بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الأنبياء والأئمة عليهم السلام كانوا يفهمون الدين عملاً ونشاطاً، ويمارسون التدين كمنهج للكدح والحركة في هذه الحياة، وهم القدوات الذين يجب أن يتأسى بهم الإنسان المسلم.
كانوا يعرفون قدرهم وفضلهم عند الله تعالى، وكانت نفوسهم ممتلئة بمعرفته والاعتقاد به، لكنهم لم يتكلوا على ذلك ولم يكتفوا به عن بذل الجهد وتحمل عناء العمل.
فقد روي عن رسول الله : (كان ليقوم ـ أو ليصلي ـ حتى ترم قدماه ـ أو ساقاه ـ فيقال له، فيقول:« أفلا أكون عبداً شكوراً؟» وفي رواية: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً»)[1] .
وورد أنه : (كان ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغبر بطنه)[2] .
وحينما يكون النبي في بيته لم يكن يجلس متكئاً مستريحاً منتظراً خدمة أهله له، بل كان يشارك أهله الخدمة في البيت، فقد سئلت عائشة زوجته عما كان النبي يصنع في أهله؟
قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة[3] .
وفي رواية أخرى (يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه)[4] .
وقد روت خديجة أم المؤمنين عليها السلام: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما نزل عليه الوحي ترك كل راحة وكان يدأب ليل نهار في العبادة والعمل، فقلت له: يا رسول الله ألا تستريح ألا تنام؟ فقال:« لقد مضى عهد النوم »[5] .
والإمام علي بن أبي طالب وهو التلميذ الأول لرسول الله كانت حياته وسيرته تجسيداً للفاعلية والعمل والحركة في مختلف الأبعاد والمجالات.
فقد ورد أنه أعتق ألف مملوك من كد يده[6] .
ويقول عنه حفيده الإمام محمد الباقر : «كان أمير المؤمنين علي يخرج في الهاجرة في الحاجة قد كفاها يريد أن يراه الله يتعب نفسه في طلب الحلال»[7] .
ويتحدث الإمام جعفر الصادق عن جده علي بن أبي طالب قائلاً:« كان أمير المؤمنين يضرب بالمر ـ أي المسحاة ـ ويستخرج الأرضين»[8] .
وكان أمير المؤمنين علي يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز[9] .
وكان أمير المؤمنين علي يخرج ومعه أحمال النوى، فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك؟ فيقول:« نخل إنشاء الله فيغرسه فما يغادر منه واحدة»[10] .
لذا لم يكن الإمام علي يأكل شيئاً من بيت المال بل كان طعامه نتاج زرعه وعمله، يقول : «إني أعيش على ما يأتيني من ينبع وأستغني به عن بيت المال»[11] .
وتأكيداً لذلك يقول الإمام الصادق : «كان علي لا يأكل مما هنا -اي من من العراق ــ»[12] .
وكان الإمام علي يقوم بشراء لوازم بيته بنفسه من السوق، ويحمل ما اشتراه بطرف ردائه، وذات مرة رآه الناس فتبادروا إليه وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله. فقال: «رب العيال أحق بحمله». وكثيراً ما كان يحمل التمر والملح بيده، ويقول: «لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفع إلى عياله»[13] .
فلسفة العمل:
وإذا كان عادة الرجال المرموقين أن يريحوا أنفسهم من عناء العمل في الظروف القاسية، فإن الواعين المؤمنين منهم لا يتركون الجد والكدح حتى مع صعوبة الظروف.
يقول محمد بن المنكدر: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني ابو جعفر (الباقر) محمد بن علي بن الحسين وكان رجلاً بادناً ثقيلاً، وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟ أما إني لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي بنهر وهو يتصاب عرقاً.
فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا!! أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة ما كنت تصنع؟ فقال:« لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال، جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله عز وجل»، فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني[14] .
هكذا يقدم لنا الإمام الباقر درساً بليغاً في أهمية العمل لكل إنسان، مهما كان موقعه وشرفه، ومهما كانت الظروف المحيطة به.
وهناك قصة شبيهة تنقل عن ولده الإمام جعفر الصادق عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد الله في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر، فقلت: جعلت فداك حالك عند الله عز وجل، وقرابتك من رسول الله وأنت تجهد نفسك ومثل هذا اليوم؟! فقال: «يا فقال: «يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك»[15] .
والعمل عند الأولياء ليس في حدود الحاجة، بل ضمن الإمكان والقدرة، فما دمت قادراً على العمل فعليك أن تعمل، وإن لم تكن محتاجاً لنتاج العمل، أو حتى وإن كنت لا تدرك نتاجه.
فعن أنس أن النبي قال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها»[16] .
ومعلوم أن تحوّل الفسيلة إلى نخلة مثمرة يحتاج إلى سنوات، لكن الرسول يشجع من يرى قيام الساعة أن لا يتردد في غرس فسيلته، رغم أنه لن يستفيد منها شيئاً.
وفي هذا السياق ايضا هناك رواية جميلة عن الإمام جعفر الصادق فعن محمد بن عذافر عن أبيه قال: أعطى أبو عبد الله أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له:« إتجر لي بها»، ثم قال: «أما إنه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه. ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضاً لفوائده». قال: فربحت فيها مائة دينار ثم لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيها مائة دينار. قال: «ففرح أبو عبد الله بذلك فرحاً شديداً»، ثم قال:» أثبتها لي في رأس مالي»[17] .
ويشير الإمام الصادق إلى أن العمل له تأثير في إنضاج فكر الإنسان ورأيه، وفي تنمية إمكاناته وقدراته، حيث أعرب له أحد أصحابه وهو معاذ بن كثير، وكان تاجراً للألبسة، في رغبته ترك العمل في السوق، لاكتفائه المادي قائلاً: قد هممت أن أدع السوق وفي يدي شيء. فقال له الإمام جعفر: «إذن يسقط رأيك ولا يستعان بك على شيء»[18] .
وفي رواية أخرى سأل الإمام جعفر الصادق صاحبه معاذ بن كثير:« يا معاذ أضعفت عن التجارة؟ أو زهدت فيها؟ »قلت: ما ضعفت عنها ولا زهدت فيها. قال:« فما لك؟» قلت: عندي مال كثير وهو في يدي، وليس لأحد علي شيء، ولا أراني آكله حتى أموت، فقال:« لا تتركها فإن تركها مذهبة للعقل»[19] .
وعن الإمام الصادق :«إني لأركب في الحاجة التي كفانيها الله، ما أركب فيها إلا لالتماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال، أما تسمع قول الله عز وجل:» ﴿فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّـلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغـُوا مِنْ فَضـْلِ اللَّهِ﴾[20] .
إن من يعزف عن العمل وتحصيل الإمكانات فإنه يبرهن على افتقاده لصفة الخير في نفسه، يقول الإمام الصادق : «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من المال من حلال»[21] ..
******************
[1] العسقلاني: ابن حر/ فتح الباري شرح صحيح البخاري ج8/ص743 رقم 4836 دار السلام ـ الرياض، دار الفيحاء ـ دمشق الطبعة الأولى 1997م.
[2] المصدر السابق: ج7/ص499 حديث رقم 4104.
[3] المصدر السابق: ج10/ص566 حديث رقم 6039.
[4] المصدر السابق: ج10/ص566 حديث رقم 6039.
[5] الشيرازي: السيد محمد/السبيل إلى إنهاض المسلمين ص147 الطبعة الثانية 1986م مؤسسة البلاغ ـ بيروت.
[6] الطوسي: محمد بن الحسن/ تهذيب الأحكام ج6/ص326 الطبعة الثانية 1960 مطبعة النعمان ـ النجف.
[7] الحر العاملي: محمد بن الحسن/تفيل وسائل الشيعة ج17/ص23/الطبعة الاولى 1993م مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت.
[8] المصدر السابق: ص37.
[9] المصدر السابق: السابق: ص40.
[10] المصدر السابق: ص41.
[11] الشرقاوي: عبد الرحمن/علي إمام المتقين ج2/ص28 الطبعة الأولى 1985م مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
[12] المجلسي: محمد باقر/بحار الأنوار ج40/ص325 الطبعة الثانية 1983م مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
[13] المدرسي: السيد هادي/أخلاقيات أمير المؤمنين ص114 الطبعة الاولى 1991م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
[14] الطوسي: محمد بن الحسن/تهذيب الأحكام ج6/ص325/مطبعة النعمان ـ النجف/الطبعة الثانية 1960م.
[15] المصدر السابق.
[16] الألباني: محمد ناصر الدين/ سلسلة الأحاديث الصحيحة ج1/ص11 حديث رقم9/الطبعة الرابعة المكتب الإسلامي 1985م.
[17] الطوسي: محمد بن الحسن/تهذيب الأحكام ج6/ص326.
[18] المصدر السابق: ص329.
[19] الحر العاملي: محمد بن الحسن/تفصيل وسائل الشيعة ج17/ص14 رقم 21859 مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت الطبعة الأولى 1993م.
[20] المصدر السابق: ص28.
[21] المصدر السابق: ص33.
اللهم صل على محمد وآل محمد
الأنبياء والأئمة عليهم السلام كانوا يفهمون الدين عملاً ونشاطاً، ويمارسون التدين كمنهج للكدح والحركة في هذه الحياة، وهم القدوات الذين يجب أن يتأسى بهم الإنسان المسلم.
كانوا يعرفون قدرهم وفضلهم عند الله تعالى، وكانت نفوسهم ممتلئة بمعرفته والاعتقاد به، لكنهم لم يتكلوا على ذلك ولم يكتفوا به عن بذل الجهد وتحمل عناء العمل.
فقد روي عن رسول الله : (كان ليقوم ـ أو ليصلي ـ حتى ترم قدماه ـ أو ساقاه ـ فيقال له، فيقول:« أفلا أكون عبداً شكوراً؟» وفي رواية: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً»)[1] .
وورد أنه : (كان ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغبر بطنه)[2] .
وحينما يكون النبي في بيته لم يكن يجلس متكئاً مستريحاً منتظراً خدمة أهله له، بل كان يشارك أهله الخدمة في البيت، فقد سئلت عائشة زوجته عما كان النبي يصنع في أهله؟
قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة[3] .
وفي رواية أخرى (يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه)[4] .
وقد روت خديجة أم المؤمنين عليها السلام: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما نزل عليه الوحي ترك كل راحة وكان يدأب ليل نهار في العبادة والعمل، فقلت له: يا رسول الله ألا تستريح ألا تنام؟ فقال:« لقد مضى عهد النوم »[5] .
والإمام علي بن أبي طالب وهو التلميذ الأول لرسول الله كانت حياته وسيرته تجسيداً للفاعلية والعمل والحركة في مختلف الأبعاد والمجالات.
فقد ورد أنه أعتق ألف مملوك من كد يده[6] .
ويقول عنه حفيده الإمام محمد الباقر : «كان أمير المؤمنين علي يخرج في الهاجرة في الحاجة قد كفاها يريد أن يراه الله يتعب نفسه في طلب الحلال»[7] .
ويتحدث الإمام جعفر الصادق عن جده علي بن أبي طالب قائلاً:« كان أمير المؤمنين يضرب بالمر ـ أي المسحاة ـ ويستخرج الأرضين»[8] .
وكان أمير المؤمنين علي يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز[9] .
وكان أمير المؤمنين علي يخرج ومعه أحمال النوى، فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك؟ فيقول:« نخل إنشاء الله فيغرسه فما يغادر منه واحدة»[10] .
لذا لم يكن الإمام علي يأكل شيئاً من بيت المال بل كان طعامه نتاج زرعه وعمله، يقول : «إني أعيش على ما يأتيني من ينبع وأستغني به عن بيت المال»[11] .
وتأكيداً لذلك يقول الإمام الصادق : «كان علي لا يأكل مما هنا -اي من من العراق ــ»[12] .
وكان الإمام علي يقوم بشراء لوازم بيته بنفسه من السوق، ويحمل ما اشتراه بطرف ردائه، وذات مرة رآه الناس فتبادروا إليه وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله. فقال: «رب العيال أحق بحمله». وكثيراً ما كان يحمل التمر والملح بيده، ويقول: «لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفع إلى عياله»[13] .
فلسفة العمل:
وإذا كان عادة الرجال المرموقين أن يريحوا أنفسهم من عناء العمل في الظروف القاسية، فإن الواعين المؤمنين منهم لا يتركون الجد والكدح حتى مع صعوبة الظروف.
يقول محمد بن المنكدر: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني ابو جعفر (الباقر) محمد بن علي بن الحسين وكان رجلاً بادناً ثقيلاً، وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟ أما إني لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي بنهر وهو يتصاب عرقاً.
فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا!! أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة ما كنت تصنع؟ فقال:« لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال، جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله عز وجل»، فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني[14] .
هكذا يقدم لنا الإمام الباقر درساً بليغاً في أهمية العمل لكل إنسان، مهما كان موقعه وشرفه، ومهما كانت الظروف المحيطة به.
وهناك قصة شبيهة تنقل عن ولده الإمام جعفر الصادق عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد الله في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر، فقلت: جعلت فداك حالك عند الله عز وجل، وقرابتك من رسول الله وأنت تجهد نفسك ومثل هذا اليوم؟! فقال: «يا فقال: «يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك»[15] .
والعمل عند الأولياء ليس في حدود الحاجة، بل ضمن الإمكان والقدرة، فما دمت قادراً على العمل فعليك أن تعمل، وإن لم تكن محتاجاً لنتاج العمل، أو حتى وإن كنت لا تدرك نتاجه.
فعن أنس أن النبي قال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها»[16] .
ومعلوم أن تحوّل الفسيلة إلى نخلة مثمرة يحتاج إلى سنوات، لكن الرسول يشجع من يرى قيام الساعة أن لا يتردد في غرس فسيلته، رغم أنه لن يستفيد منها شيئاً.
وفي هذا السياق ايضا هناك رواية جميلة عن الإمام جعفر الصادق فعن محمد بن عذافر عن أبيه قال: أعطى أبو عبد الله أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له:« إتجر لي بها»، ثم قال: «أما إنه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه. ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضاً لفوائده». قال: فربحت فيها مائة دينار ثم لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيها مائة دينار. قال: «ففرح أبو عبد الله بذلك فرحاً شديداً»، ثم قال:» أثبتها لي في رأس مالي»[17] .
ويشير الإمام الصادق إلى أن العمل له تأثير في إنضاج فكر الإنسان ورأيه، وفي تنمية إمكاناته وقدراته، حيث أعرب له أحد أصحابه وهو معاذ بن كثير، وكان تاجراً للألبسة، في رغبته ترك العمل في السوق، لاكتفائه المادي قائلاً: قد هممت أن أدع السوق وفي يدي شيء. فقال له الإمام جعفر: «إذن يسقط رأيك ولا يستعان بك على شيء»[18] .
وفي رواية أخرى سأل الإمام جعفر الصادق صاحبه معاذ بن كثير:« يا معاذ أضعفت عن التجارة؟ أو زهدت فيها؟ »قلت: ما ضعفت عنها ولا زهدت فيها. قال:« فما لك؟» قلت: عندي مال كثير وهو في يدي، وليس لأحد علي شيء، ولا أراني آكله حتى أموت، فقال:« لا تتركها فإن تركها مذهبة للعقل»[19] .
وعن الإمام الصادق :«إني لأركب في الحاجة التي كفانيها الله، ما أركب فيها إلا لالتماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال، أما تسمع قول الله عز وجل:» ﴿فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّـلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغـُوا مِنْ فَضـْلِ اللَّهِ﴾[20] .
إن من يعزف عن العمل وتحصيل الإمكانات فإنه يبرهن على افتقاده لصفة الخير في نفسه، يقول الإمام الصادق : «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من المال من حلال»[21] ..
******************
[1] العسقلاني: ابن حر/ فتح الباري شرح صحيح البخاري ج8/ص743 رقم 4836 دار السلام ـ الرياض، دار الفيحاء ـ دمشق الطبعة الأولى 1997م.
[2] المصدر السابق: ج7/ص499 حديث رقم 4104.
[3] المصدر السابق: ج10/ص566 حديث رقم 6039.
[4] المصدر السابق: ج10/ص566 حديث رقم 6039.
[5] الشيرازي: السيد محمد/السبيل إلى إنهاض المسلمين ص147 الطبعة الثانية 1986م مؤسسة البلاغ ـ بيروت.
[6] الطوسي: محمد بن الحسن/ تهذيب الأحكام ج6/ص326 الطبعة الثانية 1960 مطبعة النعمان ـ النجف.
[7] الحر العاملي: محمد بن الحسن/تفيل وسائل الشيعة ج17/ص23/الطبعة الاولى 1993م مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت.
[8] المصدر السابق: ص37.
[9] المصدر السابق: السابق: ص40.
[10] المصدر السابق: ص41.
[11] الشرقاوي: عبد الرحمن/علي إمام المتقين ج2/ص28 الطبعة الأولى 1985م مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
[12] المجلسي: محمد باقر/بحار الأنوار ج40/ص325 الطبعة الثانية 1983م مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
[13] المدرسي: السيد هادي/أخلاقيات أمير المؤمنين ص114 الطبعة الاولى 1991م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
[14] الطوسي: محمد بن الحسن/تهذيب الأحكام ج6/ص325/مطبعة النعمان ـ النجف/الطبعة الثانية 1960م.
[15] المصدر السابق.
[16] الألباني: محمد ناصر الدين/ سلسلة الأحاديث الصحيحة ج1/ص11 حديث رقم9/الطبعة الرابعة المكتب الإسلامي 1985م.
[17] الطوسي: محمد بن الحسن/تهذيب الأحكام ج6/ص326.
[18] المصدر السابق: ص329.
[19] الحر العاملي: محمد بن الحسن/تفصيل وسائل الشيعة ج17/ص14 رقم 21859 مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت الطبعة الأولى 1993م.
[20] المصدر السابق: ص28.
[21] المصدر السابق: ص33.