نص الشبهة:

ما دام الأئمّة (عليهم السلام) حسب مفهوم الشيعة يعلمون الغيب، ألم يكن باستطاعة الحسين (عليه السلام) أن يعلم حاجته إلى الماء أثناء القتال، وأنّه سوف يموت عطشاً، وبهذا يستطيع أن يجمع كمّية من الماء كافية للمعركة؟
الجواب:

إنّ جامع الأسئلة لم يقرأ جيّداً تاريخ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكيف أنّهم كانوا يدرسون الأُمور دراسة وافية ويعدّون لكل شيء عدته. ونحن إذا قرأنا تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) في معركة كربلاء نجده قد حسب لكلّ شيء حسابه ومنها توفيره الماء الكافي له ولأصحابه في حلهم وترحالهم، فقد حدّثنا التاريخ أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد أخذ معه ما يكفيه من الماء، ولكن عندما واجهه جيش الحرّ بن يزيد الرياحي، كان ذلك الجيش قد بلغ مبلغاً عظيماً من العطش، لدرجة أنّ الواحد منهم كان يتعثّر في مشيه ويسقط من شدّة العطش، عندها أصدر الحسين (عليه السلام) أوامره لمن كان معه بأن يقدّموا لهم قِرب الماء التي كانت بحوزتهم ـ رغم أنّهم جاءوا لقتاله ـ فشرب أصحاب الحرّ حتّى ارتووا، وحتّى أن الشخص الذي لم يتمكّن من الشرب بسبب التعب الشديد، ساعده الإمام (عليه السلام) بنفسه حتّى شرب وارتوى من يده (عليه السلام). فما ادّخره من الماء قد بذله لعدوه الغاشم.
ولا غرابة في ذلك لان الحسين (عليه السلام) هو شبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي قام معاوية بمنعه وأصحابه من الوصول إلى نهر الفرات حتّى عطش جيشه، ممّا اضطرّه أن يحمل على عسكر معاوية، ويجليهم عن الماء، ويصبح الماء تحت سيطرة جيشه (عليه السلام)، ولكن أبى عليّ أن يفعل فعلتهم بل أمر أصحابه (عليه السلام) بأن يكون الماء مناصفةً بين جيشه وجيش معاوية.
كما أنّ المصادر الشيعية تؤكد أنّ الإمام (عليه السلام) لم يستسلم للأمر الواقع بل أرسل من يجلب لهم الماء، وفي بعضها قام (عليه السلام) بمحاولة حفر الآبار إلاّ أنّ القوم منعوهم من ذلك،هذا من ناحية النقل.
وأمّا إذا أردنا أن نحلّل قضية عطشه (عليه السلام) فنقول: هذه قضية تابعة لظروفها الموضوعية، فنحن الآن ندرس القضية على أساس ما جاءنا في بطون الكتب، ومن المعلوم أنّ الّذي وصل إلينا لا يمثل الحقيقة بكل أبعادها وجزئياتها، فإنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. بل نرى أنّ الحاضرين في واقعة واحدة تختلف رؤيتهم لطريقة معالجتها، فهذا هو التاريخ يحدثنا عن مخالفة عمر بن الخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله ) في أكثر من موقع اعتماداً على اجتهاده الخاص وفهمه للواقعة، فقد خالف الرسول (صلى الله عليه وآله ) في صلح الحديبية، وهو يعلم جيداً منزلة الرسول (صلى الله عليه وآله ) وحكمته ودرايته، كذلك نراه يقترح معالجة قضية رأس المنافقين عبدالله بن أبيّ بن سلول بالقتل وقد تبيّن خطأ رأيه وصحة رأي الرسول (صلى الله عليه وآله ومدى حنكته (صلى الله عليه وآله ) في المعالجة.
إذاً القضية لا ترتبط بالعلم فقط ولا تنافيه، بل لابدّ أن تدرس القضية من جميع أبعادها.
ومن هنا باعتبار أنّنا نعرّف بالأدلّة القطيعة حكمة الإمام الحسين (عليه السلام) ودرايته وبعد نظره، نسلّم أنّه كان قد بحث القضية من جميع أبعادها وأنّه هو صاحب القرار في اتخاذ الموقف.
واما قضية علم الأئمة للغيب، فقد اجبنا عنها في سؤال متقدم
1.
  • 1. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته.