إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تسويف التوبة- قصة وعبرة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تسويف التوبة- قصة وعبرة


    اللهم صل على محمد وآل محمد
    دخل وسام غرفته الصغيرة وأقفل الباب وراءه بكل هدوء .. اطفأ كل الأضواء .. ولكن بقِيَ هناك ضوءٌ واحدٌ خفيفٌ يشّع من هاتفه الصغير .. حمله وإستلقى على سريره، ثم كتب إسم ذلك الموقع الذي إعتاد كل يوم على تصفّحه والغَوص في أعماقه.

    تخطَّت الساعة الرابعة فجراً وما زال وسام غارق بهذه الافلام التي إستولَت على قلبه وعقله وكل جسده.
    رُفِع الأذان ودخل وقتُ الصلاة، لكن أُذُنَيه قد حُجبَت عن هذا الصوت الملكوتي.

    غلبه نعاسٌ شديد، ولم يجد نفسه إلا وهو يستيقظ الساعة الواحدة ظهراً ! ارتدى ثيابه مُسرعاً وخرج لعلّه يسجّل حضوره على الأقل في الحصة الأخيرة من الجامعة.

    بقيَ وسام على هذه الحالة أشهر .. كل ليلة ينعزل عن عائلته ويجلس وحيداً في غرفته أمام هاتفه، لا ليس وحيداً بكل معنى الكلمة ! فالشيطان كان بقربه دائماً يترقّبه، ينتظر وسام كل ما خرج من رابطٍ ليدفعه في الدخول الى الآخر!

    وكالعادة، نام وسام وهاتفه بين يدَيه وما زالت هذه الأفلام تتقلّب على الشاشة.

    فتِح باب الغرفة !!
    دخلَت والدته لتطمئِن عليه، ولكن يا للصاعقة التي وقعت على رأسها عندما شاهدت هذه الاشياء القذرة على هاتف إبنها الوحيد الذي لطالما سعَت لتربيته تربية صالحة ! لكن عبثاً

    أخذت الهاتف من يده، أغلقته بحسرة وخرجت من غرفته مكسورة القلب تحبس الدمع في عينها

    في الصباح الباكر، دخلَت عليه وصارحته بما رأته على هاتفه، فتكلَّمت معه بكل هدوء وشرحت له عواقب هذه المعصية وأثرها على قلبه.. ثم قالت له: "يا بُني! إن الله رحيمٌ وغفور إذا أنت عُدتَ إليه وجلست بين يديه وتبت اليه سيغفر لك ويعينك.."

    كان وسام متجاوباً مع كلام والدته، فهو يعرف تماماً أنه عليه التوبة من هذا الذنب العظيم .. قرر حينها بعد عودته من الجامعة أن يغتسل غُسل التوبة ويجلس بين يدي ربه تائباً مستغفراً.

    وفي الليل عندما عاد من الجامعة تذكر أنه عليه الليلة أن يتوب كما قرر في الصباح .. لكنه كان مرهقاً بسبب هذا اليوم الطويل والمتعِب، فخلد الى فراشه ونام.

    كذلك الأمر في اليوم التالي، تثاقل من الإستحمام لغُسل التوبة..
    بدايةً كان الشيطان اللعين خائفاً ومرتعباً من توبة وسام، فهو لا يريد له النجاة ويُدرك تماماً أنه إذا تاب ستشمله الرحمه الإلهية.

    لكنه نجح بتخفيف عزيمة وسام، وراح يوسوس له بتسويف التوبة وتأجيلها وكل يومٍ بِعُذرٍ جديد.
    وما هي إلا مدة قصيرة حتى إستطاع أن ينسيه أمر التوبة كُلياً، فعاد وسام الى سابق عهده يشاهد تلك المشاهد القبيحة !

    لكن الله الكريم الحليم، الذي يشتاق عودة عباده المذنبين إليه، أرسل له برحمةٍ منه والدته مرةً أخرى، دخلت لتطمئن عن حاله كالعادة، وتسأله عن الراحة النفسية التي يعيشها بعد توبته والخَلاص من هذا الذنب القبيح..

    إحتار وسام في أمره كثيراً، ماذا يجيبها ؟ لم يجد حلاً سوى الكذب عليها، فأخبرها بتوبته وارتياحه..
    وبخجلٍ وأسفٍ على حاله، قرر بينه وبين نفسه أن هذه الليلة ستكون الليلة الأخيرة التي يشاهد فيها المحرمات وغداً سيتوب نهائياً !

    إستلقى كالمُعتاد على سريره ودخل تلك المواقع للمرّة الأخيرة كما أقنع نفسه، لكنه لم يكن يُدرك أنها ستكون الأخيرة لسببٍ آخر !!

    ففي منتصف الليل شعر وسام بضيقٍ شديد في صدره وألم لا يحتمل أصاب كامل جسده، كان يشعر بحريقٍ يخرج من كل خليّة في جسمه، بدأ العرق يتصبّب من جبينه، لم يقوَى على حمل نفسه فهوَى على الأرض وعلا صراخه، هرع من في المنزل إليه ونقلوه بسرعة إلى المستشفى..

    لقد أُصيب وسام بوَعكة صحية قوية، وبعد إجراء الكثير من الفحوصات والتخطيطات، كان وَقعُ المصيبة على وسام وعائلته المسكينة كالسَّيف القاتل !

    فقد تبيّن أن وسام مُصابٌ بمرض السرطان ! وهو في مرحلةٍ متقدمة من المرض ممّا يستدعى إجراء عملية جراحية فَورية وخطرة !

    عندما سمع وسام بأمر هذه العملية الخطيرة، إصفّر لونه وتغيّر حاله كأنه سمع بالموت يطرق بابه..

    كيف سألقى الله ربّي !! لا ! إمنحوني بعض الوقت فأنا لم أتُب بعد.. ماذا لو مُتّ !

    الآن يا وسام ! بعد أن أخذ منك المرض ما أخذ !

    أتتوب خوفاً من الموت ولم تسارع إلى التوبة من قبلُ خوفاً من الله جبّار السماوات والأرض !

    إن التوبة الصادقة هي تلك التي تكون في وقت الرخاء والمقدرة، في عز الشباب وقوته.. تكون توبةً نابعةً من حب الله وخشيته لا توبةً أضطرّ عليها صاحبها لأنه بات على بُعد خطواتٍ من الموت والإرتحال.

    ألم يقل الله جل وعلا في كتابه الكريم: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قريب فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} - [سورة النساء، الآية 17-18]

    فأي توبةٍ هذه ! وأي صدقٍ وندمٍ تتدعيه في توبتك !

    ف جأةً، شعر وسام بوخزةٍ مؤلمة غرِق على أثرها في نومٍ العميق .. إنها وخزة إبرة المُنَوم التي غرسها الطبيب في جسد وسام إستعداداً لإدخاله غرفة العمليات الجراحية..

    في ذلك اليوم لم يستيقظ وسام من نومه، فقد فشلت العملية مما أدى إلى وفاته
    إرتحل وسام من هذه الدنيا وفي جُعبتِه نوايا توبةٍ مُسوّفةٍ كان قد خدعه إبليس اللعين بها !

    هذا مصير من يؤجل التوبة ويُسوِّفها مُتجاهلاً أن الموت لا ينتظر أحداً !

    "فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل: غدا وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف، حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون"



    أين استقرت بك النوى
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X