في قبال صورة الحسين بن عليّ (عليه السلام) بطل كربلاء ، وقائد الثورة الإسلامية ضدّ الظلم والطغيان ، وما سجّلته واقعة كربلاء من مشاهد الإباء والشجاعة والتضحية ، ترتسم صورة اُخرى لا تقلّ هيبة وجلالاً عن تلك الصورة .
إنّها صورة زينب (عليها السلام) بطلة كربلاء التي واكبت حركة الحسين (عليه السلام) خطوة بخطوة ، وكانت مثله صبراً وتحدِّياً وثقة بالله وشجاعة في مواجهة المواقف الصعبة .
إنّها بحقّ شريكة الحسين (عليه السلام) في نهضته الإصلاحية .
فجأة تجد زينب (عليها السلام) نفسها وحيدة في ساحة امتلأت بجثث الشُّهداء من أهل بيتها ، وترسل نظرة اُخرى فترى النِّساء الأرامل والأطفال اليتامى ولا من معيل . أيّة مسؤوليّة ثقيلة ؟
فكيف تصرّفت ؟
1 ـ أدخلت السكينة على قلوب الأطفال والنِّساء وهدّأت من روعهم ، وهذا لا يكون إلاّ إذا كان مانح السكينة يعيش السكينة هو نفسه ، ففاقدُ الشيء لا يعطيه .
2 ـ اتّجهـت في مشهد روحي غارق في العرفـان إلى جسد أخيها الحسين ، سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، المبضّع والمضرّج لتضع يديها تحته وترفع طرفها إلى السّماء ،
قائلة : « اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان » فهي تقدِّم أغلى وأعزّ هداياها إلى ساحة الرضوان الإلهيّ ، وهذا أيضاً لا يكون إلاّ من نفس راضية بقضاء الله وقدره ، ومطمئنّة إلى جزاء الله الأوفى .
3 ـ لم تترك عبادتها ونافلتها في ليلة الحادي عشر من المحرّم رغم ما كانت تعانيه من مصائب كلّ واحدة منهنّ تهدّ الشامخات الرواسي ، فبأيّ قلب ستواجه الله وقد فقدت كلّ عزيز ؟!
يقول ابن أخيها عليّ بن الحسين (عليه السلام) ـ الوحيد الباقي من الرِّجال معها ـ :
« ما تركت عمّتي تهجّدها لله تعالى طوال دهرها حتّى ليلة الحادي عشر من المحرّم » . ونقلت عنها ابنة أخيها فاطمة « وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك اللّيلة في محرابها تستغيث إلى ربّها ، فما سكنت لها عين ولا هدأت لها رنّة » .
إنّ الإنسان المؤمن المنكوب لا يجد ملجأ ولا مفزعاً يتوجّه إليه غير الله اللّطيف الخبير ، ولذا فإنّ صلاته تكون سكناً له ، وأنّ تضرّعه يصبح اُنساً لقلبه المفجوع ، وانّ تهجّده يتحوّل إلى راحة لروحه المثقلة .
بهذه الأسلحة واجهت زينب (عليها السلام) محنة كربلاء .
وبها أيضاً نستطيع ، نساء ورجالاً ، أن نواجه ما يمرّ بنا من محن .
: