السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
🌿🥀🌿🥀🌿🥀🌿🥀🌿
ولأن الإمام زيــن العابدين (ع) ورث عن جده النبي المصطفى ( عليه وآله الصلاة والسلام ) دور الأنبياء ، فإن الحكمة الأولى لإمامته هي ذات الحكمة الأولى في رسالة الأنبياء ، ابتلاء الناس بعد دعوتهم إلى اللـه ، وكانت سائر الأهداف السامية - كإقامة القسط ونصرة المظلومين - في امتداد تلك الحكمة ، أي أنها تتفرع منها وتأتي بعدها .
ولقد تسنَّت لسائـر أئمة الهدى (ع) الظروف للقيام بتلك الأهداف المتدرجة ، وبالذات الهدف السياسي ، كما فعل الإمام علي (ع) عندما نهض بأعباء الحرب ضد قريش مرتين ، مرة في عهد النبي وتحت لوائه ، ومرة بعد النبي وتحت لواء الرسالة الحنفية وبرفقة أصحاب النبي (ص) . وهكذا نجله الإمام الحسن (ع) . حيث نهض هو الآخر بأعباء الحرب ضد معاوية ، ثم أوقف الحرب لمصلحة المسلمين . وكذلك الإمام الحسين (ع) حيث قاوم معاوية بالسبل السلمية ، وقام ضد ابنه يزيد بالسيف حتى استُشهد مظلوماً .
وهكذا قام سائر الأئمة بأدوار سياسية ، وبوسائل غير مباشرة ، وبدرجات مختلفة .
بينما الظروف العامة كانت تناسب تمخض الإمام السجاد (ع) تقريباً في الدعوة الربانية ، حسبما نبين ذلك في مناسبة أخرى إن شاء اللـه تعالى .
وبذلك كانت حياة الإمام السجاد قطعة مشرقة بنور ربِّه .. وكانت تجلياً باهراً للإيمان الخالص باللـه ، وللهيام الشديد باللـه ، وللعبادة والتبتل .
وحينما نقرأ معاً صفات الإمام على لسان نجله الإمام الباقر (ع) ، نعرف ماذا تعني ولاية اللـه ، وولاية أوليائه ، ولماذا التأكيد عليها ، وكيف كانت حياة السجاد شلال نور إلهي . يقول نجله الإمام الباقر (ع) : “ كان علي بن الحسين (ع) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، كما كان يفعل أمير المؤمنين (ع) . كانت له خمسمائة نخلة . فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللـه عزَّ وجلَّ ، وكان يصلي صلاة مودِّع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً ، ولقد صلَّى ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوِّه حتى فرغ من صلاته ، فسأله بعض أصحابه عن ذلك ، فقال : ويحك أتدري بين يدي مَن كنت ؟. إنَّ العبد لا يُقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه . فقال الرجل : هلكنا ، فقال : كلاَّ .. إن اللـه عزَّ وجلَّ متمم ذلك بالنوافل وكان (ع) لَيخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره ، وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب ، حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ، ثم يناول مَن يخرج إليـه . وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه . فلما توفي (ع) فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان علي بن الحسين (ع) . ولما وُضع (ع) على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل رُكَبِ الإبل . مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين . ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلّق بالمطرف فمضى وتركه ، وكان يشتري الخزَّ في الشتاء ، إذا جاء الصيف باعه فتصدق بثمنه ، ولقد نظر (ع) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس ، فقال : ويحكم أغير اللـه تسألون في مثل هذا اليوم ، إنّه ليُرجى في هذا اليوم لِمَا في بطون الحبالى أنْ يكون سعيداً ؟. ولقد كان (ع) يأبى أن يؤاكل أُمَّه ، فقيل له : يابن رسول اللـه أنت أبرُّ الناس وأوصلَهم للرحم ، فكيف لا تؤاكل أمَّك ؟ فقال : إني أكره أنْ تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه . ولقد قال له رجل : يابن رسول اللـه إني لأحبُّك في اللـه حبّاً شديداً ، فقال : اللـهم إني أعوذ بك أن أُحبَّ فيك وأنت لي مبغض . ولقد حج على ناقة له عشرين حجة فما قرعها بسوط ، فلما نفقت(10) أمر بدفنها لئلا يأكلها السباع . ولقد سئلت عنه مولاة له فقالت : أُطنب أو اختصر ؟ فقيل لها : بل اختصري ، فقالت : ما أتيته بطعام نهاراً قط ، وما فرشت له فراشاً بليلٍ قط . ولقد انتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم ، فقال لهم : إن كنتم صادقين فغفر اللـه لي ، وإن كنتم كاذبين فغفر اللـه لكم . وكان (ع) إذا جاءه طالب علم فقال : مرحباً بوصيِّ رسول اللـه (ص) . ثم يقول : إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجلَيه على رَطب ولا يابس من الأرض ، إلاّ سبَّحت له إلى الأرضين السابعة ، ولقد كان يعول مئة أهل بيت من فقراء المدينة . وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرار والزّمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم . وكان يناولهم بيده ، ومن كان له منهم عيال حمل له إلى عياله من طعامه ، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله . ولقد كان تسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده لكثرة صلاته ، وكان يجمعها ، فلما مات دُفنت معه . ولقد بكى على أبيه الحسين (ع) عشرين سنة ، وما وضُع بين يَديه طعام إلاّ بكى ، حتى قال له مولى له : يابن رسول اللـه أَمَا آن لِحُزنك أن ينقضي ؟. فقال له : ويحك ، إن يعقوب النبيَّ (ع) كان له اثني عشر ابناً فغيَّب اللـه عنه واحداً منهم ، فابيضَّت عيناه من كثرة بكائه عليه ، وشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغم ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني ؟“ (11).
(10) نفقت الدابة ماتت ( القاموس ) .
(11) بحار الأنوار : ( ص 61 - 63 ) .
اللهم صل على محمد وآل محمد
🌿🥀🌿🥀🌿🥀🌿🥀🌿
ولأن الإمام زيــن العابدين (ع) ورث عن جده النبي المصطفى ( عليه وآله الصلاة والسلام ) دور الأنبياء ، فإن الحكمة الأولى لإمامته هي ذات الحكمة الأولى في رسالة الأنبياء ، ابتلاء الناس بعد دعوتهم إلى اللـه ، وكانت سائر الأهداف السامية - كإقامة القسط ونصرة المظلومين - في امتداد تلك الحكمة ، أي أنها تتفرع منها وتأتي بعدها .
ولقد تسنَّت لسائـر أئمة الهدى (ع) الظروف للقيام بتلك الأهداف المتدرجة ، وبالذات الهدف السياسي ، كما فعل الإمام علي (ع) عندما نهض بأعباء الحرب ضد قريش مرتين ، مرة في عهد النبي وتحت لوائه ، ومرة بعد النبي وتحت لواء الرسالة الحنفية وبرفقة أصحاب النبي (ص) . وهكذا نجله الإمام الحسن (ع) . حيث نهض هو الآخر بأعباء الحرب ضد معاوية ، ثم أوقف الحرب لمصلحة المسلمين . وكذلك الإمام الحسين (ع) حيث قاوم معاوية بالسبل السلمية ، وقام ضد ابنه يزيد بالسيف حتى استُشهد مظلوماً .
وهكذا قام سائر الأئمة بأدوار سياسية ، وبوسائل غير مباشرة ، وبدرجات مختلفة .
بينما الظروف العامة كانت تناسب تمخض الإمام السجاد (ع) تقريباً في الدعوة الربانية ، حسبما نبين ذلك في مناسبة أخرى إن شاء اللـه تعالى .
وبذلك كانت حياة الإمام السجاد قطعة مشرقة بنور ربِّه .. وكانت تجلياً باهراً للإيمان الخالص باللـه ، وللهيام الشديد باللـه ، وللعبادة والتبتل .
وحينما نقرأ معاً صفات الإمام على لسان نجله الإمام الباقر (ع) ، نعرف ماذا تعني ولاية اللـه ، وولاية أوليائه ، ولماذا التأكيد عليها ، وكيف كانت حياة السجاد شلال نور إلهي . يقول نجله الإمام الباقر (ع) : “ كان علي بن الحسين (ع) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، كما كان يفعل أمير المؤمنين (ع) . كانت له خمسمائة نخلة . فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللـه عزَّ وجلَّ ، وكان يصلي صلاة مودِّع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً ، ولقد صلَّى ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوِّه حتى فرغ من صلاته ، فسأله بعض أصحابه عن ذلك ، فقال : ويحك أتدري بين يدي مَن كنت ؟. إنَّ العبد لا يُقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه . فقال الرجل : هلكنا ، فقال : كلاَّ .. إن اللـه عزَّ وجلَّ متمم ذلك بالنوافل وكان (ع) لَيخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره ، وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب ، حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ، ثم يناول مَن يخرج إليـه . وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه . فلما توفي (ع) فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان علي بن الحسين (ع) . ولما وُضع (ع) على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل رُكَبِ الإبل . مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين . ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلّق بالمطرف فمضى وتركه ، وكان يشتري الخزَّ في الشتاء ، إذا جاء الصيف باعه فتصدق بثمنه ، ولقد نظر (ع) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس ، فقال : ويحكم أغير اللـه تسألون في مثل هذا اليوم ، إنّه ليُرجى في هذا اليوم لِمَا في بطون الحبالى أنْ يكون سعيداً ؟. ولقد كان (ع) يأبى أن يؤاكل أُمَّه ، فقيل له : يابن رسول اللـه أنت أبرُّ الناس وأوصلَهم للرحم ، فكيف لا تؤاكل أمَّك ؟ فقال : إني أكره أنْ تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه . ولقد قال له رجل : يابن رسول اللـه إني لأحبُّك في اللـه حبّاً شديداً ، فقال : اللـهم إني أعوذ بك أن أُحبَّ فيك وأنت لي مبغض . ولقد حج على ناقة له عشرين حجة فما قرعها بسوط ، فلما نفقت(10) أمر بدفنها لئلا يأكلها السباع . ولقد سئلت عنه مولاة له فقالت : أُطنب أو اختصر ؟ فقيل لها : بل اختصري ، فقالت : ما أتيته بطعام نهاراً قط ، وما فرشت له فراشاً بليلٍ قط . ولقد انتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم ، فقال لهم : إن كنتم صادقين فغفر اللـه لي ، وإن كنتم كاذبين فغفر اللـه لكم . وكان (ع) إذا جاءه طالب علم فقال : مرحباً بوصيِّ رسول اللـه (ص) . ثم يقول : إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجلَيه على رَطب ولا يابس من الأرض ، إلاّ سبَّحت له إلى الأرضين السابعة ، ولقد كان يعول مئة أهل بيت من فقراء المدينة . وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرار والزّمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم . وكان يناولهم بيده ، ومن كان له منهم عيال حمل له إلى عياله من طعامه ، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله . ولقد كان تسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده لكثرة صلاته ، وكان يجمعها ، فلما مات دُفنت معه . ولقد بكى على أبيه الحسين (ع) عشرين سنة ، وما وضُع بين يَديه طعام إلاّ بكى ، حتى قال له مولى له : يابن رسول اللـه أَمَا آن لِحُزنك أن ينقضي ؟. فقال له : ويحك ، إن يعقوب النبيَّ (ع) كان له اثني عشر ابناً فغيَّب اللـه عنه واحداً منهم ، فابيضَّت عيناه من كثرة بكائه عليه ، وشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغم ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني ؟“ (11).
(10) نفقت الدابة ماتت ( القاموس ) .
(11) بحار الأنوار : ( ص 61 - 63 ) .