أولاً الثواب من ركائز تربية الابناء:
من الأخطاء التي يقع فيها معظم الآباء والأمهات دون قصد، وتسبب سوء تصرفات الأبناء أنهم لا يلتفون إلي الابن إلا حينما يخطئ، فيعاقبوه علي الخطأ.
أما حينما يتصرف تصرفا سليما أو سلك سلوكا حسنا، فإنهم يتجاهلونه، رغم أن الواجب هو أن يكافئوه، ليكرر السلوك الطيب..
حتى يصبح عادة متأصلة في نفسه، وهو كلام يستحق منا الكثير من النظر والتبصر فأبناؤنا يحتاجون إلى الثواب والمكافأة بقدر ما يحتاجون إلي العقاب.
فقد قال ابن مسكويه في تهذيب الأخلاق: ويمدح الصبي بكل ما يظهر من خلق جميل وفعل حسن يكرم عليه.
وروى النضر بن الحارث، قال لي أبي: يا بني أطلب الحديث، فالثواب أثر عظيم في التربية، فهو يخلق الحماس، ويرفع الروح المعنوية، وينمي الثقة بالذات، ويهذب السلوك، فيشب الابن واثق النفس معتزاً بقيمته بين أفراد مجتمعه، فالطفل الذي يثاب علي سلوكه الجيد المقبول سيتشجع علي تكرار هذا السلوك مستقبلا، وينمو خالا من العقد التي تقف حاجز بين الآباء والأبناء.
أنواع الثواب:

للثواب أنواع عديدة منها:
التشجيع المعنوي

وهذا النوع علي درجة كبيرة من الأهمية في تعزيز السلوك المقبول والمرغوب.
ويكون التعزيز المعنوي بالابتسامة في وجه الأبناء، وإظهار الاهتمام والرضا، والاستحسان، والعناق، والمدح.
ومن أنواعه أيضا العفو عن ذنب سابق.
والتقبيل الذي هو دليل الحب والرحمة.
وإظهار إيماءات الوجه المعبرة، فقد زار الأقرع بن حابس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينما هو جالس عنده رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن بن علي رضي الله عنه فتعجب مما رآه، فإن له عشرة من الولد ما قبل أحدا منهم أبدا.
وتساءل في دهشة: تقبلون صبيانكم فما نقبلهم؟!
فتعجب النبي من الأقرع رضي الله عنه، ووجه إليه لوما وعتابا شديدين، وقال: “أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة”؟
وحذره النبي من عاقبة القسوة، والجفاء، فقال له: “من لا يرحم لا يرحم”.
ومع ذلك قد يبخل بعض الآباء بإبداء الانتباه والمديح لسلوكيات أبنائهم الجيدة، إما لانشغالهم، حيث لا وقت لديهم للانتباه إلي سلوكيات أطفالهم، أو الخاطىء أن علي أولادهم إظهار السلوك المهذب دون الحاجة إلي المكافأة والإثابة.

التشجيع المادي:
مع أن الإثابة المعنوية تأتي في المرتبة الأولي لتقرير السلوك المرغوب، بينما التشجيع المادي يأتي في المرتبة الثانية.
ولكن هناك بعض الأطفال يفضلون المكافأة المادية.
والمقصود بالتشجيع المادي: إعطاء الابن قطعة حلوى أو شراء لعبة، أو إعطاء نقود، أو اصطحاب الابن في رحلات ترفيهية.
وقد يستخدم بعض الآباء المكافآت المادية لكسب طاعة أبنائهم، وهذا وإن كان له بعض المزايا فإنه لا يخلو من الضرر، فيتعود الابن علي امتثاله للأوامر سيجلب له نفعا ماديا، فيصبح الابن مشروعا نفعيا يتعامل مع كل شيء من منطلق المادة.

شروط الثواب:
وللثواب الجيد شروط منها:
يجب تنفيذ التشجيع تنفيذا عاجلا بلا تردد ولا تأخير، وذلك مباشرة بعد إظهار السلوك المرغوب.
عدم مكافأة السلوك السيئ مكافأة عارضة بصورة غير مباشرة.
عدم إعطاء الطفل المكافأة بسلوك مشروط من قبل الطفل (أي أن يشترط الطفل إعطاءه المكافأة قبل تنفيذ السلوك المطلوب منه).
لمكافأة يجب أن تأتي بعد تنفيذ السلوك المطلوب وليس قبله.
أن يكون الثواب دون إفراط أو تفريط، لأن المبدأ العام هو ألا يجوز إثابة الطفل علي عمل يجب عليه أداءه كتناول الطعام مثلا.
بينما يجوز إثابته إذا عطف علي مسكين، أو قدم مساعدة لوالده أو والدته دون طلبها، أو حصل علي تقدير طيب في الامتحان، وغيرها من الأفعال الطيبة.
يجب أن يكون الثواب متدرجا، فيبدأ بالثواب المعنوي، ثم ينتهي بالثواب المادي.

ثانيا العقاب:
إن العملية التربوية لابد أن تأخذ مبدأ الثواب والعقاب، والعقاب يجب أن يكون خفيفا لا قسوة فيه، لأن الهدف منه منع السلوك السيئ، وليس إلحاق الأذى بالطفل.
فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف معلما ومرشدا لأبي مسعود الأنصاري، فقد أمسك أبو مسعود خادما له يوما وظل يضربه بسوطه، والخادم يستغيث ويقول: أعوذ بالله، أعوذ برسول الله، وبينما أبو مسعود يفعل ذلك إذ سمع صوتا يناديه من خلفه، يقول له: “أعلم أبا مسعود”..
فالتفت لينظر من ذا الذي ينادي عليه، فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم يكرر النداء “اعلم أبا مسعود! اعلم أبا مسعود..
وهنا أحس أبو مسعود بخطئه، فاستحيا من الله، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، وسقط السوط من يده، فقال له صلى الله عليه وسلم: “اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك علي هذا الغلام”.
فاعتذر أبو مسعود إلي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لا أضرب مملوكا بعده أبدا، وهو حر لوجه الله تعالي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أما لو لم تفعل” (أي تعتقه) لمستك النار”.
فالعقاب يبدأ بالعبوس والإعراض، والحرمان من بعض الأشياء المحببة للأبناء، ثم التوبيخ، ثم الحجز لمدة معينة، ثم ينتهي بالعقوبة المادية.
ويجب ألا يكون مؤلمة، لأنه يخلق رد فعل سلبي للابن، ويجب الامتناع عن العقوبات القاسية كالتحقير والإهانة.
فالعقاب ليس معناه أن يأتي الأب بعصا أو بكرباج أو سوط ويضرب به أبنائه..
فرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضرب ابن له، وما ضرب زوجة أو خادما، وما ضرب دابة.

شروط العقاب
إذا حدث الخطأ لأول مرة، فلا يعاقب عليه الطفل، بل يعلم ويوجه.
إذا كانت العقوبة هي الضرب، فينبغي أن يسبقها التحذير والوعيد.
تفسير سبب الضرب، فعدم فهم الطفل لسبب عقابه، سيولد لديه الكراهية والشعور بالظلم.
أن يتولي المربي الضرب بنفسه، وألا يعاقب الابن حال الغضب.
أن يتناسب العقاب مع عمر الطفل، ففي السنة الأولي والثانية يكون تقطيب الوجه كافيا أو حرمانه من شيء يحبه..
وفي السنة الثالثة يحرم الابن من ألعابه التي يحبها.
أن يتناسب العقاب مع شخصية الطفل، فمن الأطفال من يكون حساسا ذا حياء يكفيه العتاب.
ومنهم من يكون عنيدا فلا ينفع معه إلا العقاب.
ومن العقاب حرمانه من لعبة فهو أشد من الضرب.
وأيضا حرمانه من أصدقائه فهو عند بعض الأطفال أشد من حرمانه من النقود أو الحلوى.
أن يتناسب العقاب مع الموقف، فأحيانا يكون الطفل مخفيا أنه أخطأ، فيكون التجاهل والعلاج غير المباشر هو الحل الأمثل.
وإن عاد إليه عوقب سرا، لأنه إذا هتك سره نزع عنه الحياء فأعلن ما كان سرا.
وأخيراً أيها الآباء وجهوا أبناءكم بالرفق واللين قبل الشدة، والقدوة قبل القول، وبالرحمة قبل العنف.

بين الثواب والعقاب
إن عدم استقرار الآباء من حيث استخدام الثواب والعقاب أمر خطير، فيعاقب الطفل علي سلوك معين مرة ويثاب علي نفس السلوك مرة أخرى.
فقد يسب الطفل أمه أو أباه فنجدهم يضحكون له ويبديان سرورهما..
بينما لو فعل الطفل ذلك أمام الضيوف لوجد العقاب البدنى أو النفسي، فيكون الابن في حيرة من أمره لا يعرف هل هو علي صواب أم علي خطأ.
اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	  مشاهدات:	0  الحجم:	80.8 كيلوبايت  الهوية:	918068