تتجاوز الشعرية مكونات اللفظ، لتصل الى المفهوم الدلالي والايحاء، وتذهب الى اللغة البصرية، وتخلق تأثيراً على المشاهد، لدرجة انه يرسمها داخل ذهنية التلقي، والشاعر غني العمار في مسرحيته (الوقوف عدوا) من نصوص مسابقة مهرجان المسرح الحسيني الذي أقامته العتبة العباسية المقدسة، وهو عبارة عن مسرحية شعرية امتلكت جماليات النص المسرحي الذي يمكن أن يعد إخراجياً؛ لكونه يحفل بالثراء الدلالي، لما يحمل النص شعرية وصورة ومجازات، فكان النص لا يبالي بتعاقبية الأحداث، ولا تتبعية السرد، لذلك عملنا على قراءة النص ضمن محاور ثلاثة:
(المحور الأول: الحوار):
لترسيخ مفهوم الحدث، ولبناء بنية حداثوية، باستخدام تارة ياء النداء وبأدوات الاستفهام تارة اخرى:
(صوت/ طائر الفضة والياسمين
بالله خبّر عن الأكرمين
هل كما قال ابن (حذلم)؟
يا طائر الياسمين).
وحوار بين الصوت والفرزدق عبر ادوات الاستفهام، وحوار آخر بين الصوت وزينب (عليها السلام) عبر الاستفهام:
(كيف أعود..؟ وقد ألبسني الدهر الأكفان
فرعون وهامان وعصا موسى
والأذان يحاربه الأذان).
وحوار زينبي آخر يولج في عمق الرؤى الوجدانية:
(خذي الطفل، فله مرضعة في الجنة
أنزعي السهم من الجيد.. خذي الطفل خذيه
دعي الحجل يدب في ساقيه
وفي السما ماء يكفيه).
وحوارات الشاعر غني العمار تحمل وظائف اسلوبية، تعمل لتوضيح معالم الشخصية، وتبني الحدث مرتكزا على الحوار الخارجي. ويرى النقاد أن الحوار خط تواصل تبادل وتعاقب على الارسال والتلقي، رغم انهم وضعوا اختلافاً بين حوار الشعر وحوار المسرح، لكنهم في النتيجة يقرون بأنه يحمل دلالات وجمالية تقترب الى عوالم النص المسرحي:
(قم يا فرات
ومزق الزمن العجاف
قم واكسر الظمأ المقيم
على الضفاف
وفي الشغاف).
وهناك حوار مهم يدور بين النجاشي ووهب النصراني، رغم الاختلاف الزمني والمكاني، لكن وحّدهم الانتماء الديني:
النجاشي/
كيف مسحت الخط الفاصل؟
بالدم أيها الملك..
اعطيت وعدك لرمال الصحراء
وقد حملت بشر رسالتنا
وانا بدمي في كربلاء).
و(المحور الثاني: محور الاستفهام):
يرى أهل النقد أن الاستفهام اسلوب مهم، جعل التركيز على الموضوع أي جذب المتلقي الى نقطة يعمل عليها الكاتب، وهو اتصالي المرسل والمتلقي، وفاعل بين افراد المجتمع؛ لكونه يطلب التوضيح والاستخبار، ورغم دخولنا لمحاور ثلاثة، إلا اننا نجد هناك تعاشقاً قوياً بين تلك المحاور، أغلب الاستفهامات التي وردت في الحوار وفي الحوارات تعاشق الاستفهام:
(كيف رأيت الكوفة؟
رأيت خلايا تحطب.. وسيوفاً تحلب..
:ـ أرأس الحسين هو الجائزة؟
الفرزدق/ لا تذهب يا بن فاطمة
الكوفة.. ريح . غبار أحمر.. قيح).
من الممكن لو اردنا البقاء في ومضات النص المسرحي، لاستطعنا أن نصل الى مفهوم تعددية التأويل والتنقل بين ثنايا الواقعة بحرفة شاعر:
ابن عباس يسأل:ـ (لِمَ خروجك في هذا الوقت..؟)
وسؤال آخر:ـ ولِمَ بصحبتك نساؤك والأطفال..؟)
والاستفهامات كثيرة..
(المحور الثالث: هو المحور الشعرية):
والتي تشكل اهم مرتكز جمالي في النص المسرحي، حيث جعل الرواية وتجلياتها في البنية التحاورية او الاستفهامية او تكون ومضات السرد:
ألا ترون كتاب الله ذبيحاً، وأن الحق أصم..؟
جعلوه الزخرف يا عمّ.. يكفي هذا الغم
ــــ اذن شجر الدم..
وفي الومضة الأخرى:
(أحرقت اضرحتي
ببخور كنائس ثكلى).
والومضة الشعرية تفتح مناطق للتأمل والولوج الى العمق (النصي – التاريخي):
(الفرات أصّفر من وجع للآن يجري بالرمال)
وتستطيع بهذه الومضات أن تجيّش العاطفة الوجدانية؛ كونها تشكل جوهر المرجع التاريخي:
(لكن الطفل نام بكفّ أبيه)
نص جميل يبحث عن مَنْ يحمل هذا النص الى خشبة المسرح..؟ سؤال مهم.