إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مشاكل الحياة بين الأنفعال والاستيعاب

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مشاكل الحياة بين الأنفعال والاستيعاب


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد


    من طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها زاخرة بالمشاكل والمصاعب، بمقدار ما هي مليئة بالملذات والشهوات، وفرص المكاسب والإنجازات، وأرادها الله تعالى كذلك لتكون قاعة ابتلاء وامتحان للإنسان، وفي الاختبار لابد من توقع الأسئلة الصعبة، ولإعطاء رخصة قيادة السيارة يمتحن بالسير في طرق ذات منعطفات ومتعرجات.

    ولمشاكل الحياة وظيفة أخرى هي صقل إرادة الإنسان، واستثارة قدراته وطاقاته، فالتحديات دافع التقدم والتكامل.

    لذلك يؤكد القرآن الكريم على حتمية العناء والصعوبة في هذه الحياة يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ والكبد هي المعاناة والتعب الشديد. وفي آية أخرى: ﴿يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ﴾
    . والكدح هو العمل والسعي بمشقة.

    الناس الذين يفكرون بأنهم يجب أن يرتاحوا في حياتهم، ولا تزعجهم المشاكل والمصاعب، هؤلاء واهمون لا يعرفون طبيعة الحياة.

    يقول الإمام زين العابدين : «الراحة لم تخلق في الدنيا ولا لأهل الدنيا، إنما خلقت الراحة في الجنة ولأهل الجنة، والتعب والنصب خلقا في الدنيا ولأهل الدنيا» .
    والإنسان في أي موقع كان، وضمن أي حالة في هذه الحياة، معرض للمشاكل والابتلاء، فقد يتصور البعض أن غيره يعيش راحة تامة لكن هذه التصورات جميعها بعيدة عن الواقع، فلا أحد في هذه الحياة يعيش راحة تامة، نعم قد تتفاوت المشاكل، ويختلف مستوى المعاناة، ومدى توفر إمكانات المواجهة والعلاج.

    إن الراحة الكاملة، والسعادة التامة، لا تتوفر إلا في الجنة حسبما يخبرنا الله تعالى عنها، هناك حيث لا أمراض، ولا نزاعات ولا منغصات ولا نواقص ولا شيء يسبب ذرة من العناء أو الانزعاج، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ. وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾
    وإذا كان خيار تغيير طبيعة الحياة ليس متاحاً للإنسان إلا أن طريقة تعامل الإنسان مع هذه الطبيعة يفتح أمامه أكثر من خيار، ويمكننا أن نلاحظ في تعاطي الناس مع مشاكل الحياة، أن هناك نمطين مختلفين: الأول حالة التشنج والانفعال. والثاني منهجية الاستيعاب.

    الحالة الأولى..
    والتشنج كظاهرة أخلاقية هو الانفعال الزائد عن الحد تجاه حدث سيء أو شخص مسيء. يدفع إلى مواقف أو تصرفات سريعة دون تفكير موضوعي.

    هذا الانفعال المتطرف يحدث حالة من الانقباض في إرادة الإنسان وتفكيره، فتعوقه عن الحركة والسعي لتجاوز المشكل، كما تسبب له الكثير من التأزم والتألم في مشاعره وأحاسيسه، تماماً كما هي آثار التشنج العضلي على مستوى الجسم.

    وهي حالة يفقد فيها الإنسان الإدراك الواعي ويصاحبها تقلصات في العضلات، وهي وسيلة هروبية حينما تعجز الذات عن مواجهة ضغط من الضغوط أو موقف من المواقف بطريقة واعية سليمة.

    لحالة التشنج مظاهر وأعراض في شخصية الإنسان يمكن منها:

    . السلبية والتشاؤم: فالحياة فيها أحداث جيدة وأخرى سيئة، فيها الحلو والمر، ويحصل فيها ما يبعث على الأمل والتفاؤل، كما يحدث ما يوجب التشاؤم، فلا بد من الاعتدال والتوازن، والنظر إلى الأمور بموضوعية. لكن الشخصية المتشنجة وبسبب ما قد يمر بها من مشاكل ونكسات تميل إلى السلبية والتشاؤم غالباً، وتقرأ الأحداث بهذه النفسية، فتتكرس لديها حالة اليأس والقنوط، وتسيطر عليها حالة الإحباط، وذلك يعوق الانطلاق والحركة والسعي.

    إن التعاليم الدينية تربي في الإنسان روح الأمل والتفاؤل، وتنهاه عن النزوع نحو اليأس والتشاؤم مهما عصفت به المشاكل والأزمات، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾
    . ويقول تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾

    من أعراض ظاهرة التشنج والانفعال أن يبقى أصحابها في دائرة السخط والاعتراض تجاه المشكل، دون أن يتجاوزوا ذلك إلى صنع الحلول، والبحث عن العلاج ويصاب بلأحباط عند اول فشل لحلوله.

    الشخصية الانفعالية المتشنجة غالباً ما تبحث عن النواقص، وتفتش عن الأخطاء ونقاط الضعف في حياتها وشخصيتها ولا تسترعي انتباهها، ولا تستقطب أنظارها الأيجابيات والنعم .
    القسوة في ردة الفعل:
    قد يتعرض الإنسان لمواقف مثيرة من قبل الآخرين، بأن تصدر منهم إساءة تجاهه، أو يرتكبون خطأ أو ذنباً بشكل عام، وهنا كيف يكون رد الفعل على هذا المثير؟ إن حالة التشنج والانفعال تدفع الإنسان إلى ردة فعل قاسية عنيفة، تعود عليه بالمزيد من الانزعاج والتأزم النفسي، وتنسف الجسور بينه وبين الآخرين، وقد تجعل الطرف الآخر يتمادى في خطئـه من منطـلق التحـدي ورد الفعـل أيضاً ..

    بينما يكون للحلم والتسامح الكثير من النتائج الإيجابية ، فبذلك يمتص الإنسان حالات التشنج، ويحافظ على هدوئه واستقراره النفسي، ويكسب مودة الآخرين، والتأثير في نفوسهم وسلوكهم.

    إننا بحاجة إلى أن يحتمل بعضنا بعضا، وأن لا نكون قاسين عنيفين على بعضنا، وإذا ما أخطأ واحد منا، فعلينا أن نساعده على تجاوز خطئه بالنصيحة واللطف، لا أن ندفعه للإرتكاس والتمادي أكثر ..

    وقد ورد في الحديث المروي عن رسول الله إن من حقوق المسلم على أخيه المسلم: «ويقيل عثرته» فإذا سقط في دين أو دنيا أقاله، كأنه لم يحدث له سقوط .

    كما نقل في سيرة الإمام زين العابدين أنه مر برجل فبادر الإمام بالسب والشتم، فمشى الإمام معرضاً عنه كأنه غير مقصود بكلامه، فاقترب إليه الرجل قائلاً: (إياك أعني) وأجابه الإمام فوراً: «وعنك أغضي» وانصرف عنه. ومرة أخرى افترى عليه رجل وبالغ في سبه، فالتفت إليه الإمام بهدوء وبرودة أعصاب قائلاً: «إن كنا كما قلت:فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت: فغفر الله لك» .

    منهجية الاستيعاب:

    كما أن التشنج والانفعال أمام المشاكل والأزمات خطأ مرفوض، فإن الاستسلام والخضوع للمشكلة ليس هو المطلوب، وإنما الصحيح استيعاب المشكلة عبر فهمها أولاً بخلفياتها وحجمها وحدودها، دون تضخيم أو تهويل، وفي المرحلة الثانية: التفكير في مواجهة المشكلة بموضوعية وتأن، ودون تسرع وارتجال، وثالثاً وأخيراً: حشد الطاقة والقدرة لتجاوز المشكلة.

    هذه المنهجية هي التي تمكن الإنسان من تخطي مشاكل الحياة وعقباتها، وتحوّل المشاكل والتحديات وسائل ودوافع لتفجير مواهبه وتنمية طاقاته.

    وقد نجد في مصطلح (شرح الصدر) الوارد في النصوص الدينية ما يعبّر عن هذه المنهجية، في مقابل ضيق الصدر الذي يعبر عن حالة التشنج والانفعال.

    يقول تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّـدُ فِي السَّمــَاءِ﴾

    وأول نعمة يمتن الله تعالى بها على نبيه محمد نعمة سعة الصدر التي استوعب بها مشاكل الدعوة، ومواجهة المشركين، يقول تعالى: ﴿َلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾

    وحينما أمر الله نبيه موسى أن يذهب إلى فرعون، ليردعه عن طغيانه، وليدعوه إلى طاعة ربه، فإن موسى طلب من الله أن يمنحه شرح الصدر ليستوعب مضاعفات وأعباء هذه المهمة الضخمة: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾

    وكلما كان طموح الإنسان أكبر، ودوره أرفع، احتاج إلى مستوى أعلى من سعة الصدر، لاستيعاب المشاكل والصعوبات، يقول الإمام علي : «آلة الرياسة سعة الصدر».


المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X