ولادة السيدة المعصومة(ع)
ولدت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في الأول من ذي القعدة عام 173هـ.ق. في المدينة المنورة. والدها الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ووالدتها السيدة نجمة خاتون. ولدت بعد ولادة الإمام الرضا (عليه السلام) ولقبت بـ"الطاهرة".
وعلى هذا الأساس فالسيدة المعصومة (عليها السلام) أخت الإمام الرضا (عليه السلام) من الأبوين. نُقل الإمام الرضا (عليه السلام) عام 201هـ.ق بالاجبار إلى خراسان حاولت اللحاق به بعد سنة حيث تحملت مشقات البعد عن أخيها. وبما أن السيدة المعصومة (عليها السلام) حاملة علوم ومعارف أهل البيت (عليهم السلام) والمدافعة عن المظلومين الشيعة والعاملة على استمرار نهج أبيها في مواجهة الطواغيت، فقد هاجم جنود بني العباس القافلة التي تقلها في مدينة "ساوه" فاستشهد من كان برفقتها.
ويعتقد السيد جعفر مرتضى العاملي أن جنود بني العباس قد دسوا لها السم في ساوه[1]. على كل الأحوال مرضت السيدة فاطمة المعصومة على اثر السم وطلبت نقلها إلى مدينة قم لأنها كما سمعت عن أبيها فإن قم محل شيعتنا[2]. وعلى هذا الأساس دخلت السيدة المعصومة (عليها السلام) قم في 23 من ربيع الأول عام 201هـ.ق فاستقبلها الكثير من الناس المشتاقين لأهل البيت (عليهم السلام) وتوفيت بعد 17 يوماً قضتها في منزل موسى بن خزرج والذي عرف بـ"بيت النور" وكان ذلك في العاشر من ربيع الثاني عام 201هـ.ق ودفنت في "حديقة بابلان" التي هي الآن عبارة عن المزار. مدينة قم قبل دخول السيدة المعصومة (عليها السلام) إليها: كانت قم قبل الإسلام عبارة عن مجموعة من القلاع التي تعود للزردشتين واليهود.
وتوسعت المدينة بعد الإسلام عند قدوم الأشعريين إليها (هم من الشيعة ومن اليمن). فتح جيش الإسلام مدينة قم عام 23هـ.ق حيث بدأ تردد المسلمين العرب إليها. أما أوائل الأشخاص الذين جاءوا إلى قم: عبد الله بن سعد وعبد الله الأحوص وعبد الرحمن وإسحاق ولدا سعد بن مالك بن عامر الأشعري. وبهذا النحو نفهم بداية دخول الشيعة إلى قم.
ومنذ ذلك الزمان بدأت علاقة أهل قم بأهل البيت (عليهم السلام)، ولهذا السبب تعرض الشيعة لمضايقات الخلفاء والظالمين. لم تكن قم قبل دخول السيدة المعصومة، بلدة عامرة بالأخص وأنها كانت محل الممارسات الظالمة للحكام آنذاك. ولكن إذا نظرنا إليها من الناحية الدينية والاعتقادية فكانت أفضل مكان معنوي وأفضل أرضية لقبول فكر أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) وأصحابه الأوفياء[3]. ومن هذا المنطلق أظهر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) اهتماماً خاصة بالمدينة وأهلها وتحدثوا بعبارات جميلة تبين مقدار علاقتهم وارتباطهم بها. وقيل أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يشرفون قم وأهلها بالهدايا والتحف التي كانوا يرسلونها.
ومن جملة الذين تلقوا الهدايا من الأئمة المعصومين (عليهم السلام): أبي جرير زكريا بن إدريس وزكريا بن آدم وعيسى بن عبد الله وأشخاص آخرون[4]. من جهة أخرى فإن عدد الأحاديث الواردة عن المعصومين بحق قم لم ترد في أي مدينة أخرى وقد ذكر المرحوم الشيخ حسين مفلس في كتابه "تحفة الفاطميين" أربعين حديثاً حول قم[5]. وفي الكتب الشيعية المعتبرة أمثال: بحار الأنوار، سفينة البحار، مستدرك سفينة البحار
و... العديد من الأحاديث نشير إلى بعض منها:
1 ـ السلام على أهل قم يقول الإمام الصادق (عليه السلام) مخاطباً عيسى بن عبد الله القميك "سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث وينزل الله عليهم البركات ويبدل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة"[6].
2 ـ طريق إلى الجنة يعتبر صفوان بن يحيى من المقربين للإمام الرضا (عليه السلام). ينقل صفوان عن الإمام (عليه السلام) بعد كلام حول قم، يقول الإمام (عليه السلام): "رضى الله عنهم ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم؛ وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، ؟؟؟؟ الله تعالى ولايتنا في طينتهم"[7].
3 ـ مركز أنصار المهدي (عجل الله تعالى فرجه) يقول عفان البصري: قال الإمام الصادق (عليه السلام): "أتدري لم سُمِّى قم؟ قلت: الله ورسوله وانت أعلم. قال: إنما سُمِّى قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه"[8]. وتشير هذه الرواية إلى دور أهل قم وساكني هذه المدينة المقدسة في حكومة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). وعلى هذا الأساس فإن أهل قم وعلماء قم يقع على عاتقهم مسؤولية هامة وثقيلة وهي العمل لأجل التمهيد لحكومة الإمام (عجل الله تعالى فرجه).
4 ـ مدينة قم في القرآن ووعد النصر على إسرائيل كان الإمام السادس (عليه السلام) يجلس في يوم من الأيام مع أصحابه، يتلو القرآن فوصل إلى الآية الشريفة: ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُول﴾[9] عند ذلك سأل الصحابة الإمام (عليه السلام): "جعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال: (ثلاث مرات) هم والله أهل قم"[10].
5 ـ ملجأ أبناء فاطمة الزهراء (عليها السلام) يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم فإنه مأوى الفاطميين"[11]. تشير الروايات المتقدمة إلى أهمية قم عند الأئمة الأطهار. وقد عرفت المدينة بأسماء عديدة: قم، حرم أهل البيت، مدينة الأمن والأمان، مركز أنصار الأئمة، قطعة من بيت المقدس، مركز الشيعة، مجمع أنصار المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، الأرض المقدسة، محل سقوط الظالمين، مصدر العلم والفضيلة والتقوى، أكثر المدن سلاماً وغير ذلك.
6 ـ لولا أهل قم صحيح أن الروايات التي تحدثت حول فضائل المدينة وساكنيها كثيرة، إلا أنه يجب الاشارة إلى أن ذلك كله مشروط بالإيمان والاعتقاد بالقيم الإسلامية والعمل طبق نهج أهل البيت (عليهم السلام) وإلا فإذا كان البعض يظن أن بامكانية القيام بأي شيء لمجرد أنه قمي فما ظنه إلا باطل فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): "تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته؛ ما لم يخونوا اخوانهم (وما لم يحولوا أحوالهم)، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء".
عبد الكريم باك نيا
– بتصرّف يسير [1] حياة الإمام الرضا (عليه السلام)، ص428. [
2] وديعة آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ص12.
[3] تاريخ قم، ص16.
[4] تاريخ قم الديني، ص92.
[5] المصدر نفسه.
[6] بحار الأنوار، ج57، ص217؛ مستدرك سفينة البحار، ج8، ص598.
[7] بحار الأنوار، ج57، ص216.
[8] بحار الأنوار، ج57، ص216، ومعجم أحاديث المهدي (عليه السلام)، ج3، ص474.
[9] سورة الإسراء، الآية: 5.
[10] بحار الأنوار، ج57، ص216.
[11] المصدر نفسه، ص215.