يقولُ الإمام السجاد في خطابهِ لأهْل المدينةِ بعد وصول السبايا وأيتام سيد الشهداء عليه السلام :
أيُّها القَوم: إنَّ الله ولهُ الحَمْد، ابتلانا بمَصائِبَ جليلة ، وثُلْمةٍ في الإسْلامِ عظيمة،
قُتِلَ أبو عبد الله الحسين "عليهِ السلام"، وسُبَي نِساؤُه وصِبيتهُ ،
ودَاروا برأسِهِ في البُلدان مِن فَوقِ عامل السنان ، وهَذهِ الرزيَّة الَّتي لا مِثْلها رزيَّة.
أيُّها الناس:
فأيُّ رِجالاتٍ مِنْكم يُسَرُّون بعْد قتْله ؟!
أم أيُّ فُؤادٍ لا يَحْزنُ مِن أجْله؟!
أم أيَّــةُ عَـين مِنْكم تحْبس دَمْعها وتضنُّ-أي تبْخلُ- عَن انْهمالِها ؟!
فلقد بكتْ السبعُ الشداد لقتْلهِ،
وبكتْ البِحار بأمواجها، والسماواتُ بأركانها،
والأرْضُ بأرجائها، والأشجارُ بأغصانها، والحِيتانُ ولُجَجُ البِحار،
والمَلائكةِ المُقرّبون وأهْلُ السماواتِ أجمعون..
أيُّها النـاس:
أيُّ قلْبٍ لا ينْصدِعُ لقتْلهِ ؟!
أم أيُّ فُؤادٍ لا يَحنّ إليه ؟!
أم أيُّ سَمْعٍ يسْمعُ هَذهِ الثلمة التي ثلمتْ في الإسلام ولا يُصمّ ؟!
أيُّها الناس:
أصبحنا مَطرودِين، مُشرَّدين، مَذُودِين- أي مُبْعَدين-، وشاسِعين عن الأمصـــار،
كأنَّا أولادُ تُرْكٍ وكابل، مِن غير جُرْم اجترمناهُ، ولا مَكروهٍ ارتكبناهُ،
ولا ثُلْمةٍ في الإسْلام ثلمْناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إنْ هذا إلاَّ اختلاق.
والله، لو أنَّ النّبيَّ "صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ" تقدَّم إليهم في قتالنا،
كما تَقدَّم إليهم في الوِصاية بنا، لما زادوا على ما فعلوا بنا،
فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون، مِن مُصيبةٍ ما أعظمها، وأوجَعَها، وأفْجَعها، وأكظَّها وأفْظَعها، وأمرَّها وأفْدحها،
فعِنْد اللهِ نحتسبُ فيما أصابنا، وأبلغ بنا، فإنَّه عزيزٌ ذو انتقام..
[بحار الأنوار-ج ٤٥]