اللهم صل على محمد وآل محمد
قال تعالى: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتَلِيه فجعلناه سميعاً بصيراً} الإنسان ٢
هناك حكمتان :
الأولى: قال بعض العلماء: السمع أخطر في الإنسان من البصر؛ لأنّ الإنسان يتلقّى الأصوات من الجهات الست وفي الظلام والنور وفي الليل والنهار وعلى الرّغم من الحواجز الكتيمة فإنّ السمع يصل إلى أُذنك فكأنّ السمع يغطي البيت كلّه فإن كنت نائماً وسمعت حركة في غرفة الضيوف انتقلت إليها أمّا عينك فلا تريك إلّا أطراف غرفة النوم وإن كنت تقود سيّارة فلا ترى إلّا الذي أمامك، أمّا إن كان ثمّة خلل في المحرّك أو العجلات فالصوت يصل إلى أذنك فتقف في الوقت المناسب .
الثانية: قوله سبحانه وتعالى: { وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ماكنّا في أصحاب السعير }
لماذا اختار الله سبحانه وتعالى السمع وحده؟
لأنّه من كان أصمَّ كان أبكمَ فالذي لايسمع لاينطق والذي لايسمع ولا ينطق متخلّف عقليّاً ويصنّف مع المعوّقين عقليّاً ومع البُلهِ لكن كم من الذين فقدوا بصرهم كانوا قمّة في العلم والأدب وأعلاماً ولكنّ الذي لايسمع لاينطق ولا يفهم.
إنّ دقّة خلق السمع كدقّةِ خلق البصر فصنع الله لاتفاوت فيه وكلّه متقن إلى درجة مطلقة.
إنّ للسمع وظائف وللبصر وظائف فبالسمع تسمع الحقّ وتعقل الحقائق وبالبصر تشاهد الجماليّات والأشياء وأشكالها وحجومها وصفاتها لكنّك بالسمع تدرك حقائقها .
ولكن لماذا قدّم الله البصر على السمع في قوله: { ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً...}
الجواب: قال العلماء: لانّ سرعة انتقال الصورة تزيد على سرعة انتقال الصوت فالصورة تنتقل بسرعة ٣٠٠٠٠٠ألف كم في الثانية أمّا الصوت فلا ينتقل إلّا بسرعة ٣٣٠ م في الثانية.
إذاً لمّا كان الحديث عن الإنشاء إنشاء السمع والأبصار قدّم السمع على البصر في ١٧ آية وحين أنصب الحديث على فعل الإبصار، حيث إنّ الصور تراها العين قبل الصوت قُدّم الإبصار على السمع قال تعالى: { ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً...} وأصدق شاهد على ذلك زمجرة الرعد فترى البرق وبعد حين تستمع إليه.
والآيات القليلة التي ورد فيها ذكر البصر قبل السمع هي الآيآت التي تنذر بالعقاب أو تصف الكافرين .
{ ولهم أعين لا يبصرون بها}
هذه من آيات الله الكونيّة الدالّة على عظمته.