بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد

🔰إن من المناهج المهمة التي يوليها الدين اهتمامَه هي قدرتنا على ضبط تصرفاتنا الباطنية والذهنية؛ فنجتنب الحرام هناك، ونقوم بالصالحات هناك.

🔰من السيّئ جداً أن لا يتحكّم المرء بتصرّفاته؛ كأن لا يسيطر على سلوك بصره، أو لا يضبط حركات يديه ورجليه، فشخص كهذا مريض في واقع الأمر! وإنّ لضبط الذهن نفس هذه الأهمية، بل وأكثر! فالقوة التي تساعد على ضبط الذهن هي قوة في منتهى العظمة، وإذا امتلك الإنسان القدرة على عدم السماح لذهنه بالتوجّه إلى أي مكان فهذه حالة عظيمة في الإنسان. والإسلام لم يقف من هذا الموضوع موقف اللامبالي. ليس هذا فحسب، بل وجعل أهم هدف لمنهجه التربوي، أي "الصلاة"، هو ضبط الذهن.

🔰الحكمة من التربية الروحية للصلاة هي ضبط الذهن، لأن "الإقبال" هو أصل حقيقة الصلاة. فالذي يهمّ الدين فينا هو إقبالُنا، ولذا فقد أعدّ له منهجاً من خمس حصص في اليوم (الصلاة)، في حين أنه لا يوجد لأكثر الواجبات الأخرى، كالخُمس والزكاة، منهج يومي.

🔰يقول رب العزة: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (طه/14) أي من أجل ذكري! وعن الإمام الباقر(ع): «إِذَا قُمْتَ فِي الصَّلاةِ فَعَلَيْكَ‏ بِالإِقْبَالِ‏ عَلَى‏ صَلَاتِكَ‏ فَإِنَّمَا يُحْسَبُ لَكَ مِنْهَا مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْه» (الكافي/ ج3/ ص299)، والإقبال هو تحديداً ضبط الذهن والصلاة تدريب لنا لضبط ذهننا في اوقاتنا كلها..

🔰تظهر آثار ضبط الذهن على حياة الإنسان كلها؛ فمن ناحية إذا أردتَ الاستمتاع بحياتك بالقدر الكافي فعليك بضبط ذهنك. فإن لم تَرِد إلى ذهنك غير الأفكار الجيدة فأول آثار هذا هو الاشتياق؛ فمَن يكون فكرُه غارقاً في الجمالات المعنوية يكون مفعماً بالاشتياق والحماس!

🔰ومن ناحية أخرى فإن الكثير من أمراضنا تأتي من الأفكار السلبية وأنواع الاضطرابات النفسية ذات المنشأ الذهني. وحتى وسواس إبليس فإن أغلبه في الذهن، كما أن تديّننا وروحانياتنا هي الأخرى في الذهن.

🔰إن من أسوأ الذنوب هو "سوء الظن بالله تعالى". أتعلم كم مرة نرتكب هذا ان الذنب في اليوم؟ فما اضطراباتنا النفسية وما مخاوفنا وهواجسنا إلا بسبب هذا الذهن إذا انصرفَ إلى سوء الظن بالله.

🔰وأطيب فاكهة في عالم الوجود هي أن لا يرِدَ سوءُ الظن بالله إلى أذهاننا لحظة واحدة
فلا نظن لحظة أننا في عزلة، وأنّ الله قد تركنا أو أنه لا يحبنا إلا قليلاً!"

🔰يقول آية الله حقشناس(ره): "إن الله تبارك وتعالى يُرِي نفسَه لعباده دائماً. فإنْ أقبَلتَ على الله مَحَى لك سائرَ خواطر ذهنك".

🔰ورَدَ في الحديث أنه إذا وقف العبد للصلاة وقال: "الله أكبر" دون أن يكون مُقبلاً على الله: «فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا اطَّلَعَ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ وَهُوَ يُكَبِّرُ وَفِي قَلْبِهِ عَارِضٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَكْبِيرِه‏» قال له عزّ وجلّ: «يَا كَاذِبُ‏! أَتَخْدَعُنِي؟!» (مستدرك الوسائل/ ج4/ ص96)، لماذا لستَ مُقبلاً بذهنك إلَيَّ؟!

🔰وعن الإمام الباقر(ع) أنه لا تنال من صلاتك إلا المقدار الذي تُقبِل فيه على الله: «إِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ‏ أَوْهَمَهَا كُلَّهَا أَوْ غَفَلَ‏ عَنْ أَدَائِهَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» (الكافي/ ج3/ ص363).

🔰يتعامل الله مع عملية ضبطنا للذهن بحساسية! فإن لم تتسلّط على ذهنك ووردَت عليه أمور سيئة ابتلاك الله بهذه الأمور نفسها.

وكان رسول الله(ص) يقول: «مَنْ‏ أَسَرَّ سَرِيرَةً أَلْبَسَهُ‏ اللهُ رِدَاءَهَا، إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرّاً فَشَرٌّ» (الكافي/ ج2/ ص296).

🔰اللهم أَزِل عن أذهاننا كل خاطرةِ سوء، وهَبْنا القدرة على ضبط أذهاننا كي نتمتع بمواهب الحياة والعبودية، ولا نُبتلى بألوان الخسران المعنوي والمادي.

🔰الامام زين العابدين عليه السلام قال(اللهم اجعل مايلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكرا لعظمتك وتفكرا في قدرتك )