في التحليل النقدي للنصوص الأدبية، يتم النظر إليها من أطر وزوايا متعددة، ابتداء بالإطار الخارجي، والظروف المحيطة بالنص، وعلاقة المؤلف بالنص، ومناسبته، وارتباطه بعصره وبيئته، ثم الدخول في صومعة العلاقات والنواميس الداخلية التي تتحكم بالنّص، وتثير مكامن تساؤلاته عبر سياقات دلالية، تشكل الحقل الدلالي العام للنص.
فلا يمكن - والحال هذه - أن تكون الدلالة المعجمية للمفردات أو التركيب النحوي للجمل بمعزل عن السياق ودلالة الاقتضاء، وهذا ما ينطبق بشكل عملي على كثير من مفاصل الحياة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، عبر محاولة فهمنا لكثير من ظواهر وسلوكيات الإنسان في حيّزه الذاتي تارة، وفي مجاله الإنساني الكوني الأوسع.
فحين نحاول تفسير ظاهرة ما، أو حدث تاريخي، فإننا نتجرّد أولًا من كل أحكامنا السابقة، وميولنا وتعصّبنا لهذا الاتجاه أو ذاك، ليكون بحثنا ونتاجنا وابتكارنا متّسمًا بالموضوعية والدقة والوضوح، ونكون بذلك قد خدمنا مجتمعنا ومنظومتنا العلمية بشكل عام.
فلا مجال أن نطلق الأحكام جزافًا، أو ندع هذا الأمر أو اعتناق أمر آخر، أو نسج أفكار وفلسفات خارج نطاق التمحيص والدقة والملاحظة ومقارنة النتائج، وهذا ما نراه جليّا في مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتديات الفكرية والثقافية، وانتشار الأخبار والمقولات والنظريات بشتى توجهاتها، ونقوم نحن باستنساخها، ونقلها، وكأنها من المسلّمات والحقائق التي لا غبار عليها!
إن أئمةَ أهل البيت (عليهم السلام)، وتابعيهم، وعلماء الأمة الإسلامية، وعلماء الغرب المنصفين، علّمونا المنهج العلمي الصحيح في تتبع الروايات، والبحث عن الحقائق، والاقتناع بها بالأدلة والبراهين الدامغة، ثم تبنّيها ونشرها؛ تحقيقًا للفائدة، ونشرًا لعلم نافع، فلنقرأ، ونتدبر، قبل أن نتبنّى رأيًا، أو نطلق أحكامًا، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «اعْقِلُوا الخَبَرَ إِذَا سَمِعتُمُوهُ عَقلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ العِلمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ».