بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
في جهة من مراسيم الملكوت، بأجواء مفعمة بالبهجة والحبور، تداخلت حلقات نورانية مرصعة بالحور العِين تنتهي ممتدة إلى حيث أطراف الجنان، اتخذت من شجرة طوبى محل نثار النُّورين مركزًا، بين أيديهن أطباق الدُرِّ والياقوت يلتقطن بها تحفة خير النساء من درٍّ أبيض وياقوت أحمر وزبرجد أخضر([1])، راقهن تجاذب أطراف أحاديث أُلِفَت عند أهل الجنان، رأَينَ بإعادة سرد تفاصيلها شكر إلهٍ مُنعِم على ما تفضل به، إذ أذِن لهن بالكون من شخوصِ تلك المراسيم وشهودِها، ابتدأت الحديث مُنبَريةً من إحدى الحلقات حوريةٌ مضيئةٌ بمزيد نورٍ قائلةً: إنِّي لَعاجزة عن إدراك سرِّ تلك الفتاة التي تولى الربُّ مباشرة أمرها، مُستنفِرًا لأجلها العوالم ومن فيها([2])، حتى غدوت أهاب التفكر في مقامها أو الاقتراب من شيء من حقائقها، وأحسب كذلك أنَّ كل الخلق قاصرٌ بإزاء حقيقتها كقصوري([3])، ثم أردفت: مع كلِّ هذا؛ كم أحسست أنِّي أنتمي إليها؛ بل أخال أنِّي ماكنت لولاها؟ فتجيبها أصوات مستمعاتها المتعالية بتأييد شعور الانتماء من جهتهن كذلك، معللات ذلك بأنَّ نورها مبتدأ أصل النور، فيشكرن المنعم على طُهرِ الأصل، وشرفية الانتماء بسجدة على حبِّ مفيضة النور([4]).
وفي حلقة أخرى تسرد حورية أخرى بملامح ساخرة وهي تصف خيبة أُناس قد بالغوا في تطاولهم، فذهبت بهم الأماني عريضة إلى الحدِّ الذي زوقت لهم نيل المحال، فيستفيقون على إعراض إلهي نبوي يردهم إلى حيث مقامهم ويقصيهم إلى حيث مرتبتهم([5])، فتبهج الحاضرات بحديث الردِّ والإعراض، ويشكرن الإلهَ بتهاديهن نِثارها المبارك.
وفي حلقة ثالثة أقرب الحلقات إلى شجرة طوبى، بادرت حوراء أخرى، تجلَّت في مركز من هالات ضياء وهي تعتلي عرشًا من السنبل والقرنفل، تخاطب مجموعة من حور أُخر قائلةً بصوت يفيض عطرًا، لقد تناهى إلينا من قديم الأخبار بأنَّ الله (تعالى أمره) أبى أن يقرن النور إلّا بما يكافئه من نور([6])، والحقيقة إلّا بما يماثلها من حقيقة، ليقضي شأنًا، ويبلغ أمرًا في التهيئة لنثار آخر من نسل نوراني وذرية مباركة، بها تُكشف حقيقة التوحيد، ويُجلَّى عن الحكمة، ويُؤسس للعدل، ممتدة وسير الزمان إلى حيث وراثة المستضعفين الأرض وما عليها([7])، عند ذلك ستغدو أرض البشر شبيهة بحال الجنان عدلًا وبركةً وجمالًا([8])، وكأنَّ أصداء تلك الكلمات كانت أجراسًا أذنت بتدلي قناديلَ مزدوجة من ساق العرش، توزعت في أعالي الجنان مضيئة كالشموس، كاشفة عمَّا خُطَّ عليها من حقائق متكافئة، راحت تشدو بها الحور العين نشيدًا وأهزوجة.. صدِّيقٌ، صدِّيقةٌ..، فاروقٌ، فاطمةٌ([9])..، نفسٌ، مُهجةٌ..، أخٌ، بضعةٌ..، مرتضىً، رضيةٌ...
وراحت تنثر ما في أطباقها من تحفة مردِّدةً: (في السماء درٌّ... وفي الأرض سادة غرٌّ ... نثار فاطمة) ... مبارك للعوالم عقد قران النورين
الهوامش:
[1])) ينظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت:1111): 43/ 109-110.
[2])) ينظر: بحار الأنوار: 43/109.
[3])) (وإنَّما سميت فاطمة لأنَّ الخلق فطموا عن معرفتها)، بحار الأنوار: 43/65.
[4])) ينظر: معاني الأخبار: الشيخ الصدوق (ت: 381): 396.
[5])) ينظر: تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، حسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (ت: 966هـ): 1/361.
[6])) ينظر: بحار الأنوار: 43/ 109.
[7])) ((الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة))، المناقب، ابن شهر آشوب: 242.
[8])) ينظر: الإرشاد، الشيخ المفيد (ت: 413): 2/384.
[9])) ((سميت في الأرض " فاطمة " لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداءها عن حبها))، بحار الأنوار 43/4.