بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه لم يزيدوا عن إثنين وسبعين رجلاً في مواجهة جيش ضخم تجاوز عدده عشرات الآلاف، وكان من البديهي أن تنتهي المعركة باستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه، وانتصار ظرفيّ لجيش يزيد بن معاوية وقياداته وأفراده.
إلّا أنّ النقطة الجديرة بالوقوف عندها في تلك المعركة، أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة المعركة الحاسمة خطب فيمن معه وأحلَّهم من بيعته وأعطاهم الحرية في اتّخاذ القرار بتركه وحيداً في مواجهة ذلك الجيش والنجاة بحياتهم وحياة أهل بيته؛ إلّا أنّ أصحاب الإمام (عليه السلام) وأهل بيته رفضوا ترك الإمام وحيداً، وقالوا كلاماً رائعاً وجميلاً يحتوي على القرار الحاسم (لا طيَّب الله العيش بعدك يا أبا عبد الله)، و(بماذا نواجه رسول الله يوم القيامة؟
نقول له تركنا الحسين وحيداً؟!، وما عذرنا في إبقائك وحيداً فريداً في مواجهة الأوباش والوحوش الكاسرة) التي تنتظر طلوع الشمس للهجوم على معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) وقتل كل من فيه، ثمّ الاستيلاء على كل ما يمكن أن يكون له قيمة ماديّة، كان أفراد الجيش الفاسق الفاجر يبحث عنها، فضلاً عن سلب النساء ما تلبسه من الحليّ وأدوات الزينة وغير ذلك، وترويع النساء والأطفال وحرق الخيم ووضع الأغلال والقيود في أيدي وأرجل السبايا من أهل البيت (عليهم السلام) ومن معهم، وعلى رأس المسبيّين الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وعمّته «زينب» بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) وابنة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام).
أمّا عندما طلعت الشمس وبدأت بوادر المعركة تظهر، فإذا بالإمام الحسين (عليه السلام) يطلب النصرة والعون والمساعدة من أصحابه وأهل بيته، وكان خطابه في النهار يخالف كلامه في الليلة التي مضت، والسبب هو أنّ الإمام (عليه السلام) أراد أن يمتحن مَن معه وهل هم حاضرون للدفاع عن إمامهم والقتل بين يديه دفاعاً عن دين جدّه وأبيه، وإخراج العنصر الخبيث وغير الطيب من بين معسكره، لكن الإمام (عليه السلام) وجد أنّ كل من معه طيّبون لا خبيث بينهم، وعاقدوا العزم على الشهادة والقتل في سبيل الله عزّ وجلّ.
وكذلك نرى أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) خاطب جيش يزيد صباح المعركة معرِّفاً لهم بنفسه وأنه ابن بنت نبيّهم وأنّ الإسلام نزل على جدّه (ص)، وكان خطابه من أجل أن يحرّك مشاعرهم وعقولهم وضمائرهم، لعلّه يجد في ذلك الجيش الكثير العدد والقليل الارتباط بدينه طيّباً بين الخبثاء، لكنه لم يجد من يستمع إلى كلامه سوى القول أن «إنزل على حكم يزيد»، وهذا كان يعني أنّ التمحيص في المعسكرين قد وصل إلى الذروة، فلم يكن مع الإمام الحسين (عليه السلام) سوى الطيّبين وليس فيهم خبيث، بينما معسكر الأعداء لم يكن فيهم ولو طيّباً واحداً، وكان جيش يزيد كلّه مع قياداته من الخبثاء الفاسدين.
والنتيجة التي أدّت إلى خلود معركة كربلاء أنّ معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) المليء بالطيّبين المخلصين الأوفياء بذلوا كل ما في وسعهم للدفاع عن قائدهم ودينهم ولم يبخلوا عليه بشيء، فخلَّدهم التاريخ في أروع صورة من صور التضحية والإباء، بينما معسكر الأعداء الذين لم يتركوا جريمة إلّا اقترفوها من قطع الرؤوس والأيدي والأرجل وهتك حرمات رسول الله (ص)، والتخويف والترويع، وتفنّنوا في ارتكاب الفظائع ضد معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) إرضاءً لقياداتهم الخبيثة وللخليفة يزيد المغتصب للخلافة من غير وجه حقّ، خلَّدهم التاريخ كأبشع نموذج للوحشية التي يمكن أن يصل إليها مدعوّ الإنسانية الذين تتبرّأ الإنسانية من جرائمهم الشنيعة والفظيعة.
ولهذا نقول بأنّ معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) المشبع بأجمل صورة من صور الإنسانية النبيلة انتصر على المدى الطويل، بينما معسكر الأعداء المليء بأبشع صورة من صور السقوط الإنساني خسر المعركة على مرّ الأجيال.
ومن هنا نفهم العبرة من توافد الملايين من كلّ أنحاء العالم لزيارة الرمز الأكمل للإنسانية بكل معانيها النبيلة، وتلعن من قتل الحسين (عليه السلام)؛ لأنّه كان الرمز الأسوأ الخالي من كلّ ما تعنيه الإنسانية النبيلة والشريفة.
والحمد لله ربّ العالمين .