في بداية شهر شعبان، نلتقي بذكريات إسلامية عطرة، ربما كانت أسماء أصحابها توحي بالحزن، ولكنَّ هذه الذكريات التي تمثّل إطلالتهم على الحياة، مقارنة بالنور الذي أطلقوه، والخط الذي رسموه، والجهاد الذي حرّكوه، والأفق الذي فتحوه، توحي بالفرح الكبير، حتى وأنت تعيش في أعماق الحزن، لأنّ الحزن في معنى المأساة قد يتحوّل إلى فرح كبير عندما يكون خطّ الحزن في خطّ القضيّة، وفي حركة الأمّة، وفي امتداد الإسلام.
فنحن نعيش الفرح بالحسين(ع)؛ الفرح الرّسالي والفرح الروحي، حتى إن دموعنا تبتسم لمواقفه، ومشاعرنا الحزينة تغرّد لفدائه الدين بروحه، لأن الحسين لم يعش حزناً في معنى الذات، ولكنه عاش حزناً في معنى الرسالة، ولذا، يتعيّن علينا أن لا نعيش الفرح في معنى الذات، ولكن الفرح في معنى الرّسالة؛ الفرح الذي يستبطن السرور بالألم، لأنّه في ذات الله، وفي عين الله، ومن أجل دين الله.
فإذا أردتم أن تحتفلوا بالحسين(ع) في ذكرى ولادته وشهادته، فاحتفلوا به في معنى فرح الرّسالة، وعندما تفرحون بالرسالة، سوف تشعرون بأنّ عليكم أن تحضنوها في عقولكم كما حضنها في كيانه كلّه، وأن تنبض بها قلوبكم كما نبض قلبه بها، وأن تتحرّك فيها طاقاتكم كما تحرّك بها.
إنّ الحسين(ع) لا يريد منكم فقط دموعاً في ذكرى شهادته، وبسمات في ذكرى ولادته، ولكنّه يقول لكم: "لقد خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي"[9]، في كلّ واقع إسلامي فاسد، وفي كلّ انحراف في الواقع الإسلامي، وفي وجه كلّ قيادة ظالمة، فـ(يزيد) لم يمثّل رمزاً في التاريخ المظلم، ولكنه مثّل الظلم كلّه والظالمين كلّهم، هل تحبون الحسين(ع)؟ اطلبوا الإصلاح في أمّة جدّه، كلّ بحسب طاقته وإمكاناته، لا تفسدوا في الأرض، ولا تثيروا الفتنة، ولا تنحنوا لأكثر من يزيد، لا تقتلوا أكثر من حسين(ع)، ودموعكم تبكي حسين التاريخ وتقتل حسين الحاضر، بل وتخطّط لقتل أكثر من حسين في المستقبل