى قلبه في حال ارتباط دائم بالله، قلب رحيم تتجلى فيه رحمة الله عز وجل.
عندما تزول كل شوائب تعلق الإنسان بنفسه يصل لحالة لا يمكن وصفها، ولا يوجد لذة على وجه الأرض تقاس بما يصل له الإنسان بصبره ورضاه، الرضا هو أن يكون الإنسان مطمئن القلب دائم الإرتباط والتعلق بالله سبحانه "لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ".