من أجل توجيه الأنظار الى ما تعنيه هذه الآية الكريمة؛ كي تكون درسًا من دروس الثقافة والوعي، كيف تقرؤون قوله تعالى «لقد جئت شيئا نكرا»؟
الروائي الناقد الأستاذ فلاح العيساوي:
الأمر المنكر: هو كل عمل خارج عن مألوف المجتمع وعاداته وتقاليده، ربما ينكره المجتمع حسب مفاهيمه المعروفة حتى لو كان في مكان ما غير منكر، وقد يكون في طبيعته غير منكر، لكن درجة الإنكار تختلف حسب ثقافة المجتمع.
الكاتبة الحاجة سعدية العبود:
لقد أراد الله سبحانه أن يبيّن أن الأمور غير ما تظهر وهذا عبد صالح يعرف غير الظاهر، وهو ردّ على نبيه موسى الذي اعتقد انه أكثر علمًا.
الراوي الباحث الأستاذ حسن البصام:
القراءة السطحية أو المرئية للفعل، يحسب أن الفعل منكر مرفوض ويشكل اعتداء على أرواح الناس وممتلكاتهم، ولكن رؤية النبي وهدفه كان فعلًا اصلاحيا بناء، نحن قصيرو النظر في رؤيتنا لبواطن الأشياء والأفعال، الأنبياء يمتلكون نفاذا وحدسا وعمقا ربانيا وغورا إلى بواطن الاشياء، ولذلك فإن الغيبة غالبا ما ترجع إلى قصور في فهم الظواهر، وكذلك الخطأ في الأحكام.
الكاتبة الباحثة فاطمة الركابي:
إن ما يمكن استقراؤه من هذه الآية هو أن طبيعة النفس البشرية -غالباً- تميل لقبول كل ما له دليل، واحاطة علمية، ومعرفة مسبقة، أما غير ذلك فيكون شيئًا مُستنكرًا وغير مقبول!
وهنا التسليم لمن هو أعلم منا، والإيمان بالغيب هو ما يوسّع مدارك النفس، ويجعلها لا ترفض كل ما هو مجهول عندها، وغير معروف لديها؛ لأن الحقيقة اوسع مما ندركه في عقولنا، والحكمة من فعل بعض الأشياء ليست دائما محكومة بما نراه ونحيط به علما، إنما هناك أمور تُدرَك وتُعرف من خلال الوحي، والغيب المُنَزل على الحجج الالهيين الينا.
الكاتب الباحث مصطفى هادي أبو المعالي:
يمكن القول حسب ما يسبق ويتبع من النص الوارد ان الاستغراب والتعجب من العمل الذي يعدّ النبي موسى (عليه السلام) منكرًا من قيام الخضر بقتل الغلام، الذي جاءت فيه كثير من الآراء الخاصة بذلك منهم من قال قتله بالصخرة، أو بالسكين، أو قتله بيده، واختلفت الآراء في عمر الغلام كان صبيا أم كان بالغًا، وهكذا كانت الإرادة ومن الصبر وسرائر الامور والحكمة، وكما قال الامام علي (عليه السلام): «وليست الرؤية كالمعاينة مع الابصار فقد تكذب العيون اهلها، ولا يغش العقل من استنصحه».
الكاتب الباحث حيدر الحدراوي:
الفطرة السليمة تعد كل ما خالفها منكرا، لكن الفطرة تحتاج الى تقويم وتصحيح للمسار، وهذا لا يتم إلا بالعقل الناضج السليم والعقل الناضج بدوره يحتاج الى قيمومة الدليل المرئي أو المحسوس، والدليل يجب ان يكون ملموسا واقعا في مدار نطاق عمل الحواس ولا يغيب عنها.
وهنا حدث تضارب بين الفطرة السليمة الرافضة لكل تصرف لم يبرر بنظرها وما لم تفهمه من تلقاء ذاتها وتعجز أن تفسره تفسيراً يتوافق مع سلامتها، لذا تعلن عن عجزها التام أمام العقل الناضج وتعلن حاجتها اليه ليفسر لها كي يحصل الفهم ويرفع الالتباس «لقد جئت شيئاً نكرا» كأن الفطرة تخاطب العقل وتقول له: «أيها العقل، بطبيعتي أرفض هذا الفعل، وأشعر بالعجز لذاتي، وأعلن لك عن حاجتي اليك، وأعلم أيها العقل إنه لا يستقيم أمري بدونك، ففهمني، واشرح لي، وأقنعني بما لديك من سلامة التفكير ونضج الرؤية ورصانة المستند "الدليل".
الكاتب الباحث الأمين جواد:
«شيئا نكرا» هو ما يخالف الشريعة التي نزلت على النبي موسى (عليه السلام) التوراة وان استنكار النبي موسى (عليه السلام) على فعل العبد الصالح الخضر هو رد فعل حقيقي لا مثالي في الأحكام الشرعية، ولكن العبد الصالح اجابه: «إنك لن تستطيع معي صبرا»، بمعنى أنك لا تحيط بالحكم الإلهي الخفي الذي لم يبينه لك في الأحكام الشرعية التي انزلها في التوراة، وهو حكم عال عن فهمه من قبل النظرة الفكرية أو القوانين واللوائح التي وصلت لأفهام المجتمع آنذاك، وما فعل العبد الصالح لتلك الافعال الا بأمر من الله تعالى؛ ليكشف بعض الأسرار الإلهية وكيفية تعامل الله مع البشر ليس حسب فهمهم وادراكهم بل حسب الفكرة الشمولية والموهبة للأشياء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [الكهف/74].