بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
"تُعرفُ الأمورُ بأضدادِها". هَكذا قيلَ، وهيَ الحِكمةُ والقاعدةُ الثابتةُ في الوجودَ؛ فالشجاعُ لنْ يُعرفُ، إلا عِندمَا يُبتلَى النَّاسُ بالجبانِ، ولنْ يَعرفَ النَّاسُ الكَرمَ والسَّخاءِ، إلَا عِندمَا يَمقُتثوا البُخلَ، ولَنْ يَعرفوا القِيَمَ والفضائلَ والمكارمَ، إلَا عِندمَا يَتخبطوا في مُستنقعِ الرَذائلِ والمفاسدِ.
وفقَ هذهِ المعادلةُ يُمكنُنَا قراءةَ شَخصيةَ إمامِنا الحَسنِ السِّبطِ المُجتبى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ونحنث نَعيشُ هذهِ الايامُ ذكرَى مولِدَهُ السَّعيدُ، فقدْ كانَ بحقٍّ، نورٌ سَاطعٌ في بحرِ الظُّلماتِ الّتي خَيَّمتْ علَى المُسلمينَ في عهدِهِ؛ هذا النُّورُ السَّماوي لَمْ يَتحققُ بسهولةٍ إنَّمَا بالتضحياتِ الجِسَامِ، فقدْ أُريقتِ الدِّماءُ، وهُتكتِ الحُرماتُ واُغتصبتِ الحُقُّوقُ، وإلَا فأنَّ لِفظةَ "المائز"، مَا هو إلَا مَفهومٌ عامٌ، لَا يتحقَّقُ علَى الأرضِ إلَا بِوجودِ مصاديقٍ حقيقيَّةٍ تُجسدُ الحقَّ في مُقابلِ البَاطلِ، وتُبَيِّنَ الصِدقَ عَنْ الكَذبِ، وَقِيَّمَ الأرضِ عَنْ قِيَّمَ السَّماءِ.
نَشأَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في أحضانِ جَدِّهِ رَسولِ اللهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) وَتغذّى مِنْ معينَ رِسالَتِهِ وأخلاقِهِ ويُسرِهِ وسَماحتِهِ، وظَلَّ مَعَهُ في رعايتِهِ حَتى اختارَ اللهُ لنبيِهِ دارَ خُلدِهِ، بعدَ أنْ وَرّثَهُ هَدْيَهُ وأدَبَهُ وهيبتَهُ وسؤددَهُ، وأهّلَهُ للإمامةِ الّتي كانتْ تَنَتظِرَهُ بعدَ أبيهِ، وقدْ صَرّحَ بِهَا جَدّهُ في أكثرِ مِنْ مناسبةٍ حِينمَا قالَ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ): (الحسنُ والحسينُ إمامانِ قَامَا أو قَعَدا، اللهمَّ إنِّي اُحِبُّهمَا فأحبُّ مِنْ يُحبُّهمَا)، لقَدِ إجتمعَ في هذا الإمامِ العَظيمِ شَرفُ النبوّةَ والإمامةَ، بالإضافةِ إلَى شَرفِ الحسبِ والنسبِ، ووجدَ المسلمونَ فيهِ مَا وجدَوه في جدِّهِ وأبيِهِ حَتَى كانَ يُذكِّرَهُم بِهمَا، فأحِبُّوهُ وعَظِّمُوهُ، وكانَ مَرجِعَهُمُ الأوحدُ بعدَ أبيِهِ، فيمَا كانَ يَعتَرِضَهُم مِنْ مشاكلِ الحياةِ ومَا كانَ يَستصعِبَهُم مِنْ اُمورِ الدِّينِ، لَا سَّيَمَا بعدَ أنْ دَخلتْ الاُمّةُ الإسلاميَّةُ حياةً حافلةً بالأحداثِ المريرةِ الّتي لمْ يَعرفوا لَها نظيراً مِنْ قبلُ .
وكانَ الإمامُ الزَّكيِّ المُجتَبَى في جميعِ مواقِفِهِ ومراحلِ حياتِهِ مِثالاً كَريماً للخُلقِ الإسلاميِّ النَّبويِّ الرفيعِ في تَحمُّلِ الأذَى والمَكروهِ في ذاتِ اللهِ، والتَحلِّي بالصبرِ الجميلِ والحلمِ الكَبيرِ ، وَمِّمَا جاءَ في كُتبِ السِّيرةِ أنَّهُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، قيلَ لَهُ مَرةً: لأي شيءٍ لَا نَراكَ تَردُّ سَائلاً؟ قال (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (إنِّي للهِ سائلٌ وَفيِهِ رَاغبٌ، وأنَا أسْتَحِي أنْ أكونَ سَائلاً وأردَّ سَائلاً وأنَّ اللهَ عَودَني عادةً: أنْ يفيضُ نِعَمَهُ عَليَّ وَعَودتَهُ أنْ أفيضَ نِعَمَهُ علَى النَّاسِ، فَأخشَى أنْ قَطعتُ العَادةَ أنْ يَمنَعني العَادة).
وِمِمَّا يُنقلُ عَنْ كَرمِهِ الَلاّمحدودُ، (أنْ جاءَهُ إعرَابِيٌ سَائلاً: فَقالَ: اُعطوهُ مَا في الخِزانةِ، وكانَ فِيها عَشرِةِ آلافِ دِرهمٍ ، فَقالَ لَهُ الاعرابيُ: يَا سيدي! هَلَا تَركتَني أبوحَ بحاجتي وأنشرَ مِدحَتِي)؟! وكأنَّ الإمامَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، يُجِيبَهُ:
نُحنُ أُناسٌ نَوالُنا خَضِلٌ يَرتَعُ فيهِ الرَجاءُ وَالأَمَلُ
كُلُّ فَتىً لَيسَ في مَوَدَّتِهِ مَذقٌ وَلا في خِلالِهِ خَلَلُ لَو أَبصَرَ البَحرُ فَيضُ أَنمُلِهِ فاضَ عَلى وَجهِ فَيضِهِ الخَجَلُ
هذا هوَ المنهجُ الطَافحُ بالقيِّمِ الإنسانيَّةِ النبيلةِ، الّتي طَالَمَا يأِنُ العَالمُ باستمرارِ مِنْ هذا الظمأُ والحاجةُ اليها. كَمَا يَضجُّ وَبِشِّدَّةِ مِنْ وَقعِ التَمييزِ والإجحافِ والخيانَةِ، وكُلُّ أشكالِ الرَذيلَةِ الّتي يَشهدَها العالمُ اليومَ.
ورُبَّمَا لَا تكونُ صُدفةً، تُزامنُ يومَ المَولدِ العَظيمِ لِسِّبطِ رَسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ)، وهوَ بِهذهِ الخِصالِ الرَفيعةِ والشَريفةِ، مَعَ أيامِ شهرِ اللهِ تَعالَى، حيثُ تمتدُ فيهِ موائدُ المغفرةِ والرَّحمةِ الإلهيَّةِ، كَمَا تَمتدُ موائدُ وأيدي المُحسنينَ للفقراءِ والمُحتاجينَ.
كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ ارتَعَدَتْ مَفَاصِلُهُ وَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ... وإِذَا بَلَغَ بَابَ الْمَسْجِدِ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ يَقُولُ إِلَهِي ضَيْفُكَ بِبَابِكَ يَا مُحْسِنُ قَدْ أَتَاكَ الْمُسِيءُ فَتَجَاوَزْ عَنْ قَبِيحِ مَا عِنْدِي بِجَمِيلِ مَا عِنْدَكَ يَا كَرِيمُ .
إنَّ الأخبارَ الواردةُ في المَصادرِ الإسلاميَّةِ حولَ الإمامِ الحسنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عرّفتُهُ بالحليمِ، وفي بعضِ مصادرِ أهلِ السُّنةِ ذَكرَ أنَّ مروانَ بنَ الحَكمِ الّذي يُعتبرُ مِنْ أعداءِهِ ومنعَ مِنْ دفنِهِ عندَ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ)شَاركَ في تَشييعِ جُثمانِهِ، ومَشى خلفَ جنازتِهِ، ومِمَنْ حَملَها، وَحينمَا إحتَجوا علَيْهِ بأنَّكَ كُنتَ تُؤذيِهِ أشدَّ الأذى في حَياتِهِ أجَابَهم: إنِّي كُنتُ أفعلُ ذلكَ بِمَنْ يُعادِلُ حِلمَهُ الجبالَ .
وَذِكرُنَا لهُ إحتفالاً بمولِدِهِ يُثلجُ قلبَ إمامنَا المَهدي عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ وَيُفرحَهُ ويوطدَ العِلاقةَ معَهُ ، وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين