السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
🍃🌹🍃🌹🍃🌹🍃🌹🍃
قال : علي (عليه السلام) : (سوسوا(1) إيمانكم بالصدقة ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ، وادفعوا امواج البلاء بالدعاء).

الدعوة إلى الالتزام بثلاثة امور مهمة لديمومة الحياة للفرد وللمجتمع :

الامر الاول : التصدق على الفقراء وذلك يعني امرين اولا :

حفظ الايمان والالتزام بما يمليه من التزامات تجاه الفقراء .

ثانيا : استدفاع الشر واستجلاب الخير لأنه كما ورد في الحديث انه : (قال رسول الله (صلى الله عليه واله) الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء)(2).

إذن الصدقة تعني المواصلة على خط الإيمان والتفاعل معه روحيا وعمليا بما للمواساة من معنى لا يتأتى للكثير تطبيقه.

ومن الجدير بالذكر انه قد ورد في بعض المرويات عن الإمام علي (عليه السلام) انه : (مر بالسوق فنادى بأعلى صوته إن اسواقكم هذه يحضرها أيمان فشوبوا(3) أيمانكم(4) بالصدقة فأن الله لا يقدس من حلف باسمه كاذبا)(5) وعلى تقدير صحة النقل وسلامة السند فهم شيء آخر وهو ان الدعوة لاستدفاع الآثار المترتبة على كثرة القسم خاصة وانه منهي عنه في عدة روايات (6).

فلأجل تخفيف التبعات كان الامر بالصدقة، ولكن لم اجد حسب ما لدي من النسخ المتوفرة فعلا من نهج البلاغة ما يؤكد هذه الرواية ، نعم يوجد تشابه بين كتابة (سوسوا) و (شوبوا) كما ان هناك بعض القرائن التي تؤيد الفكرة.

ومع ذلك كله يبقى في دائرة الاحتمال والاطروحة.

الأمر الثاني : دفع الزكاة المفروضة : في العملية (7) النقدية ذهبا او فضة التي كانوا يتعاملون بها سابقا.

والحيوانية (الانعام) إبلا وبقرا وغنما.

والغذائية (الغلات) حنطة وشعيرا وتمرا وزبيبا.

على تفصيل يذكر في المصادر الفقهية فالالتزام بذلك وعدم التغافل عنه وإخراج المقدار اللازم شرعا يوفر حماية لما بقى ، بحيث تحصن الاموال ويدفع عنها ما يخاف شره كالحرق او السرقة او الحسد او نحو ذلك مما يحذر منه الإنسان إلا إذا شاء الله تعالى امرا – والذي لا يكون إلا لسبب – ويمكننا ان نتفهم كيف تكون الحصانة من خلال الفهم الطبيعي للإنسان ، فنجد ان اخراج المقدار الخاص وتوزيعه على الفقراء يوفر فرصة العيش لهم فلا يهم احد بسرقة شيء ولا تصيبه حسرة ولا يفكر في اعتداء مهما كان نوعه ، لأن كل ذي نعمة محسود فإذا ادى ما عليه من الحق الشرعي بدفع مقدار ليتقوت به الفقير فقد امن هذا الجانب إلى حد كبير.

ولا تقاس الامور بالأمر الشاذ فقد يصادف ان يصيب المكروه الملتزم بتطبيق التعاليم الشرعية بينما غيره لا يصاب ، وهو لا يعني كرامة او حصانة غير الملتزم بل يعد هذا الاستنتاج من خطل التفكير ، لأنه الله تعالى غني عن طاعة من اطاعة كما لا تضره معصية من عصاه وقد ورد (ان الإنسان لا يبتلى إلا بذنب عليه)(8).

الأمر الثالث : التوجه إلى الله تعالى والإقبال على الدعاء له تعالى ليصرف بقدرته كل سوء يخافه الإنسان ، فإن انواع السوء كثيرة جدا لا نتصور بعضها مما يستجد يوما فيوما ومما يتجدد بحسب المكان والحالة العامة. فالذي يؤمن الإنسان من هذه الانواع كلها هو الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء والتوسل ليكون الإنسان قريبا من ساحة عفوه وكرمه فيشمل عبده بحنانه وعطفه.

ومن المعلوم انه تعالى {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق : 16] ولا يحجزه شيء عن شيء و {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } [البقرة : 255].

فلا يظن الإنسان في أية حال كان فيها انه بمنأى عنه تعالى فلا يسمعه ولا ينجده بل على العكس تماما هو سميع مجيب لمن دعاه لكن لابد من ان يكون الدعاء عن حضور قلب، وتوجه فكر.

وليس دعاء الساهي اللاهي الذي يردد كلمات الدعاء وهو غافل عن محتواها او غير مؤمن به أساسا فمن الطبيعي جدا ان لا يستجاب دعاؤه لأنه لم يصل اصلا ولم يرفع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سوسوا : فعل امر مشتق من السياسة والتي تدور معانيها المتعددة حول القيام بالشيء ، والتزام الاصلح به واستصلاحه بما يحفظه. لاحظ المنجد مادة (ساس) واقرب الموارد ج1 / ص557.

(2) جامع الترمذي مع شرحه تحفة الاحوذي ج3 / ص122.

(3) اي اخلطوا.

(4) الايمان جمع اليمين القسم.

(5) الجعفريات (ص58) المطبوع من كتاب قرب الاسناد ، ونحوه رواه الشيخ الصدوق مرسلا في كتابه (من لا يحضره الفقيه) ج3/ص131/ب61 التجارة ح14/رقم 518 بلفظ : (وقال (صلى الله عليه واله) : يا معشر التجار شربوا اموالكم بالصدقة تكفر عنكم ذنوبكم وايمانكم التي تحلفون فيها تطيب لكم تجارتكم) فلاحظ .

(6) انظر وسائل الشيعة ج16 / ص115 - 117 / باب 1.

(7) ولا تشمل العملات القديمة المتبقية كالليرة التي لا تستعمل إلا للزينة ونحوها وكذلك لا تشمل العملات الورقية الحالية ولو كان غطاؤها الذهب.

(8) انظر تفسير مجمع البيان للطبرسي ج9 / ص31 وتفسير الدر المنثور للسيوطي ج6/ص9.