قبر الإمام الحسين في عصر المسترشد العباسي
شفقنا العراق-في عام (526هـ) سرق المسترشد العباسي جميع ما في ضريح الحسين (ع) من المجوهرات والأموال والقناديل والآثار والأشياء الثمينة المرصعة بالجواهر وأفرغ الضريح منها ليصرفها على تجهيز جيشه لكنه لم يمسّ البناء بسوء وكان المسترشد يخوض حروباً ضد مسعود السلجوقي وقد قتل في أحدى هذه الحروب في همدان.
وقد علل المسترشد عمله الشنيع هذا بالقول إن القبر لا يحتاج إلى هذه الأشياء!! والظاهر إنه لم يكتف بسرقة ما في القبر الشريف من النفائس والجواهر والتحف الثمينة والأموال، بل إنه سرق كربلاء أيضاً كما نقل ذلك العلامة المجلسي الذي روى ما نصه: (أخذ المسترشد من مال الحائر وكربلاء وقال: إن القبر لا يحتاج إلى خزانة وأنفق على العسكر فلما خرج قتل هو وابنه الراشد)(1)، ولكن المصادر لم تطلعنا على باقي المسروقات خارج القبر الشريف وربما هان ذكر ذلك على حجم السرقة التي كانت من القبر (والجرح يسكنه الذي هو ألم).
ويذكر السيد مير علي تفاصيل أوسع وأحداث أكثر عن الأجواء العصيبة التي مرّ بها الشيعة في عصر المسترشد والأعمال الفظيعة التي ارتكِبت ضدهم وضدّ مقدساتهم ومنها هذه الجريمة باستباحة قبر سيد الشهداء وسبط الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) حيث يقول ما نصه: (وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة لما أخبر المسترشد بجمع ما اجتمع في خزانة القبر من الأموال والمجوهرات فأنفق على جيوشه قائلا: إن القبر لا يحتاج إلى خزينة، إلا أنه لم يتعرض للبناء بسوء، وقد كان المسترشد في هذا الوقت يستعد بتجهيز الجيوش وجمع العساكر لأنه كان قد اشتبك في أواخر عهده بحروب داخلية أثيرت عليه بمدة يسيرة من بعد وفاة السلطان محمود في سنة (525هـ) فكان بحاجة شديدة إلى المال، فتطاول على القبر الشريف وصادر أمواله فاستعملها في سبيل توطيد دعائم ملكه في تلك الحروب التي أثارها عليه مسعود أخو سلجوقشاه في أواخر سنة (526هـ) وقد نشبت معركة حامية بينهما دارت فيها الدائرة على المسترشد نفسه ووقع أسيراً في قبضة خصمه وبينما كان في خيمته إذ هجمت عليه جماعة من الباطنية وفتكوا به) (2)
ولم يكن ترك المسترشد للقبر الشريف دون أن يهدمه عن تورّع منه أو احترام وتقديس لصاحبه بل إنه كان يمر بظروف حرجة ويواجه انتفاضات داخلية وحروب خارجية فخاف أن يتألب الرأي العام ضده بتهديم القبر فاكتفى بسرقته وإلا ما الفرق بين سرقة القبر وتهديمه كما فعل أسلافه من قبل كالمنصور وهارون والمتوكل ؟؟
وقد وقعت النفائس الثمينة التي سرقها المسترشد من قبر الإمام الحسين (عليه السلام) بيد عدوه السلطان مسعود حيث ذكر ابن الطقطقا (3) وابن الجوزي (4): (إن الخليفة العباسي المسترشد سار ومعه الأموال المنهوبة لمقاتلة السلطان مسعود ولما تقابل الجيشان وقع المسترشد أسيراً بيد السلطان مسعود إذ خانه جيشه ثم أمر السلطان مسعود بقتل الخليفة العباسي فقتل شر قتلة ونهب معسكره)
وينقل السيد محمد حسن الكليدار صورة عن حجم تلك النفائس ومقدار التحف والجواهر والأموال المسروقة من القبر الشريف عن المجلسي (5) فيقول: (أجمع المؤرخون: عندما قتل المسترشد العباسي ونهب خزانته وجد فيها خمسة آلاف جمل وأربعمائة بغلا محملة بالطنافس والمجوهرات والنقود قدرت تلك الأموال بعشرة آلاف دينار مع العلم إن خزانته كانت فارغة عندما تأهب لقتال السلطان مسعود قبل نهبه خزانة الروضة الحسينية وكان قد حمل تلك المنهوبات معه ليوزعها على مستحقيها فيما لو كان منتصرا لكن المقادير شاءت أن ينتقم منه شر انتقام جزاء عبثه ونهبه خزانة الروضة الحسينية المقدسة فلاقى مصيره المحتوم) (6)
ويعقب الكليدار على هذه الرواية بالقول: (وهكذا ختم المسترشد حياته في أسوأ حال جزاء فعلته المنكرة وتطاوله على خزانة الروضة الحسينية المقدسة).
ولم تقتصر العاقبة السيئة على المسترشد جراء فعلته الشائنة بل امتدت إلى ابنه الراشد الذي شارك أباه في هذه الجريمة ولكنه لم يخرج للقتال مع أبيه وبقي في بغداد وحكم بعد أبيه لكن مسعود السلجوقي لم يمهله بعد قتل أبيه طويلا فلم يمر عام على حكمه حتى هاجم السلجوقي بغداد ودخلها فهرب الراشد منها لكن مسعود أرسل خلفه من يقتله فقتل قرب في قرية قرب أصفهان
وقد وثق هذه الحادثة شعرا الشيخ العلامة محمد السماوي فقال:
والحادثُ الســــادسُ للمسترشدِ *** إذ فــــــعلَ الفعلَ الــــــذي لم يعهدِ
مدَّ إلى خزانــــــةِ الحسينِ كفْ *** وباعَ ما قد كـــــــان فيها من تحفْ
فقيلَ: لِمْ تمـــــــــــــــدّ للخزانة *** كفاً بلا رهــــــــنِ ولا ضمـــــــانة
فقال: ما الحسينُ بالمـــــــحتاجِ *** لكلِّ إكليـــــــــــــــلٍ وكـــــــلِّ تاجِ
وما درى أو كــــــــانَ في تلاهِ *** بأنّها شعــــــــــــــــــــــــــائرُ الإلهِ
وجنَّدَ الجنــــــــــــودَ ثم صارا *** لهمــــــــــدانٍ يبتــــــــغي انتصارا
ويقتلُ الملكَ بهـــــــا المسعودا *** فصـادفَ الــــــــمسترشدُ الموعودا
وقتلوهُ وهو فــــــــــي مراغه *** جــــــــــــــــــزاءَ ما سوَّغه وساغَه
وكان ذا في سنةِ الخمسمئة *** والتسع والعشرين دون التوطئة (7)
وفي الراشد العباسي يقول الشيخ السماوي: وسوّغَ ابنـــه الذي قد ساغَه *** فقتلوه وهــــــــــو في مراغَه
ولم يفدهُ الجـــــــــندُ والعديدُ *** فإن بطــــــــــــشَ ربِّنا شديدُ
وما تهنّا الــراشدُ ابنه سوى *** أقلَّ من عــــــــامٍ وراهُ فثوى
قتلاً وكلٌّ سحبـــــــــوه جرَّا *** جــــــــــزاءَ ما كان به تجرَّا
أليسَ في المجـرِّبِ المتّضحِ *** من مدَّ للوقــــفِ يداً لم يربحِ
فكيفَ وقفُ خـــــــالدٍ منظّم *** شعـــــــائرُ اللهِ به تعظّم (8)
محمد طاهر الصفار
………………………………………………………………….1 ــ بحار الأنوار ج 10 ص 297
2 ــ تاريخ العرب ص 291
3 ــ الأحكام السلطانية
4 ــ المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ج 10 ص 272
5 ــ بحار الأنوار ج 45
6 ــ مدينة الحسين ج 2 ص 188
7 ــ مجال اللطف في أرض الطف ص 56
8 ــ المصدر السابق ص