ورد في محكم الكتاب العزيز قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾1. حيث تؤكّد هذه الآية الكريمة على مسألة التراحم بين المؤمنين والمؤمنات في حياتهم اليومية، وذلك بغية المحافظة على أواصر الأخوّة الإيمانية وتعزيز روح المحبّة والتعاطف فيما بينهم، والتأكيد على استمرارية الترابط والتواصل بين المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، الكبير والصغير، الحاضر والغائب، كُلّاً على حدٍّ سواء.
وإلى جانب ذلك تؤكّد الشريعة الإسلامية على تجنّب إساءة أو إهانة أو إيذاء المؤمنين بعضهم لبعض، وذلك بغية التخلّص من حالات الحسد والكراهية والحقد والتباغض وغيرها من السلوكيّات الخاطئة الّتي تقع بين أفراد المجتمع الإسلاميّ. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض، حتّى تكونوا كما أمركم الله عزَّ وجلَّ: (رحماء بينكم)..
2"3.
عظمة حقّ المؤمن على أخيه
يُعتبر أداء حقوق المؤمنين من أفضل العبادات الّتي تُقرِّب العبد إلى الله سبحانه
تعالى، حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما عُبد الله بشيء أفضل من أداء حقّ المؤمن"4. ولذا يكشف الإمام الصادق عليه السلام عن حقيقة وعظمة الأخوّة بين المؤمنين، حينما يقول: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها"5.
ولكنّ ذلك الجسد الواحد الّذي يجمع المؤمنين ويصل بين أرواحهم بروح الله سبحانه وتعالى، لا معنى لكثرة العدد فيه ما دام لا يغفر المؤمنون بعضهم لبعض، ولا يُفشى التواسي والمودّة فيما بينهم.
فقد روي عن أبي إسماعيل "قال: قلت لأبي جعفر الكاظم عليه السلام: جعلت فداك إنّ الشيعة عندنا كثير.
فقال عليه السلام: فهل يعطف الغنيّ على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء، ويتواسون؟
فقلت: لا.
فقال عليه السلام: ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا"
6.
ولا بدّ أن نُدرك أنّ أهميّة الأخوّة بين المؤمنين، والّتي أرادها أهل البيت عليهم السلام لنا، تتجلّى مصاديقها بصدق وإخلاص أكثر وقت الضيق والشدّة وحين وقوع البلاء والمصيبة على بعض المؤمنين، حينها نسأل أنفسنا: هل نحن كالجسد الواحد؟ وهل بالفعل المؤمنون أخوة؟ وذلك بخلاف وقت الرخاء والسعة وبحبوحة العيش.

قال الشاعر:

أخلّاء الرخـاء هُـمُ كـثـيـرٌ ولـكـن في الـبـلاء هُـمُ قـلـيـلُ

مظاهر الأخوّة بين المؤمنين
لقد جسّدت السيرة العطرة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام النموذج المثاليّ في إبراز مظاهر الأخوّة الإيمانية بين المؤمنين، ولعلّ أبرز تلك النماذج قد تجلّت عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنوّرة، فكان من بين سلسلة الإجراءات الإستراتيجيّة الّتي قام بها صلى الله عليه وآله آنذاك، من أجل وضع اللبنة الأولى للمجتمع الإسلاميّ وبناء الدولة الرساليّة المحمّديّة، هو المؤاخاة بين المسلمين وتوثيق عرى التعاون بينهم.

فقد روي أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : "آخى بين الناس، وترك عليّاً للأخير، حتّى لا يرى له أخاً.

فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني؟

فقال: إنّما تركتك لنفسي، أنت أخي، وأنا أخوك، فإن ذكرك أحد، فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب. والّذي بعثني بالحقّ، ما أخّرتك إلّا لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ووارثي".
7

هذا بالإضافة إلى العدد الكبير من الروايات والأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام، والّتي أكّدوا فيها على أن تسود مضامين الأخوّة الإيمانية ومظاهرها المفترضة في المجتمع الإسلاميّ وفي كلّ زمان ومكان