بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ينقل لنا التاريخ قصصا رائعة في تعامل الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) مع أولاده وهم مقبلون على المسجد، فها هو ينزل من على منبره ويقطع خطبته حينما يرى الحسن والحسين مقبلين في المسجد, فيقبلهما ثم يعود إلى منبره ويكمل خطبته، وهذا تعامل يعبر في إحدى جهاته عن تلك الروح الرحبة التي أراد الرسول أن يبثها في المسلمين, ليعلمهم كيف يجب أن تكون فرحتهم حين يرون أولادهم في بيوت الله، ويشاهدونهم ويلتقونهم وهم يرتادون المساجد والمجالس الدينية.
طواعية ذهاب الطفل وحده او مع احد والديه للمسجد والحسينية والمجالس الدينية، واندفاعه الذاتي هي علامة من علامات الرضا التي لا ترتسم على الأطفال لمجرد أنه مكان عبادي بل هي بحاجة إلى عوامل مساعدة، ومن أهمها تشجيع الطفل على دوام الحضور في تلك الأماكن ولو بإهدائه هدايا رمزية ذات معنى روحي أو أخلاقي أو اجتماعي
مهم أن يتعلق الصغار بتلك المجالس ففي ذلك تعويد لهم, حتى إذا ما كبروا تكون تلك المجالس ثابتة في برنامجهم اليومي والحياتي دون تكلف أو ضجر فتأخذ بأيديهم نحو العلم والتعلم والوصول الى الكمال .
يجب أن يرى الصغار في تلك المجالس من أخلاق وتعامل وحديث ما لا يرونه في أي مكان آخر، كي تتركز قيمة إضافية في نفوسهم، يحنون إليها ويتوقون لنيلها .
وإذا تعذرت استفادة الطفل من خطبة الخطيب وأحاديثه ، فإن ثمة فوائد أخرى يمكن أن توفر للأطفال مكسبا وانشدادا له قيمته في نفوسهم وسلوكياتهم.
الطفل يعلم من خلال والديه ومجتمعه أن تلك المجالس هي أفضل الأماكن وأطهرها ، ويعرف أن أوقاتها هي من أجمل الأوقات وأغلاها على قلب المؤمن، ويدرك ولو بمقدار أن اجتماعهم في تلك المجالس لا يضاهيه اجتماع من حيث ثوابه وأجره عند الله. روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال للفضيل بن يسار: يا فضيل « أتجلسون وتتحدثون؟ »قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق : «إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا » .
ويقول الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب».
الطفل يقف موقف الملاحظ لسلوك المؤمنين معه في أطهر أماكنهم, وأفضل أوقاتهم وابرك اجتماع لهم.
وفي ظل كل ما يعرفه ويعيه، يتأمل الطفل أن يلامس الأثر وأن يشهده بوجدانه في حياته ، وينظر ايضا كيف يقدّره تلك المجالس وخطباءها واصحابها والقائمين عليها؟ وكيف يتعامل الحاضرون معه؟ وكيف يحتفي المكان بمن فيه به؟ كلها أسئلة لجوابها أبلغ الأثر في إقبال الطفل أو إدباره عن تلك المجالس..
يجب أن لا يسبقنا أصحاب المجمعات التجارية والترفيهية بهداياهم التي يقدمونها لأولادنا لجذبهم إلى محالهم ومجمعاتهم، بل علينا أن نستفيد من هذه الطريقة بما يناسب مقام هذه المجالس ومكانتها لتشجيعه على الحضور ، واعطاء الطفل الهدية لحضوره مجرد مثل ربما يكون هناك ما هو أفضل وأحسن منه. وعلينا ان نستفيد من شهر رمضان الكريم لأن نعود اطفالنا على حضور المجالس الحسينية الدينية .
الأمر الآخر هو ضرورة التودد للأطفال من قبل القائمين على تلك المجالس وخصوصا اللجان العاملة في تلك المجالس والمهتمة بشؤونها، فالطفل يعيش طفولته وقد يصدر منه ما يزعج أحيانا، وسعة صدرنا هي أفضل تعامل مع أخطائه التي يجب أن نستقبلها بالبسمة والتوجيه اللين، فالكثير من الأطفال قد يغادرون تلك المجالس دون رجعة إذا ما نفرتهم سلوكياتنا وضيق صدورنا.
ولا ننسى أن التعاون وأخلاقيات التعاطي مع الناس, والسؤال عنهم حين فقدهم, هي من الأمور التي اعتاد المؤمنون تداولها وتعلمها من تلك المجالس، ولذلك يحتاج أطفالنا إلى من يأخذ بأيديهم إليها ويجذبهم إليها ويعلمهم ما يكون عليه رواد تلك المجالس من خلق وسلوك حسن وإيمان وعلم وتقوى لينشئ ويتربى عليها.