إنّ السير علىٰ الصراط المستقيم صعب وشاقّ للغاية، لأنّ رفاق هذا الطريق وإن كانوا من العظماء ولكنّهم قليلون، ويجب المضي علىٰ هذا الطريق الطويل مع قلّة الرفيق. ولذلك فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) الّذي هو بنفسه صراط مستقيم يقول: «لا تستوحشوا في طريق الهدىٰ لقلّة أهله».[1] إذن فالصراط المستقيم ليس مليئاً بالسالكين، ولهذا فإنّ المضي علىٰ الصراط يحتاج إلىٰ سعيٍ حثيث وزمن طويل حتّىٰ يتمكّن الإنسان أن يبلغ درجة الوليّ ويدخل في جمع أولياء الله تعالىٰ.

والدليل الآخر علىٰ قلّة الرفاق في سلوك الصراط هو انّ القرآن الكريم في الآية محلّ البحث علىٰ الرغم من ذكره (المنعم عليهم) و(المغضوب عليهم) و(الضالّين) بلفظ الجمع، لكنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قسَّم الناس في حديث له إلىٰ ثلاثة أقسام وذكر قسماً واحداً منها فقط بلفظ الجمع فقال: «الناس ثلاثة: فعالم ربّاني ومتعلّم علىٰ سبيل نجاة وهمج رِعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كلِّ ريح»[2] ففي هذا الحديث ذكر العالم الربّاني والمتعلّم علىٰ سبيل النجاة بصيغة المفرد لقلّتهما، وأمّا المحرومون من الإرادة والّذين هم ليسوا من العلماء ولا من المتعلّمين فقد ذكروا بلفظ الجمع.

والشاهد الآخر علىٰ قلّة الأصحاب في سفر الصراط المستقيم انّ الله سبحانه يقول حول جهنّم: ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين﴾[3] ولم يقل حول الجنّة انّه سيملؤها، لأنّ الّذين يملؤون جهنّم كثيرون ولكنّ الّذين مأويٰهم الجنّة فهم قليلون.

وعليه فانّ طريق الهداية بسبب قلّة سالكيه موحش ومحفوف بالأخطار، ولذلك يوصي أمير المؤمنين أن لايستوحشوا من قلّة سالكي طريق الحقّ، فإنّ ذلك لايدعوا إلىٰ القلق لأنّ السالكين مع قلّتهم إلاّ أنّهم جميعاً من المحسنين.

آية الله الشيخ جوادي آملي

[1] . نهج البلاغة، الخطبة 201، المقطع 1.
[2] . نفس المصدر، الحكمة 147.
[3] . سورة السجدة، الآية 13.