بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ سُورَةُ الدُّخَانِ آية 3-4.
اللهُ عَزَّ وجَلَّ يشيرُ الَى نُزولِ كتابهِ العَزيزِ علَى قلبِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) كاملاً دفعةً واحدةً قبلَ النُزولُ التَدريجِي بِحسبِ المُناسبةِ خلَالِ 23 عامٍ مِنْ بِعثتِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) الَى وفاتِهِ ، وَهذا النُزولُ كانَ في لَيلةٍ مُبَاركَةٍ مِنْ أعظَمِ وأشرَفِ لَيالَي السَّنَةِ الَتي تعيشُهَا البشريَّةِ علَى هذه البسيطةِ ، وهيَ ليلةُ تقديرٍ لِكل أمرٍ حكيمٍ مُتعلِقٌ بِحياةِ الإنسانِ كَمَا قَالَ اللهُ تباركَ وتعالَى في القرآن العظيمِ مِنْ سُورةِ العَصرِ:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} ، فإنَّ هُناكَ ثَلاثةُ تَقديراتٍ للإنسانِ؛ أيْ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالَى يُقدِّرُ للإنسانِ أُمورَهُ في ثلاثِ مراحلٍ؛ فَالتقديرُ الأوَّلُ كانَ في اللُّوحِ في بَدءِ الخَلقِ وهَذا تَقديرٌ كُلّيٌ؛ وَهناكَ تَقديرٌ آخرٌ في لَيْلَةِ القَدْرِ وهوَ أنَّ أمورَ السَّنةِ تُقدّرُ فِيهَا، فَفي خِلالِ كلِّ سَنةٍ يُقدّرُ مَا سَيَحْدُثُ للإنسانِ، هَذا مَا ذَكرَهُ الإمامُ جعفرٌ الصادقِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، إذْ قالَ : (لَيْلَةُ ثلاثٍ وعِشرينَ اللَّيلةُ الّتي فِيهَا يُفرقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ ، وَفيهَا يُكتبُ وفدُ الحَاجِ ومَا يكونُ مِنَ السَّنةِ الَى السَّنةِ) .
وَفي لَيْلَةِ القَدْرِ يَشعُرُ الإنسانُ بحالةٍ رَوحانيَّةٍ، إذْ الشَّياطينُ مَغلولةٌ فِيهَا، وفرصُ السُموّ والكمالُ مُتوفّرةٌ للإنسانِ، وعَلَى هَذا فليسَ مِنَ الصَحيحِ أنْ يَغفلَ الإنسانُ المؤمنُ عَنْ هذهِ اللَّيلةِ، أو أنْ يُسوّفَ فيهَا بأنْ يقولَ إنّي سأُحييهَا في العامَ القادمَ، فمَا أدرَاهُ أنَّهُ سَيعيشُ في السَّنةِ القادمةِ، ومَا أدرَاهُ أنَّهُ سيكونُ مِنَ الأحياءِ أمْ الأمواتِ، وهلْ يَستطيعُ أحدٌ أنْ يضمِنَ أنَّهُ سَيعيشُ حَتَى السَّنةُ القَادمَة؟
وعَليهِ ؛ الواجبُ عَلَى الإنسانِ أنْ يَجتهِدَ في مِثلِ هذهِ اللَّيلةِ، فَلعلَّ إسْمُهُ أنْ يكونَ في ديوانِ الأشقياءِ ـ لَا سَمحَ اللهُ ـ والفرصةُ الوحيدةُ لأنْ يجعلَ إسْمَهُ في دِيوانِ السُعداءِ هَي لَيْلَةُ القَدْرِ ، وَهَذأ مَادَلتْ عَلَيْهِ الرَّواياتُ الشَريفةُ وَبَيَّنت أهَميَة هذهِ اللَّيالي ومِنهَا:-
رُويَ أنَّهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) لمّا غَزَا تبوكَ ورَجعَ سالماً، إسْتَبشرَ النَّاسُ ، وَقالوا: مَا فَعَلَ مثلَ هذا أحدٌ، فقالَ النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ): (كانَ في بَنِي إسرائيلَ رَجلٌ، يُقالُ لَهُ إبنُ نانينَ، وكانَ لَهُ ألفُ إبنٍ، فَغزاهُم عَدوٌّ، فَحَارَبوهُ ألفَ شَهرٍ، كُلُّ إبنٍ شهراً، حَتَى قُتلوا جميعاً، وأبوهُم يُصَلي ولَا يَلتَفتُ يميناً ولَا شِمالاً، ثُمَّ قَاتلَ بِنفسِهِ حَتَى قُتلَ) فَتَمنى المُسلمونَ مَنزلَتِهِ، فأنزلُ اللهُ: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ سورة القدر، الآية: 3، يعني لِذلكَ الرَجُل، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 458 ،وبِهذا حَصلتِ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ عَلَى مَوهبةٍ عَظيمةٍ تَميّزتْ بِها عَنْ سائرِ الأُمَمِ.
ويبقَى السُؤالُ الّذي يحملُهُ أكثَرُنَا أيُّ لَيلَةٍ هيَ لِيكونَ إحيائي لهَا بِعينهَا؟ الجوابُ هوَ أنَّ اللهَ تَعالَى جَعَلَهَا بينَ لَيالي التاسعَ عَشرةٍ والإحدَى والعشرينَ والثَّالثِ والعشرينَ لِكَي لَا يُعَطِّلَ العَبدُ نَفْسَهُ عَنْ لَيلتَينِ مِنْهُنَّ، بَلْ يَنكبُ عَلَّيهُنَّ جَميعاً تَحصيلاً للَّيلةِ المَنشودَةِ وهذا ما بيَّنَتْهُ الرَّواياتُ الشَريفةُ ومِنهَا: -
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى؟
فَقَالَ: فِي إِحْدَى وَ ِعشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوَ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟
فَقَالَ: مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ فِيمَا تَطْلُبُ؟
قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ عِنْدَنَا وَجَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؟
فَقَالَ: مَا أَيْسَرَ أَرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا؟
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ- لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِ؟
فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ رَوَى فِي تِسْعِ عَشْرَةٍ يُكْتَبُ وَفْدُ الْحَاجِ؟
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الْحَاجِّ يُكْتَبُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالْمَنَايَا وَالْبَلَايَا وَالْأَرْزَاقُ وَمَا يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا فِي قَابِلٍ، فَاطْلُبْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثٍ وَ ِعشْرِينَ، وصَلِّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةَ رَكْعَةٍ وَأَحْيِهِمَا إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَى النُّورِ وَاغْتَسِلْ فِيهِمَا.
قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَا قَائِمٌ؟
قَالَ: فَصَلِّ وَأَنْتَ جَالِسٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟
قَالَ: فَعَلَى فِرَاشِكَ، لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَحِلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِشَيْءٍ مِنَ النَّوْمِ، إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ، وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ، وَتُقْبَلُ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، كَانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) الْمَرْزُوقَ)
الكافي، الشيخ الكليني: 4 /156.
رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنه قال: (التَّقْدِيرُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَالْإِبْرَامُ فِي لَيْلَةِ إِحْدى وَعِشْرِينَ، وَالْإمْضَاءُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ) الكَافيُ، الشيخُ الكُلينِي 7 / 619.
جَعَلنَا اللهُ وإيَاكُمُ مِنْ أهلِ العبادةِ والطَّاعةِ في كُلَّ لَيالِي وأيَامِ وُجودِنَا في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.