لم يأسره سجن الطواغيت
"ما منّا إلا مسموم أو مقتول" عبارة نطق بها الإمام زين العابدين عليه السلام وتنبّأ فيها عن معاناة الأئمة
المعصومين عليهم السلام وما سيلاقونه من ظلم من أئمة الجور والطغيان، وأن نصيبهم الشهادة، وبعد استشهاد
الإمام الحسين عليه السلام لم يتعرض أئمتنا للتنكيل مثل ما تعرض إليه الإمام موسى الكاظم عليه السلام،
وذلك لجرأة هارون العباسي على شخص الإمامة المتمثلة بالإمام موسى الكاظم عليه السلام فزجّ به في غياهب
السجون، فأمر باعتقاله عندما كان الإمام عليه السلام قائماً يصلي عند قبر جدّه النبي صلى الله عليه وآله،
فقطعوا صلاته وقيّدوه وهو يشكو حاله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يراعِ هارون حرمة للمكان
الشريف ولا لفريضة الصلاة ولا لقرابة الإمام عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا يدلّ على
استعداد هارون للتضحية بجميع المقدسات والقيم من أجل ملكه، فهو صاحب المقولة المشهورة (لو نازعني
رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذت الذي فيه عيناه)(1) فوضع الإمام عليه السلام في سجنٍ انفرادي، وحبسوه
في بيوت رجال الدولة وبصورة سرية خوفاً من الموالين له ولم يكتفِ بحبسه وبإبعاده عن أهله وعزله عن
الناس، بل ضيّق عليه بالوسائل شتى. ولكن الإمام عليه السلام حوّل السجن بصبره وكظمه لغيظه إلى محرابٍ
للعبادة، وتفرّغ فيه لمناجاة ربّه، فكان يصوم نهاره ويقوم ليله، فهو صاحب السجدة الطويلة التي أذهلت عقول
الموالين والمخالفين، وعدّ سجنه عليه السلام نعمة من نعم الله عليه؛ لتفرغه للعبادة. ولعّل من بعض الأسباب
التي أدت إلى سجن الإمام عليه السلام هي:
1. ذياع صيته عليه السلام وشخصيته القوية والمرموقة التي كانت تجذب جميع المسلمين على اختلاف
مذاهبهم والتفاف الناس حوله باعتباره سبط النبي صلى الله عليه وآله مما أثار مخاوف هارون على ملكه.
2. بطانة هارون العباسي من البرامكة التي كانت تسعى جاهدة للوشاية به على أن الأموال تُجبى إليه من
سائر الأقطار الإسلامية وأنه يدعو لنفسه بالخلافة.
3. الفتوى الصريحة التي أصدرها عليه السلام بتحريم المعاملة مع السلطة الحاكمة لأي سبب، فقد كره
لصاحبه صفوان الجمّال أن يكري جماله لهارون في أيام الحج مما دفع صفوان إلى بيع جماله.
4. بغض هارون الدائم للعلويين الذي كان متوارثاً عن آبائه.
5. سؤال هارون للإمام عليه السلام عن فدك ومحاولة إرجاعها إليه، فأبى الإمام إلا أن يأخذها بحدودها
وبيّن عليه السلام أنّ حدودها جميع الأقاليم الإسلامية.
ولهذه الأسباب وغيرها أمر هارون السندي بن شاهك بالتضييق على الإمام عليه السلام ووضع الأغلال في يده،
والتي كانت تزن ثلاثين رطلاً من الحديد، ثم دسّ إليه السم في رطبات، فأحس عليه السلام بأوجاع وآلام شديدة،
وفارق الحياة وهو بين ألدّ أعدائه وبعيداً عن أهله ومحبيه والأغلال في يديه.
فسلاماً على المعذّب في قعر السجون وظلم المطامير، وذي الساق المرضوض بحلق القيود، مولاي موسى الكاظم عليه السلام.
..........................
(1)موسوعة سيرة أهل البيت/ الإمام موسى بن جعفر : ص446.
وفاء عمر عاشور
تم نشره في المجلة العدد (82)
"ما منّا إلا مسموم أو مقتول" عبارة نطق بها الإمام زين العابدين عليه السلام وتنبّأ فيها عن معاناة الأئمة
المعصومين عليهم السلام وما سيلاقونه من ظلم من أئمة الجور والطغيان، وأن نصيبهم الشهادة، وبعد استشهاد
الإمام الحسين عليه السلام لم يتعرض أئمتنا للتنكيل مثل ما تعرض إليه الإمام موسى الكاظم عليه السلام،
وذلك لجرأة هارون العباسي على شخص الإمامة المتمثلة بالإمام موسى الكاظم عليه السلام فزجّ به في غياهب
السجون، فأمر باعتقاله عندما كان الإمام عليه السلام قائماً يصلي عند قبر جدّه النبي صلى الله عليه وآله،
فقطعوا صلاته وقيّدوه وهو يشكو حاله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يراعِ هارون حرمة للمكان
الشريف ولا لفريضة الصلاة ولا لقرابة الإمام عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا يدلّ على
استعداد هارون للتضحية بجميع المقدسات والقيم من أجل ملكه، فهو صاحب المقولة المشهورة (لو نازعني
رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذت الذي فيه عيناه)(1) فوضع الإمام عليه السلام في سجنٍ انفرادي، وحبسوه
في بيوت رجال الدولة وبصورة سرية خوفاً من الموالين له ولم يكتفِ بحبسه وبإبعاده عن أهله وعزله عن
الناس، بل ضيّق عليه بالوسائل شتى. ولكن الإمام عليه السلام حوّل السجن بصبره وكظمه لغيظه إلى محرابٍ
للعبادة، وتفرّغ فيه لمناجاة ربّه، فكان يصوم نهاره ويقوم ليله، فهو صاحب السجدة الطويلة التي أذهلت عقول
الموالين والمخالفين، وعدّ سجنه عليه السلام نعمة من نعم الله عليه؛ لتفرغه للعبادة. ولعّل من بعض الأسباب
التي أدت إلى سجن الإمام عليه السلام هي:
1. ذياع صيته عليه السلام وشخصيته القوية والمرموقة التي كانت تجذب جميع المسلمين على اختلاف
مذاهبهم والتفاف الناس حوله باعتباره سبط النبي صلى الله عليه وآله مما أثار مخاوف هارون على ملكه.
2. بطانة هارون العباسي من البرامكة التي كانت تسعى جاهدة للوشاية به على أن الأموال تُجبى إليه من
سائر الأقطار الإسلامية وأنه يدعو لنفسه بالخلافة.
3. الفتوى الصريحة التي أصدرها عليه السلام بتحريم المعاملة مع السلطة الحاكمة لأي سبب، فقد كره
لصاحبه صفوان الجمّال أن يكري جماله لهارون في أيام الحج مما دفع صفوان إلى بيع جماله.
4. بغض هارون الدائم للعلويين الذي كان متوارثاً عن آبائه.
5. سؤال هارون للإمام عليه السلام عن فدك ومحاولة إرجاعها إليه، فأبى الإمام إلا أن يأخذها بحدودها
وبيّن عليه السلام أنّ حدودها جميع الأقاليم الإسلامية.
ولهذه الأسباب وغيرها أمر هارون السندي بن شاهك بالتضييق على الإمام عليه السلام ووضع الأغلال في يده،
والتي كانت تزن ثلاثين رطلاً من الحديد، ثم دسّ إليه السم في رطبات، فأحس عليه السلام بأوجاع وآلام شديدة،
وفارق الحياة وهو بين ألدّ أعدائه وبعيداً عن أهله ومحبيه والأغلال في يديه.
فسلاماً على المعذّب في قعر السجون وظلم المطامير، وذي الساق المرضوض بحلق القيود، مولاي موسى الكاظم عليه السلام.
..........................
(1)موسوعة سيرة أهل البيت/ الإمام موسى بن جعفر : ص446.
وفاء عمر عاشور
تم نشره في المجلة العدد (82)