إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

{فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    قال تبارك وتعالى: ﴿فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾، ما هو الذكر؟ الذكر حضور الله في القلب، هذا هو الذكر، ليس المقصود بالذكر الذكر اللساني، بل المقصود بالذكر الذكر القلبي، الذكر الروحي، الذكر اللساني مجرد أثر وعلامة على الذكر القلبي، الهدف أن تذكر الله في قلبك، أن تعيش الله في قلبك، الهدف الحضور الإلهي في القلب، هذا هو الهدف، لكن ما هي آثار هذا الهدف؟ القرآن يذكر أثرين:

    الأثر الأول: الاطمئنان.

    قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، ما معنى الاطمئنان؟ الاطمئنان يعالج أمرين:

    الأمر الأول: أنَّ الاطمئنان يعالج حالة القلق بذكر الله، بالأنس بالله عز وجل، ذكر الله من أجمل آثاره أنه يقتلع القلق من قلبك، يقتلع القلق من روحك، يعيشك إنسانًا مطمئنًا.

    ربما يقول إنسان: نحن نرى آيات أخرى تذكر أنّ الذكر يوجب الوجل، لا يوجب الاطمئنان، هذه الآية تقول: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، لكن عندنا آية أخرى تقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، كيف نوفق بين الآيتين؟ آية تقول: ذكر الله يعطيك اطمئنانًا، آية تقول: ذكر الله يعطيك وجلًا، كيف نوفق بين الآيتين؟

    الإنسان إذا ذكر الله يمرّ بمرحلتين وهو يذكر الله: المرحلة الأولى: إذا ذكر الله تذكّر ذنبه، تذكّر تقصيره، تذكّر معصيته، فأصابه الوجل، ثم ينتقل من ذلك إلى ذكر الرحمة الإلهية، صحيح أنا مذنب، صحيح أنا مسيء، صحيح أنا مقصر، لكن هو رحيم، هو عطوف، هو غافر، كما قال الشاعر:

    أنا مذنب، أنا مخطئ، أنا عاصي قابلتهن ثلاثة
    بثلاثةٍ هو راحم، هو غافر، هو عافي
    وستغلبن أوصافه أوصافي

    إذن، إذا ذكر الذنب وجل، وإذا ذكر الرحمة اطمأن، فلذلك يقول القرآن الكريم يصف الحالتين: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ﴾، أولًا تقشعر لذكر الذنب، ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، إذن الاطمئنان يعالج القلق.

    والاطمئنان يشرح الصدر نحو العبادة، ما معنى تطمئن قلوبهم؟ يعني تنشرح صدورهم للعبادة، لاحظوا قوله عز وجل: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾، ذكر الله يعطيك انشراحًا، بحيث تقبل على العبادة، تقبل على الصلاة، تقبل على الدعاء، تقبل على النافلة، هذا أثر ذكر الله، وأما أثر الإعراض عن ذكر الله فأن تعيش قسوة وجفافًا بحيث لا تميل إلى العبادة ولا تميل إلى الطاعة ولا تميل إلى المناجاة والابتهال.

    الأثر الثاني: الشعور بالقناعة.

    لاحظ قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾، أنا أتعهّد له أنه لن يضل ولن يشقى، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، ربما تتصور أنت المعيشة الضنك يوم القيامة، لا، في الدنيا المعيشة الضنك لا يوم القيامة، يوم القيامة مسألة أخرى، تحشَر أعمى، المعيشة الضنك قبل يوم القيامة، المعيشة الضنك في الدنيا، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، ما هي المعيشة الضنك؟ ربما يقول قائل: نحن نرى الكفّار ليس عندهم معيشة ضنك، بل يعيشون متنعمين بلذائذ الدنيا وزخارف المادة، فكيف يقال لهم معيشة ضنك؟! الكفار يعيشون متنعمين فأين هي المعيشة الضنك التي يتحدّث عنها القرآن؟

    الجواب: الإنسان الذي لا يعيش ذكر الله في حياته يلهث وراء الدنيا، حياته كلها حياة لهث لهث لهث لهث لهث، يلهث وراء بطنه، يلهث وراء جيبه، يلهث وراء فرجه، يلهث وراء الشهوات، ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، من لا يعيش ذكر الله يعيش لهثًا، كلما أشبع شهوة تطلع إلى شهوة أخرى، أشبع شهوة بطنه تطلع إلى شهوة جيبه، أشبع شهوة جيبه تطلع إلى شهوة فرجه، أشبع شهوة فرجه رجع إلى شهوة بطنه، يعيش عالمًا من الشهوات، يعيش حالة من اللهث والزحف نحو الثروة، نحو المنصب، نحو الشهرة، نحو الجاه، كل حياته حياة لهث وتعب وكدح، لا يشعر بالقناعة أبدًا، ولا يشعر بالراحة أبدًا، لأنه دائمًا يريد أن يشبع شهواته، ولن يستطيع إشباعها كلها، فهو يعيش دائمًا حالة من اللهث والركض وراء بطنه وجيبه وفرجه، لذلك لا يشعر بالقناعة، يشعر بحالة الاستفزاز واللهث، هذه هي المعيشة الضنك، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾.
    أما من يعيش ذكر الله، من يعيش حياته ذاكرًا لله، يدرك أن الحياة درب قصير، وأن الخط خط صغير، وأن حياته الحقيقية هي قبره، وأن حياته الحقيقية هي آخرته، لذلك هذا الإنسان لأنه يعيش ذكر الله يعيش مصداق الآية المباركة: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، ليست هذه حياتي، هذه حياة صغيرة فانية، حياتي قبري، حياتي آخرتي، ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾، الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول: ”يا دنيا، إليكِ عنّي! غرّي غيري؛ فخطركِ كبير، وعمركِ قصير، وعيشكِ حقير، آهٍ من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق“، نحن في سفر طويل، ملايين السنين نمشي في هذا السفر. إذن، ذكر الله أثره الاطمئنان، وأثره الراحة والشعور بالقناعة والشبع من هذه الدنيا الزائلة الفانية.

    الذكر الخفي.

    ما هو الذكر الخفي؟ خُلِقنا للذكر، وأروع صور الذكر الذكر الخفي، ما هو الذكر الخفي؟ نقرأ كلمات من مناجاة الإمام زين العابدين علي ، زين العابدين له 15 مناجاة من أروع الأدعية، ينبغي للمؤمن المواظبة عليها، من هذه المناجات مناجاة الذاكرين، نحن نتكلم عن الذكر، وهذا زين العابدين يتحدث لنا عن الذكر، يقول: ”إلهي، لولا الواجب من قبول أمرك لنزّهتك عن ذكري إياك“، ذكري لا يليق بمقامك وجلالك، كيف أذكرك بلسانٍ عصيتُك به؟! كيف أذكرك بقلب ملئ بعدًا عنك؟! كيف أذكر بجسدٍ ملئ معصية، ملئ رذيلة؟! ذكري لا يليق بمقامك وجلالك، ”لنزّهتك عن ذكري إياك، على أنَّ ذكري لك بقدري لا بقدرك، وما عسى أن يبلغ مقداري حتى أجعَل محلًا لتقديسك“، جرى ذكرك على لساني لأنك وفّقتني لذلك، فذكرك منك وليس مني، أنت الذي وفّقتني لذكرك.

    يقول: ”ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألستنا، وإذنك لنا بدعائك وتنزيهك وتسبيحك. إلهي، فألهمنا ذكرك في الخلأ والملأ والليل والنهار والإعلان والإسرار وفي السراء والضراء، وآنسنا بالذكر الخفي، واستعملنا بالعمل الزكي والسعي المرضي، وجازنا بالميزان الوفي“، ما هو الذكر الخفي؟ الذكر الخفي هو الذي يوقظك من النوم، جرّب إذا كنت في ظلام الليل ووعيت فجأة ورأيت نفسك تحب أن تصلي، رأيت نفسك تحب أن تقرأ القرآن، رأيت نفسك تحب أن تقرأ دعاء، فهذا هو الذكر الخفي، الذكر الخفي هو الذي يوقظك وأنت نائم، الذكر الخفي هو الذي إذا خلوت مع ربك في ظلام الليل وصرت تصلي تشعر بجمال الوقت، وتشعر بجمال الدعاء، وتشعر أنك تعيش جوًا جميلًا من الذكر والدعاء، هذا هو الذكر الخفي، هذا الذي يؤنسك في قبرك، ويؤنسك في حشرك ونشرك. الذكر الخفي هو الذي يعبّر عنه رسول الله ، يقول: ”ارتعوا في رياض الجنة، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، اغدوا وروحوا واذكروا فإنّ الله يقول: أنا جليس من ذكرني، فاذكروني أذكركم بنعمتي“.

    الذكر الخفي هو الذي يمنعك عن المعصية، إذا اشتهت نفسك المعصية الذكر الخفي يمنعك، إذا عزمت نفسك على الرذيلة الذكر الخفي يوبّخك، الذكر الخفي هو الذي يحضر عندما تقترف المعصية، هو الذي يحضر في قلبك عندما تعزم على الرذيلة، هذا هو الذكر الخفي الذي يتحدّث عنه الإمام زين العابدين «صلوات الله وسلامه عليه»: ”إلهي، بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جُمِعَت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك، أنت المسبَّح في كل مكان، والمعبود في كل زمان، والموجود في كل أوان، والمدعو بكل لسان، والمعظَّم في كلّ جنان“، الأئمة من أهل البيت عاشوا ذكر الله بكل جوانحهم، بكل أرواحهم، بكل قلوبهم، لأنهم عاشوا ذكر الله عاشوا الذكر الخفي.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X