على مشارف قبلة الأحرار، كان يحمل بين كفيه شمعة
وعلى خديه سالت السبط دمعة..
وعيناه تخطف أضواء المنائر..
وقلب يهفو بين أصوات الحناجر..
ليتني كنت مع الحسين ثائر..!
فجأة.. وفي لحظة استحوذ المشهد دويّ داهم
ونداء لبى أمنية عاشق، أن هلمّ والتحق بركب السعداء
فرحل مسرعاً.. محلقاً قاصداً أبواب السماء
وأما الراقد على صدر الأرض
فجسد نهشته أنياب الخسة الرقطاء
فتقاسمتْ أشلاءَه الأرصفةُ والطرقات..
وتطرزت من فيض عروقه الجدران
فتناثر متلألئاً كما الياقوت الأحمر..
وأما نكهة الشهادة، فتعطرت من عبقها أرجاء الطف الجديدة
ولكن..؟ ثمة شيء قد توارى عن الأنظار..!
فمن بين أعمدة الدخان الأسود، تخلل من بصيص ضيائها
كانت قد تلقفتها أكفّ عاشق صغير، عاد فأنارها ثانية..
ثم أكمل المسير نحو قبلة العاشقين..
إنها الشمعة.. ولم يتبقَ سواها، شاهد بلا جوارح يروي بلسان عاشق
قصة رحلة مضنية، جاب العالمَ بها، وأبى إلا أن تكون جنة الخلد هي مأواه السرمدي الأخير.