اللهم صل على محمد وآل محمد
عمار بن ياسر بن عامر ، كنيته أبو اليقظان .
أمّه سميّة وهي أوّل من استشهدت هي وزوجها في سبيل الله عز وجل .

كان عمار من السابقين الأولين إلى الإسلام وكذا والداه ، كما أنّ إسلامه كان بعد بضعة وثلاثين ، وهو ممّن عذب في الله تحت سياط القرشيين .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : صبرا يا آل ياسر، إن موعدكم الجنة .
فلقد صبّت قريش في بدايات الدعوة الإسلامية سياطها على الثلة المؤمنة وعلى رأسهم : عمار، وأبوه ياسر ، وأمّه سمية ، وأخوه عبد الله ، مع صهيب بن سنان وبلال والخباب بن أرت و ...

فقد تعرض المؤمنون الأوائل لأبشع أنواع التعذيب، ليحيدوا عن إسلامهم، ويتراجعوا عن إيمانهم بنبيّ الإسلام ، استشهد على أثر ذلك ياسر وسمية كأوّل شهيدين في قائمة شهداء الإسلام .

لمّا أخذ المشركون عماراً وعائلته ، وسقط أبواها شهيدين تحت تعذيب المشركين قال لهم عمار تحت شدة التعذيب كلمة أعجبتهم تقيّة ( أي : سبّ النبي (صلى الله عليه وآله) وذكر آلهتهم بخير ) ، ثم تركوه ، وخلّوا عنه ، فلحق بـرسول الله ، فأخبروه بالذي كان من أمرهم ، واشتد على عمار الذي كان تكلم به ، فقال له رسول الله : كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت ؟ أكان منشرحاً بالذي قلت أم لا ؟ قال : لا . فأنزل الله : ﴿ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ ، سورةالنحل : ١٦ .

وروى ابن عبد البر عن أنس عن رسول الله أنه قال : « اشتاقت الجنة إلى علي ، وعمارٍ ، وسلمان، وبلالٍ » .

كان عمار من الجماعة التي امتنعت عن بيعة أبي بكر .

كان لعمّار مواقف مشرفة في الدفاع عن بيت مال المسلمين في زمن الخليفة الثالث حتى تعرّض بسببها لأشد العذاب ، وهذا ما أثبتته الوثائق التأريخية، فقد روى المفيد في أماليه :

إن عثمان بن عفان بعث إلى الأرقم بن عبد الله وكان خازن بيت مال المسلمين ، فقال له : أسلفني مائة ألف درهم .
فقال له الأرقم : أكتب عليك بها صكاً للمسلمين .
قال : وما أنت وذاك لا أم لك ، إنما أنت خازن لنا .
فلما سمع الأرقم ذلك خرج مبادراً إلى الناس ، فقال : أيها الناس! عليكم بمالكم ، فإني ظننت أنّي خازنكم ، ولم أعلم أنّي خازن عثمان بن عفان حتى اليوم ، ومضى فدخل بيته .

فبلغ ذلك عثمان فخرج إلى الناس حتى دخل المسجد ، ثم رقي المنبر ، وقال : أيها الناس! إن أبا بكر كان يؤثر بني تيم على الناس ، وإن عمر كان يؤثر بني عدي على كل الناسى، وإني أوثر - والله - بني أمية على من سواهم . ولو كنت جالساً بباب الجنة ، ثم استطعت أن أدخل بني أميّة جميعاً الجنة لفعلت ، وإن هذا المال لنا فإن احتجنا إليه أخذناه ، وإن رغم أنف أقوام .

فقال عمار بن ياسر : معاشر المسلمين اشهدوا أن ذلك مرغم لي .

فقال عثمان : وأنت هاهنا ثم نزل من المنبر فجعل يتوطأه برجله حتى غشي على عمار ، وحملوه وهو مغمى عليه إلى بيت أم سلمة .

فأعظم الناس ذلك ، وبقي عمار مغمى عليه لم يصل يومئذ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق قال : الحمد لله فقديما أوذيت في الله ، وأنا أحتسب ما أصابني في جنب الله بيني وبين عثمان العدل الكريم يوم القيامة .

فبلغ عثمان أن عماراً عند أم سلمة ، فأرسل إليها ، فقال : مِمّا هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر أخرجيهم من عندك .

فقالت : والله ما عندنا مع عمار إلا بنتاه ، فاجتنبنا يا عثمان ، واجعل سطوتك حيث شئت ، وهذا صاحب رسول الله يجود بنفسه من فعالك به .

فندم عثمان على ما صنع بعمار ، فبعث إلى طلحة والزبير ، فسألهما أن يأتيا عماراً ، فيسألاه أن يستغفر له ، فأتياه فأبى عليهما ، فرجعا إلى عثمان فأخبراه .

ثم إنّ عماراً صلح من مرضه فخرج إلى مسجد رسول الله ، فبينما هو كذلك إذ دخل ناعي أبي ذر على عثمان من الربذة - حيث كان عثمان قد أبعده إلى الربذة قبل ذلك - فقال إنَّ أبا ذر مات بالربذة وحيداً ، ودفنه قوم سفر .
فاسترجع عثمان وقال : رحمه الله .
فقال عمار : رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا . فقال له عثمان : وإنك لهناك بَعدُ - ووجه اليه كلمات قبيحة جداً - أتراني ندمت على تسييري إيّاه .
فقال له عمّار : لا والله ما أظن ذاك .
قال عثمان : وأنت أيضاً فالحق بالمكان الذي كان فيه أبو ذر فلا تبرحه ما حيينا .
قال : عمار أفعل والله لـَمجاورة السباع أحبّ إليّ من مجاورتك ، فتهيّأ عمار للخروج وجاءت بنو مخزوم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فسألوه أن يقوم معهم إلى عثمان يستنزله عن تسيير عمار ، فقام فسأله فيهم ، ورفق به حتى أجابه إلى ذلك .

اشتهر بين الصحابة مقولة النبي الأكرم لعمار عمار تقتله الفئة الباغية ، وكانوا يترقبون تحقق تلك النبوءة المحمدية فيه وقد تحققت حيث قتله معاوية .
ولمّا استشهد عمار صلّى عليه أمير المؤمنين ودفنه في ثيابه ، ولم يغسله