شاع في القرون المتأخرة استخدام لقب (أهل السنة والجماعة) على المنتسبين للمذاهب الأربعة ، وهم بالترتيب : (الحنفية أتباع أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، والمالكية أتباع مالك بن أنس ، والشافعية اتباع محمد بن إدريس الشافعي ، والأحمدية اتباع أحمد بن حنبل) .
يزعمون أنهم على سُّنة رسول الله ! وفي الواقع هم على سُّنة خلفاءهم التي هي بالضد مع السُّنة النبويّة المحمديّة ، خلفائهم المنقلبين على أعقابهم والمحرفين للكلم من بعد مواضعه ، القاتلين والمحاربين للإمام علي وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) . لقد انقطعوا إلى رجالٍ لم يُعاصروا النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا عرفوه ! وإنّما وُلِدُوا بعدما وقعت الفتنة وبعدما تحارب الصحابة وقتل بعضهم بعضاً وكفّر بعضهم بعضاً ، وبعدما تصرّف الخلفاء في القرآن والسنة واجتهدوا فيهما بآرائهم . وبعدما استولى يزيد بن معاوية على الخلافة ، قتل الإمام الحسين (ع) واستباح مدينة الرسول (ص) المنورة بجيشه ، وعاث جيشه فيها فساداً وقتل خيار الصحابة الذين لم يبايعوه ، واستبيحت الفروج وانتهكت المحارم وحبلت النساء من سفاح ورمى الكعبة بالمنجنيق .
في الحقيقة أنّ سُنتهم المشؤومة قامت على نبذ الأمير الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) ، بل حتّى سبّه ولعنه وسائر أهل بيته على المنابر في كل مسجدٍ من مساجد المسلمين وسائر القرى والمدن ! فدامت تلك البدعة ثمانين سنة ، حتى كان خطيبهم إذا نزل للصلاة قبل أن يلعن علي بن أبي طالب صاح به من في المسجد : تركت السنة .. تركت السنة .
ولمّا أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز إبدال هذه السنة بقوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ، تآمروا عليه وقتلوه لأنّه أمات سُّنتهم . وسَفِهَ بذلك أقوال أسلافه الذين أوصلوه للخلافة فقتلوه بالسم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة ، ولم تطل خلافته غير سنتين وذهب ضحية الإصلاح ؛ لأنّ بني عمومته الأمويين لم يقبلوا أن يميت سُّنتهم ويرفع بذلك شأن أبي تراب والأئمة من ولده .
وبعد سقوط الدولة الأموية ، جاء العباسيون فنكلوا بدورهم بأئمة أهل البيت وشيعتهم إلى أن جاء دور الخليفة جعفر بن المعتصم الملقب بالمتوكل الذي كان متمذهباً بمذهب الشافعي ، فكان من أشد الناس عداوة لعلي وأولاده (عليهم السلام) ووصل به البغض والحقد إلى نبش قبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء ومنع الناس من زيارته ، وكان لا يعطي عطاءً ولا يبذل مالاً إلّا لمن شتم علياً وولده . وقصة المتوكل مع ابن السكيت العالم النحوي المشهور معروفة وقد قتله شر قتلة ، فاستخرج لسانه من قفاه عندما اكتشف بأنه يتشيع لعلي وأهل بيته في حين أنه كان أستاذاً لولديه . وأنّ بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوصي بل في ذكر معجزات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيقطع لسانه ويمزق ديوانه ما فعل بعبد الله بن عمار البرقي وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي ، وما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري ، وكما دمر دعبل بن علي الخزاعي .
وبلغ حقد المتوكل ونصبه أن أمر بقتل كل مولود يسميه أبواه باسم علي (عليه السلام) ؛ لأنه أبغض الأسماء إليه . حتى أنّ علي بن الجهم الشاعر لما تقابل مع المتوكل قال له : يا أمير المؤمنين ، إن أهلي عقوني ! قال المتوكل : لماذا ؟ قال : لأنّهم سموني عليا وأنا أكره هذا الاسم وأكره من يتسمى به ، فضحك المتوكل وأمر له بجائزة . وكان المتوكل يُقيم في مجلسه رجلاً يتشبّه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فيضحك الناس عليه ويقولون : قد أقبل الأصلع البطين ، فيسخر منه أهل المجلس ويتسلّى بذلك الخليفة .
ولقد اعتبره عدد من ساداتهم وكبراؤهم أنّ المتوكل محيي السنة ومميت البدعة أمثال الذهبي وغيره ، وبما أنّ أهل الحديث هم أنفسهم أهل السنة والجماعة فثبت بالدليل الذي لاريب فهي أن السنة المقصودة عندهم هي بغض علي بن أبي طالب ولعنه والبراءة منه فهي النصب . ومما يزيدنا وضوحاً على ذلك أن الخوارزمي يقول في كتابه : (حتى أنّ هارون بن الخيزران ، وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن ، كانا لا يعطيان مالاً ولا يبذلان نوالا إلّا لِمَنْ شتم آل أبي طالب ونصر مذهب النواصب مثل : عبد الله بن مصعب الزبيري ، ووهب بن وهب البختري ، ومن الشعراء مثل : مروان بن أبي حفصة الأموي ، ومن الأدباء مثل : عبد الملك بن قريب الأصمعي) . (الخوارزمي : ص135.)
ذكر ابن حجر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : لما حدث نصر بن علي بن صهبان ، بأنّ رسول الله (ص) أخذ بيد الحسن والحسين وقال : (مَنْ أَحَبّنِي وَأَحَبَّ هَذَينِ وَأَبَاهمَا وَأُمّهمَا كَانَ فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، أمر المتوكل بضربه ألف سوط ، فأشرف على الهلاك فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : يا أمير المؤمنين ، هذا من أهل السُّنة .. فلم يزل به حتى تركه . (تهذيب التهذيب لابن حجر ترجمة نصر بن علي بن صهبان) . والعاقل يفهم من قول جعفر بن عبد الواحد للمتوكل بأن نصراً هو من أهل السنة لينقذه من القتل .
ولم يعتبروا الأمير الإمام علي (عليه السلام) خليفةً أبداً إلّا في وقت متأخر جداً ، فكان الخلفاء الراشدين عندهم ثلاثة فقط إلى أن ربّع به أحمد بن حنبل بعد مئة عام . حيث جاء في طبقات الحنابلة - وهو الكتاب الصحيح والمشهور عندهم - : ج(1) ، ص(292) : عن ابن أبي يعلى بالإسناد عن وديزة الحمصي قال : دخلت على أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي (رضي الله عنه) . فقلت له :يا أبا عبد الله ، إن هذا طعنٌ على طلحة والزبير ! فقال : بئسما قلت ، وما نحن وحرب الجمل وذكرها ؟ قلت : أصلحك الله إنما ذكرناها حين ربّعت بعلي وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمة قبله ! فقال لي : وما يمنعني من ذلك ؟! قلت : حديث ابن عمر ! فقال لي : عمر خير من ابنه ، فقد رضي عليّا للخلافة على المسلمين وأدخله في الشورى ، وعليٌّ قد سمّى نفسه أمير المؤمنين ، فأقول أنا ليس للمؤمنين بأمير ؟! قال : فانصرفت عنه .
وقد قامت سُّنتهم على سنن وآثار الخلفاء ، في حين أننا نجد أنّ أبو بكر وعُمَر قد رفضوا سُّنة النبي جملتاً وتفصيلاً ! حيث جمع أبو بكر خمسمائة حديث للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرقها بالنار ، وخطب في الناس قائلاً : لا تحدثوا عن رسول الله شيئا ! فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم القرآن فأحلوا حلاله وحرموا حرامه . وقوله : لا تحملوني على سُّنة نبيكم ، فأنّي لا أطيقها !
وفي ذلك منعٌ للناس من اتباع سُّنة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . وقال عُمَر بن الخطاب حينها بعد ان اتهم النبي بالهجران : (أنّ النبي غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله) ! وهذا الله رفضٌ صريحٌ لسنة النبي الكريم ، بل سوء أدب واخلاق وتنافي مع الخُلُق القرآني الذي أمر الله الصحابة وسائر الناس بأن يتأدبوا به مع النبي عند مخاطبتهم له . قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْحُجُرَاتِ : 2.] ولقد طردهم رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) وأمرهم بالخروج من محضره بعد أن غَضِبَ عليهم لَمَّا أكثروا اللغو والاختلاف عنده ، وقال (صلّی الله عليه وآله وسلّم) : (قوموا عني ! ولا ينبغي عند نبي تنازع) . قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ - [سُّورَةُ الشُّعَرَاءِ : 114.] وهذا يعني أنّ الذين طردهم النبي من محضره ليسوا بمؤمنين . وَقَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ - [سُّورَةُ الْأَنْفَالِ : 24.] وليسوا بمستجيبين لأمر الله ولا رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . ذلك بعد أن رفعوا صوتهم فوق النبي وخرجت كلمة كبيرة من عُمَر بن الخطاب (الهجر) . قَالَ تَعَالَى : ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ - [سُّورَةُ الْكَهْفِ : 5.] رافضين بذلك كتابة وصية رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) التي أمر الله تعالى عباده أن يكتبوها إذا حضرت وفاتهم . قَالَ تَعَالَى : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 180.]
ولقد خالفوا سُّنة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتابة الكتاب العاصم للأُمّة من الضلال ، كما ضربوا بنصوص النبي محمد (ص) في استخلاف الإمام علي (ع) عرض الجدار ! ولقد تركوا سُّنة النبي في إيذاء بضعته فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وتحدّوا غضبها وأحرقوا دارها وأسقطوا جنينها وكسروا ضلعها ومنعوا عنها خمس خيبر وقسموه للنساء . وتركوا سُّنة النبي في تأمير أسامة عليه وسيره في جيشه . وتركوا سُّنة النبي في حرب وقتل المسلمين الذين منعوه الزكاة . وتركوا سُّنة النبي في منعه سهم المؤلفة قلوبهم واتبع أبو بكر رأي عمر . وتركوا سُّنة النبي في حرق الفجاءة السلمي وقد نهى النبي عن ذلك . وتركوا الأضحية التي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يفعلها ويؤكد عليها . وتركوا سُّنة النبي في التسيير ضمن جيش أسامة ، ولم يخرج عمر بن الخطاب بدعوى إعانة أبي بكر على أعباء الخلافة . وتركوا سُّنة النبي في الطلاق ثلاث فجعلوه طلقة واحدة . وتركوا سُّنة النبي في فريضة التيمم وأسقطوا الصلاة عند فقد الماء . وتركوا سُّنة النبي في عدم التجسس على المسلمين . وخالفوا سُّنة النبي في إسقاط فصل من الأذان وإبداله بفصل من عنده . وخالفوا سُّنة النبي في النهي عن صلاة النافلة جماعة فابتدعوا التراويح . وخالفوا سُّنة النبي في العطاء فابتدعوا المفاضلة وخلق الطبقية في الإسلام . وخالفوا سُّنة النبي في تأخير مقام إبراهيم عن البيت وإعادته ما كان عليه أيام الجاهلية ، وكان على عهد النبي ملصقا بالبيت . وخالفوا سُّنة النبي في قطعهم شجرة بيعة الرضوان . وخالفوا سُّنة النبي في لهوهم بالصفق في الأسواق .
فكيف يقال أنهم أهل سنة رسول الله ؟!؟
أو عليكم بسنة الراشدين من بعدي ؟!؟
أبو بكر يحرق أحاديث النبي (ص) ويمنع تدوينها :
1- المتقي الهندي - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 285 / 286 ) : 29460 - مسند الصديق (ر) : قال الحافظ عماد الدين بن كثير في مسند الصديق : الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، حدثنا : بكر بن محمد الصريفيني بمرو ، حدثنا : موسى بن حماد ، ثنا : المفضل إبن غسان ، ثنا : علي بن صالح ، حدثنا : موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن إبراهيم بن عمرو ، عن عبيد الله التيمي ، حدثنا : القاسم بن محمد ، قال : قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص) فكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلة يتقلب كثيرا ، قالت : فغمني ، فقلت : تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ، فلما أصبح ، قال : أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فأحرقها ، وقال : خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد تقلدت ذلك ، وقد رواه القاضي أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي ، عن أبيه ، عن علي بن صالح ، عن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي ، حدثني : القاسم بن محمد أو ابنه عبد الرحمن بن القاسم شك موسى فيهما قال : قالت عائشة - فذكره وزاد بعد قوله : فأكون قد تقلدت ذلك ويكون قد بقي حديث لم أجده ، فيقال : لو كان ، قاله رسول الله (ص) : ما غبي على أبي بكر إني حدثتكم الحديث ولا أدري لعلي لم أتتبعه حرفا حرفا ، قال ابن كثير : هذا غريب من هذا الوجه جدا وعلي بن صالح لا يعرف ، والأحاديث عن رسول الله (ص) أكثر من هذا المقدار بألوف ولعله إنما اتفق له جمع تلك فقط ، ثم رأى ما رأى لما ذكرت ، قلت : قال الشيخ السيوطي (ر) أو لعله جمع ما فاته سماعه من النبي (ص) ، وحدثه عنه به بعض الصحابة كحديث الجدة ونحوه ، والظاهر أن ذلك لا يزيد على هذا المقدار لأنه كان أحفظ الصحابة وعنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد منهم كحديث ( ما دفن نبي الا حيث يقبض ) ثم خشي أن يكون الذي حدثه وهم فكره تقلد ذلك وذلك صريح في كلامه.
2- الذهبي - تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي - الطبقة الأولي من الكتاب - أبو بكر الصديق (ر) - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 9 > 11 ) - .... ومن مراسيل ابن أبي مليكة : إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم ، فقال : انكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم ، فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.
- .... وقد نقل الحاكم ، فقال : حدثني : بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، أنا : محمد ابن موسى البربري ، أنا : المفضل بن غسان ، أنا : علي بن صالح ، أنا : موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي ، حدثني : القاسم بن محمد ، قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا ، قالت : فغمني ، فقلت : أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ، فلما أصبح ، قال : أي بنية هلمى الأحاديث التى عندك فجئته بها فدعا بنار فحرقها ، فقلت : لم أحرقتها ، قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني : فأكون قد نقلت ذاك ، فهذا لا يصح والله أعلم .
عمر بن الخطاب يحرق أحاديث النبي (ص) ويمنع تدوينها :
1- الذهبي - سير أعلام النبلاء - الطبقة الثانية - القاسم بن محمد - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 59 ) - .... قال زيد بن يحيى : حدثنا : عبد الله بن العلاء ، قال : سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فمنعني ، وقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر ، فناشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها ، أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب.
2- ابن سعد - الطبقات الكبرى - الطبقة الثانية : من أهل المدينة من التابعين ممن روى عن أسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، ورافع بن خديج ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة وسلمة بن الأكوع ، وعبد الله بن عباس ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وغيرهم . 737 - القاسم بن محمد - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 143 ) : - قال : أخبرنا : زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي ، قال : أخبرنا : عبد الله بن العلاء ، قال : سألت القاسم يملي علي أحاديث ، فقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب ، قال : فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا .
3- البكري - عمر بن الخطاب - موقفه من العلم والعلماء - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 157 ) - .... تحريقه لأحاديث رسول الله (ص) : أخرج ابن سعد ، عن عبد الله بن العلاء أنه قال : سألت القاسم أن يملي علي أحاديث ، فقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها ، أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب ، قال : فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا.
4- صحيح مسلم - كتاب الزكاة - النهي عن المسألة - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 94 / 95 ) : 1037 - حدثنا : أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا : زيد بن الحباب أخبرني : معاوية بن صالح ، حدثني : ربيعة بن يزيد الدمشقي ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال : سمعت معاوية يقولا إياكم وأحاديث الا حديثا كان في عهد عمر فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل سمعت رسول الله (ص) وهو يقول : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وسمعت رسول الله (ص) ، يقول : إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع.
5- أحمد بن حنبل - مسند الإمام أحمد بن حنبل - مسند الشاميين - حديث معاوية بن أبي سفيان (ر) - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 99 ) : 16467 - حدثنا : عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال : سمعت معاوية يحدث وهو يقول : إياكم وأحاديث رسول الله (ص) الا حديثا كان على عهد عمر وإن عمر (ر) كان أخاف الناس في الله عز وجل سمعت رسول الله (ص) ، يقول : من يرد الله به خيرا يفقه في الدين وسمعته ، يقول : إنما أنا خازن وإنما يعطي الله عز وجل فمن أعطيته عطاء عن طيب نفس فهو إن يبارك لأحدكم ومن أعطيته عطاء عن شره وشره مسألة فهو كالآكل ولا يشبع وسمعته ، يقول : لا تزال أمة من أمتي ظاهرين عن الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
*
أخيراً لنعرف الآن من هم أهل السُّنة والجماعة الحقيقين :
رَوَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) يَخْطُبُ بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا بِأَيَّامٍ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنِي مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ أَهْلُ الْفُرْقَةِ وَمَنْ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَمَنْ أَهْلُ السُّنَّةِ ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : وَيْحَكَ ! أَمَّا إِذَا سَأَلْتَنِي فَافْهَمْ عَنِّي وَلَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ عَنْهَا أَحَداً بَعْدِي . أَمَّا أَهْلُ الْجَمَاعَةِ فَأَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَإِنْ قَلُّوا ، وَذَلِكَ الْحَقُّ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعَنْ أَمْرِ رَسُولِهِ . وَأَمَّا أَهْلُ الْفُرْقَةِ فَالْمُخَالِفُونَ لِي وَلِمَنِ اتَّبَعَنِي وَإِنْ كَثُرُوا . وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَالْمُتَمَسِّكُونَ بِمَا سَنَّهُ اللَّهُ لَهُمْ وَرَسُولُهُ وَإِنْ قَلُّوا . وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ فَالْمُخَالِفُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَالْعَامِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا . وَقَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْفَوْجُ الْأَوَّلُ وَبَقِيَتْ أَفْوَاجٌ ، وَعَلَى اللَّهِ فَضُّهَا وَاسْتِيصَالُهَا عَنْ جَدَدِ الْأَرْضِ .
المصدر : (البحار : ج32، ص221.)
عن كتاب الاحتجاج على أهل اللجاج .
فالشيعة هم أهل السُّنة النبويّة الأصيلة ؛ لأنّهم دين ممتد من النبي محمد إلى الإمام علي إلى فاطمة الزهراء إلى الحسن المجتبى إلى الحسين الشهيد إلى علي السجاد إلى محمد الباقر إلى جعفر الصادق إلى موسى الكاظم إلى علي الرضا إلى محمد الجواد إلى علي الهادي إلى الحسن العسكري إلى الإمام المهدي الموعود في آخر الزمان (عليهم الصلاة والسلام جميعاً) . فهم ليسوا مذهب أو أهل رأي واجتهاد وقياس ! بل أهل شريعة سماويّة ذات عصمة طاهرة من الرجس وراسخة في العلم .
يزعمون أنهم على سُّنة رسول الله ! وفي الواقع هم على سُّنة خلفاءهم التي هي بالضد مع السُّنة النبويّة المحمديّة ، خلفائهم المنقلبين على أعقابهم والمحرفين للكلم من بعد مواضعه ، القاتلين والمحاربين للإمام علي وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) . لقد انقطعوا إلى رجالٍ لم يُعاصروا النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا عرفوه ! وإنّما وُلِدُوا بعدما وقعت الفتنة وبعدما تحارب الصحابة وقتل بعضهم بعضاً وكفّر بعضهم بعضاً ، وبعدما تصرّف الخلفاء في القرآن والسنة واجتهدوا فيهما بآرائهم . وبعدما استولى يزيد بن معاوية على الخلافة ، قتل الإمام الحسين (ع) واستباح مدينة الرسول (ص) المنورة بجيشه ، وعاث جيشه فيها فساداً وقتل خيار الصحابة الذين لم يبايعوه ، واستبيحت الفروج وانتهكت المحارم وحبلت النساء من سفاح ورمى الكعبة بالمنجنيق .
في الحقيقة أنّ سُنتهم المشؤومة قامت على نبذ الأمير الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) ، بل حتّى سبّه ولعنه وسائر أهل بيته على المنابر في كل مسجدٍ من مساجد المسلمين وسائر القرى والمدن ! فدامت تلك البدعة ثمانين سنة ، حتى كان خطيبهم إذا نزل للصلاة قبل أن يلعن علي بن أبي طالب صاح به من في المسجد : تركت السنة .. تركت السنة .
ولمّا أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز إبدال هذه السنة بقوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ، تآمروا عليه وقتلوه لأنّه أمات سُّنتهم . وسَفِهَ بذلك أقوال أسلافه الذين أوصلوه للخلافة فقتلوه بالسم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة ، ولم تطل خلافته غير سنتين وذهب ضحية الإصلاح ؛ لأنّ بني عمومته الأمويين لم يقبلوا أن يميت سُّنتهم ويرفع بذلك شأن أبي تراب والأئمة من ولده .
وبعد سقوط الدولة الأموية ، جاء العباسيون فنكلوا بدورهم بأئمة أهل البيت وشيعتهم إلى أن جاء دور الخليفة جعفر بن المعتصم الملقب بالمتوكل الذي كان متمذهباً بمذهب الشافعي ، فكان من أشد الناس عداوة لعلي وأولاده (عليهم السلام) ووصل به البغض والحقد إلى نبش قبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء ومنع الناس من زيارته ، وكان لا يعطي عطاءً ولا يبذل مالاً إلّا لمن شتم علياً وولده . وقصة المتوكل مع ابن السكيت العالم النحوي المشهور معروفة وقد قتله شر قتلة ، فاستخرج لسانه من قفاه عندما اكتشف بأنه يتشيع لعلي وأهل بيته في حين أنه كان أستاذاً لولديه . وأنّ بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوصي بل في ذكر معجزات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيقطع لسانه ويمزق ديوانه ما فعل بعبد الله بن عمار البرقي وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي ، وما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري ، وكما دمر دعبل بن علي الخزاعي .
وبلغ حقد المتوكل ونصبه أن أمر بقتل كل مولود يسميه أبواه باسم علي (عليه السلام) ؛ لأنه أبغض الأسماء إليه . حتى أنّ علي بن الجهم الشاعر لما تقابل مع المتوكل قال له : يا أمير المؤمنين ، إن أهلي عقوني ! قال المتوكل : لماذا ؟ قال : لأنّهم سموني عليا وأنا أكره هذا الاسم وأكره من يتسمى به ، فضحك المتوكل وأمر له بجائزة . وكان المتوكل يُقيم في مجلسه رجلاً يتشبّه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فيضحك الناس عليه ويقولون : قد أقبل الأصلع البطين ، فيسخر منه أهل المجلس ويتسلّى بذلك الخليفة .
ولقد اعتبره عدد من ساداتهم وكبراؤهم أنّ المتوكل محيي السنة ومميت البدعة أمثال الذهبي وغيره ، وبما أنّ أهل الحديث هم أنفسهم أهل السنة والجماعة فثبت بالدليل الذي لاريب فهي أن السنة المقصودة عندهم هي بغض علي بن أبي طالب ولعنه والبراءة منه فهي النصب . ومما يزيدنا وضوحاً على ذلك أن الخوارزمي يقول في كتابه : (حتى أنّ هارون بن الخيزران ، وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن ، كانا لا يعطيان مالاً ولا يبذلان نوالا إلّا لِمَنْ شتم آل أبي طالب ونصر مذهب النواصب مثل : عبد الله بن مصعب الزبيري ، ووهب بن وهب البختري ، ومن الشعراء مثل : مروان بن أبي حفصة الأموي ، ومن الأدباء مثل : عبد الملك بن قريب الأصمعي) . (الخوارزمي : ص135.)
ذكر ابن حجر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : لما حدث نصر بن علي بن صهبان ، بأنّ رسول الله (ص) أخذ بيد الحسن والحسين وقال : (مَنْ أَحَبّنِي وَأَحَبَّ هَذَينِ وَأَبَاهمَا وَأُمّهمَا كَانَ فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، أمر المتوكل بضربه ألف سوط ، فأشرف على الهلاك فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : يا أمير المؤمنين ، هذا من أهل السُّنة .. فلم يزل به حتى تركه . (تهذيب التهذيب لابن حجر ترجمة نصر بن علي بن صهبان) . والعاقل يفهم من قول جعفر بن عبد الواحد للمتوكل بأن نصراً هو من أهل السنة لينقذه من القتل .
ولم يعتبروا الأمير الإمام علي (عليه السلام) خليفةً أبداً إلّا في وقت متأخر جداً ، فكان الخلفاء الراشدين عندهم ثلاثة فقط إلى أن ربّع به أحمد بن حنبل بعد مئة عام . حيث جاء في طبقات الحنابلة - وهو الكتاب الصحيح والمشهور عندهم - : ج(1) ، ص(292) : عن ابن أبي يعلى بالإسناد عن وديزة الحمصي قال : دخلت على أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي (رضي الله عنه) . فقلت له :يا أبا عبد الله ، إن هذا طعنٌ على طلحة والزبير ! فقال : بئسما قلت ، وما نحن وحرب الجمل وذكرها ؟ قلت : أصلحك الله إنما ذكرناها حين ربّعت بعلي وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمة قبله ! فقال لي : وما يمنعني من ذلك ؟! قلت : حديث ابن عمر ! فقال لي : عمر خير من ابنه ، فقد رضي عليّا للخلافة على المسلمين وأدخله في الشورى ، وعليٌّ قد سمّى نفسه أمير المؤمنين ، فأقول أنا ليس للمؤمنين بأمير ؟! قال : فانصرفت عنه .
وقد قامت سُّنتهم على سنن وآثار الخلفاء ، في حين أننا نجد أنّ أبو بكر وعُمَر قد رفضوا سُّنة النبي جملتاً وتفصيلاً ! حيث جمع أبو بكر خمسمائة حديث للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحرقها بالنار ، وخطب في الناس قائلاً : لا تحدثوا عن رسول الله شيئا ! فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم القرآن فأحلوا حلاله وحرموا حرامه . وقوله : لا تحملوني على سُّنة نبيكم ، فأنّي لا أطيقها !
وفي ذلك منعٌ للناس من اتباع سُّنة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . وقال عُمَر بن الخطاب حينها بعد ان اتهم النبي بالهجران : (أنّ النبي غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله) ! وهذا الله رفضٌ صريحٌ لسنة النبي الكريم ، بل سوء أدب واخلاق وتنافي مع الخُلُق القرآني الذي أمر الله الصحابة وسائر الناس بأن يتأدبوا به مع النبي عند مخاطبتهم له . قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْحُجُرَاتِ : 2.] ولقد طردهم رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) وأمرهم بالخروج من محضره بعد أن غَضِبَ عليهم لَمَّا أكثروا اللغو والاختلاف عنده ، وقال (صلّی الله عليه وآله وسلّم) : (قوموا عني ! ولا ينبغي عند نبي تنازع) . قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ - [سُّورَةُ الشُّعَرَاءِ : 114.] وهذا يعني أنّ الذين طردهم النبي من محضره ليسوا بمؤمنين . وَقَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ - [سُّورَةُ الْأَنْفَالِ : 24.] وليسوا بمستجيبين لأمر الله ولا رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . ذلك بعد أن رفعوا صوتهم فوق النبي وخرجت كلمة كبيرة من عُمَر بن الخطاب (الهجر) . قَالَ تَعَالَى : ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ - [سُّورَةُ الْكَهْفِ : 5.] رافضين بذلك كتابة وصية رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) التي أمر الله تعالى عباده أن يكتبوها إذا حضرت وفاتهم . قَالَ تَعَالَى : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 180.]
ولقد خالفوا سُّنة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتابة الكتاب العاصم للأُمّة من الضلال ، كما ضربوا بنصوص النبي محمد (ص) في استخلاف الإمام علي (ع) عرض الجدار ! ولقد تركوا سُّنة النبي في إيذاء بضعته فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وتحدّوا غضبها وأحرقوا دارها وأسقطوا جنينها وكسروا ضلعها ومنعوا عنها خمس خيبر وقسموه للنساء . وتركوا سُّنة النبي في تأمير أسامة عليه وسيره في جيشه . وتركوا سُّنة النبي في حرب وقتل المسلمين الذين منعوه الزكاة . وتركوا سُّنة النبي في منعه سهم المؤلفة قلوبهم واتبع أبو بكر رأي عمر . وتركوا سُّنة النبي في حرق الفجاءة السلمي وقد نهى النبي عن ذلك . وتركوا الأضحية التي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يفعلها ويؤكد عليها . وتركوا سُّنة النبي في التسيير ضمن جيش أسامة ، ولم يخرج عمر بن الخطاب بدعوى إعانة أبي بكر على أعباء الخلافة . وتركوا سُّنة النبي في الطلاق ثلاث فجعلوه طلقة واحدة . وتركوا سُّنة النبي في فريضة التيمم وأسقطوا الصلاة عند فقد الماء . وتركوا سُّنة النبي في عدم التجسس على المسلمين . وخالفوا سُّنة النبي في إسقاط فصل من الأذان وإبداله بفصل من عنده . وخالفوا سُّنة النبي في النهي عن صلاة النافلة جماعة فابتدعوا التراويح . وخالفوا سُّنة النبي في العطاء فابتدعوا المفاضلة وخلق الطبقية في الإسلام . وخالفوا سُّنة النبي في تأخير مقام إبراهيم عن البيت وإعادته ما كان عليه أيام الجاهلية ، وكان على عهد النبي ملصقا بالبيت . وخالفوا سُّنة النبي في قطعهم شجرة بيعة الرضوان . وخالفوا سُّنة النبي في لهوهم بالصفق في الأسواق .
فكيف يقال أنهم أهل سنة رسول الله ؟!؟
أو عليكم بسنة الراشدين من بعدي ؟!؟
أبو بكر يحرق أحاديث النبي (ص) ويمنع تدوينها :
1- المتقي الهندي - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 285 / 286 ) : 29460 - مسند الصديق (ر) : قال الحافظ عماد الدين بن كثير في مسند الصديق : الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، حدثنا : بكر بن محمد الصريفيني بمرو ، حدثنا : موسى بن حماد ، ثنا : المفضل إبن غسان ، ثنا : علي بن صالح ، حدثنا : موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن إبراهيم بن عمرو ، عن عبيد الله التيمي ، حدثنا : القاسم بن محمد ، قال : قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص) فكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلة يتقلب كثيرا ، قالت : فغمني ، فقلت : تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ، فلما أصبح ، قال : أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فأحرقها ، وقال : خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد تقلدت ذلك ، وقد رواه القاضي أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي ، عن أبيه ، عن علي بن صالح ، عن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي ، حدثني : القاسم بن محمد أو ابنه عبد الرحمن بن القاسم شك موسى فيهما قال : قالت عائشة - فذكره وزاد بعد قوله : فأكون قد تقلدت ذلك ويكون قد بقي حديث لم أجده ، فيقال : لو كان ، قاله رسول الله (ص) : ما غبي على أبي بكر إني حدثتكم الحديث ولا أدري لعلي لم أتتبعه حرفا حرفا ، قال ابن كثير : هذا غريب من هذا الوجه جدا وعلي بن صالح لا يعرف ، والأحاديث عن رسول الله (ص) أكثر من هذا المقدار بألوف ولعله إنما اتفق له جمع تلك فقط ، ثم رأى ما رأى لما ذكرت ، قلت : قال الشيخ السيوطي (ر) أو لعله جمع ما فاته سماعه من النبي (ص) ، وحدثه عنه به بعض الصحابة كحديث الجدة ونحوه ، والظاهر أن ذلك لا يزيد على هذا المقدار لأنه كان أحفظ الصحابة وعنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد منهم كحديث ( ما دفن نبي الا حيث يقبض ) ثم خشي أن يكون الذي حدثه وهم فكره تقلد ذلك وذلك صريح في كلامه.
2- الذهبي - تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي - الطبقة الأولي من الكتاب - أبو بكر الصديق (ر) - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 9 > 11 ) - .... ومن مراسيل ابن أبي مليكة : إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم ، فقال : انكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم ، فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.
- .... وقد نقل الحاكم ، فقال : حدثني : بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، أنا : محمد ابن موسى البربري ، أنا : المفضل بن غسان ، أنا : علي بن صالح ، أنا : موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي ، حدثني : القاسم بن محمد ، قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا ، قالت : فغمني ، فقلت : أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ، فلما أصبح ، قال : أي بنية هلمى الأحاديث التى عندك فجئته بها فدعا بنار فحرقها ، فقلت : لم أحرقتها ، قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني : فأكون قد نقلت ذاك ، فهذا لا يصح والله أعلم .
عمر بن الخطاب يحرق أحاديث النبي (ص) ويمنع تدوينها :
1- الذهبي - سير أعلام النبلاء - الطبقة الثانية - القاسم بن محمد - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 59 ) - .... قال زيد بن يحيى : حدثنا : عبد الله بن العلاء ، قال : سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فمنعني ، وقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر ، فناشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها ، أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب.
2- ابن سعد - الطبقات الكبرى - الطبقة الثانية : من أهل المدينة من التابعين ممن روى عن أسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، ورافع بن خديج ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة وسلمة بن الأكوع ، وعبد الله بن عباس ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وغيرهم . 737 - القاسم بن محمد - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 143 ) : - قال : أخبرنا : زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي ، قال : أخبرنا : عبد الله بن العلاء ، قال : سألت القاسم يملي علي أحاديث ، فقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب ، قال : فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا .
3- البكري - عمر بن الخطاب - موقفه من العلم والعلماء - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 157 ) - .... تحريقه لأحاديث رسول الله (ص) : أخرج ابن سعد ، عن عبد الله بن العلاء أنه قال : سألت القاسم أن يملي علي أحاديث ، فقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها ، أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب ، قال : فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا.
4- صحيح مسلم - كتاب الزكاة - النهي عن المسألة - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 94 / 95 ) : 1037 - حدثنا : أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا : زيد بن الحباب أخبرني : معاوية بن صالح ، حدثني : ربيعة بن يزيد الدمشقي ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال : سمعت معاوية يقولا إياكم وأحاديث الا حديثا كان في عهد عمر فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل سمعت رسول الله (ص) وهو يقول : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وسمعت رسول الله (ص) ، يقول : إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع.
5- أحمد بن حنبل - مسند الإمام أحمد بن حنبل - مسند الشاميين - حديث معاوية بن أبي سفيان (ر) - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 99 ) : 16467 - حدثنا : عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن عامر اليحصبي ، قال : سمعت معاوية يحدث وهو يقول : إياكم وأحاديث رسول الله (ص) الا حديثا كان على عهد عمر وإن عمر (ر) كان أخاف الناس في الله عز وجل سمعت رسول الله (ص) ، يقول : من يرد الله به خيرا يفقه في الدين وسمعته ، يقول : إنما أنا خازن وإنما يعطي الله عز وجل فمن أعطيته عطاء عن طيب نفس فهو إن يبارك لأحدكم ومن أعطيته عطاء عن شره وشره مسألة فهو كالآكل ولا يشبع وسمعته ، يقول : لا تزال أمة من أمتي ظاهرين عن الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
*
أخيراً لنعرف الآن من هم أهل السُّنة والجماعة الحقيقين :
رَوَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) يَخْطُبُ بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا بِأَيَّامٍ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنِي مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ أَهْلُ الْفُرْقَةِ وَمَنْ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَمَنْ أَهْلُ السُّنَّةِ ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : وَيْحَكَ ! أَمَّا إِذَا سَأَلْتَنِي فَافْهَمْ عَنِّي وَلَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ عَنْهَا أَحَداً بَعْدِي . أَمَّا أَهْلُ الْجَمَاعَةِ فَأَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَإِنْ قَلُّوا ، وَذَلِكَ الْحَقُّ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعَنْ أَمْرِ رَسُولِهِ . وَأَمَّا أَهْلُ الْفُرْقَةِ فَالْمُخَالِفُونَ لِي وَلِمَنِ اتَّبَعَنِي وَإِنْ كَثُرُوا . وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَالْمُتَمَسِّكُونَ بِمَا سَنَّهُ اللَّهُ لَهُمْ وَرَسُولُهُ وَإِنْ قَلُّوا . وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ فَالْمُخَالِفُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَالْعَامِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا . وَقَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْفَوْجُ الْأَوَّلُ وَبَقِيَتْ أَفْوَاجٌ ، وَعَلَى اللَّهِ فَضُّهَا وَاسْتِيصَالُهَا عَنْ جَدَدِ الْأَرْضِ .
المصدر : (البحار : ج32، ص221.)
عن كتاب الاحتجاج على أهل اللجاج .
فالشيعة هم أهل السُّنة النبويّة الأصيلة ؛ لأنّهم دين ممتد من النبي محمد إلى الإمام علي إلى فاطمة الزهراء إلى الحسن المجتبى إلى الحسين الشهيد إلى علي السجاد إلى محمد الباقر إلى جعفر الصادق إلى موسى الكاظم إلى علي الرضا إلى محمد الجواد إلى علي الهادي إلى الحسن العسكري إلى الإمام المهدي الموعود في آخر الزمان (عليهم الصلاة والسلام جميعاً) . فهم ليسوا مذهب أو أهل رأي واجتهاد وقياس ! بل أهل شريعة سماويّة ذات عصمة طاهرة من الرجس وراسخة في العلم .