بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
لماذا سميت الليلة المباركة بليلة القدر؟ لها ثلاثة معاني.
المعنى الأول: إنما سميت بليلة القدر لأنها ليلة التقدير، تقدير الأرزاق والآجال والسعادة، ليلة يُقدر فيها عمر الإنسان وحالاته فسميت بهذا الإسم.
المعنى الثاني: أن المراد بالقدر معناه الشأن، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ما أعطوا الله حق شأنه وما أعطوه حق تعظيمه، ليلة القدر هي ليلة المنزلة العظيمة، لماذا أصبحت ذات منزلة قبل نزول القرآن؟ فهي لم تكتسب المنزلة من القرآن، فهي لأنها ليلة القدر لذلك الله أنزل فيها القرآن ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ﴾ لماذا هي مباركة؟
ليلة القدر هي الليلة التي يشهد فيها كل نبي وكل وصي أعمال العباد منذ يوم آدم وحتى يوم الحجة المنتظر «عج».
المعنى الثالث: سميت بالقدر من القدر بمعنى الضيق، في الآية القرآنية ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ بمعنى ضيق عليه رزقه، فمالربط بين ليلة القدر والضيق؟ حتى يقال بأنها ليلة الضيق كما ورد في الرواية الشريفة ”إذا كانت ليلة القدر ضاقة الأرض بملائكة الرحمة“. هذه المساحة الواسعة تضيق بملائكة الرحمة الذين ينزلون في هذه الليلة ليطرحوا البركة والخير والعفو والمغفرة والرحمة على سائر العباد فلذلك سميت بليلة القدر.
ما معنى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾؟ بمعنى العمل في ليلة القدر يعدل عمل ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، الصدقة ليلة القدر تعدل الصدقة ألف شهر، ركعتان في ليلة القدر تعدل آلاف الركعات في ألف شهر، الدعاء في ليلة القدر يعدل آلاف الأدعية في ألف شهر ليس فيها ليلة قدر، كل عمل وعبادة في ليلة القدر فهي في ثوابها وثقلها وقربها من الله تعدل عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة قدر.
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أمر﴾ الآية المباركة قالت: تنزل، ولم تقل نزلت الملائكة، لم تعبر بالفعل الماضي إنما بالفعل المضارع، وهذا معناه أن الملائكة يستمر نزولها لا ينتهي بزمن النبي

على من تنزل الملائكة؟ الملائكة بإمكانها أنها توزع العفو والمغفرة والرحمة بلا حاجة على أن تنزل على الأرض، ماهو سر نزول الملائكة وإستمرار نزولها في ليلة القدر إلى يوم القيامة؟
القرآن يهتم بذكر الأرض، خلق السماوات والأرض، يسبح لله مافي السماوات ومافي الأرض فعند أخذ نسبة الأرض إلى الوجود لا شئ، ماهي الخصوصية في الأرض حتى يهتم ويعنى بها القرآن في كثير من آياته؟ الأرض وإن كانت كوكبا صغيراً بالنسبة إلى الوجود بأسره إلا أنها موطن حجة الله وخليفته هذه أهميتها، موطن الإنسان الكامل ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ والحجة نبياً أو إماماً محور للملائكة، فهو محور للمجتمع البشري كما قال الإمام علي

أي نبي يرسله الله يحفه بالملائكة، قوله تعالى ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا*لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ إذن الحجة محور للملائكة كما هو محور للمجتمع البشري.
ومن أدوار الحجة ووظائف الحجة نبياً أو إماماً: الشهادة على المجتمع، يشهد على الناس والخلائق، القرآن عندما يتحدث عن عيسى بن مريم ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ فهو كان شهيدا على مجتمعه، وكذلك موسى ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ لكل أمة حجة يشهد عليها وعلى أعمالها وعلى أفعالها ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾كل أمة عليها شهيد.
الملائكة ينزلون إلى الأرض لهذا الحجة ويطلعونه على صحائف أعمال الخلائق والعباد فيطلع عليها، ولذلك ورد في الرواية عن الإمام الصادق

إذن هذا معنى ﴿تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ﴾ التي تعرض على الحجة الذي من دوره الشهادة على المجتمع البشري وعلى أعماله.
﴿وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ ماهو الروح؟ قد يتبادر إلى أن الروح جبرئيل



﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ الحياة أمر والروح أمر وكذلك الرزق والسعادة والشقاء، ملائكة كل شئ ينزلون على الأرض لتدبير كل أمر، كل الأمور تدبر في ليلة القدر.
﴿سَلاَمٌ هِيَ﴾ ليس المقصود بها أنه لا يوجد جرائم ولا حوادث، المقصود هي ليلة مغفرة، يُغفر للمؤمن ما أذنب وما عصى في هذه الليلة إذا توجه إلى ربه بالدعاء، لذلك ورد في الرواية الشريفة عن ابن عباس عن النبي محمد
