بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد


إعلم أنّ الصغيرة تكبر بأسباب:

1️⃣ منها الإصرار والمواظبة: ولذلك قيل "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، فكبيرة واحدة تنصرم ولا يتبعها مثلها -لو تصور ذلك- كان العفو عنها أرجى من صغيرة يُواظبُ العبدُ عليها...

2️⃣ ومنها أن يستصغر الذنب: فإنّ الذنبَ كلّما استعظمه العبدُ من نفسِه صَغُرَ عند اللّٰه تعالى، وكلّما استصغره كَبُرَ عند اللّٰه، لأنّ استعظامه يصدرُ عن نفورِ القلب عنهُ وكراهيته له، وذلك النفور يمنع من شدّة تأثّره به (بالذنب)، واستصغاره يصدر عن الألف به، وذلك يوجب شدة الأثر في القلب

والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات والمحذور تسويده بالسيئات، ولذلك لا يؤاخذ بما يجرى عليه في الغفلة فإنّ القلب لا يتأثر بما يجرى في الغفلة...

وإنّما يعظم الذنب في قلبِ المؤمن لعلمه بجلال اللّٰه، فإذا نَظَرَ الى عظم من عصى به رأى الصغيرة كبيرة، وقد أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: "لا تنظر إلى قلّة الهدية وانظر إلى عظم مهديها، ولا تنظر الى صغر الخطيئة وانظر الى كبرياء من واجهته بها"

3️⃣ ومنها السرور بالصغيرة والفرح والتبجح بها: واعتداد التمكّن من ذلك نعمة، والغفلة عن كونه سبب الشقاوة، فكلّما غلبت حلاوة الصغيرة عند العبد كبرت الصغيرة وعظم أثرها في تسويد قلبه

حتى أنّ من المذنبين من يتمدّح بذنبه ويتبجّح به لشدّة فرحه بمقارفته إيّاه، كما تقول: "أما رأيتني كيف مزّقت عرضه؟!" ويقول المناظر في مناظرته: "أما رأيتني كيف فضحته وكيف ذكرت مساويه حتّى أخجلته؟!"...

4️⃣ ومنها أنْ يتهاون بستر اللّٰه عليه وحِلمه عنه وإمهاله إيّاه: ولا يدري أنّه إنّما يُمهل مقتاً ليزداد بالإمهال إثماً، فيظنُّ أنَّ تمكنّه من المعاصي عنايةً من اللٍْه تعالى به، فيكون ذلك لأمنه من مكر اللّٰه وجهله بمكامن الغرور باللّٰه...

5️⃣ ومنها أن يأتي الذنب ويُظهره: بأنْ يذكره بعد إتيانه أو يأتيه في مشهد غيره، فإنّ ذلك جنايةً منه على ستر اللّٰه الذى سَدَلَهُ عليه، وتحريكٌ لرغبة الشرّ فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله، فهما جنايتان انضمتا الى جنايته فتغلّظت به، فإن انضاف الى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه وتهيئة الأسباب له صارت جناية رابعة وتفاحَشَ الأمر...

وهذا لأنّ من صفات اللّٰه ونعمه أنّه يُظهر الجميلَ ويستر القبيح ولا يهتك الستر، فالإظهار كفران لهذه النعمة، وقال بعضهم لا تذنب فإن كان ولا بدّ فلا تُرغّب غيرك فيه فتذنب ذنبين...

6️⃣ ومنها أن يكون المذنب عالماً يُقتدى به: فإذا فَعَلَهُ (الذنب) بحيث يُرى ذلك منه كبر ذنبه، كلبس العالم الإبريسم (الحرير) وركوبه مراكب الذهب وأخذه مال الشبهة من أموال السلاطين ودخوله على السلاطين وتردده عليهم ومساعدته إياهم بترك الإنكار عليهم وإطلاق اللسان في الأعراض وتعديه باللسان في المناظرة وقصده الاستخفاف واشتغاله من العلوم بما لا يقصد منه إلا الجاه كعلم الجدل والمناظرة

فهذه ذنوب يتبع العالم عليها، فيموت العالم ويبقى شرّه مستطيراً في العالم آماد متطاولة، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه...