إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الضجر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الضجر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد


    عن النبي أنه قال: «يا علي! من استولى عليه الضّجر رحلت عنه الراحة».

    النفس عرضة للإصابة بالمرض، تمامًا كما يتعرض الجسم للأمراض. بل إن بعض أمراض النفس أشدّ خطرًا على الإنسان من كثير من أمراض الجسم. ومن تلك الأمراض التي تصيب النفس، مرض التضجر والتذمر. والضجر في معناه اللغوي هو القلق والشعور بالغمّ بسبب ضيق النفس، وعادة ما تعتري الإنسان حالة الضيق نتيجة مواجهته مشكلة من نوع ما. وقد درج العرب على وصف المكان الضيق، بالمكان الضجر. إنّ من الطبيعي أن يواجه الإنسان في حياته بعض المشاكل المزعجة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يستجيب لهذه الحالات بالتضجر والتبرم والتذمر، بحيث يبقى أسير هذه الحالة، فحين يسمح الإنسان باستيلاء هذه الحالة على نفسه، فقد تصبح عادة عنده، والأسوأ من ذلك أن تتحول إلى مرض مزمن لديه، فيصاب حينها بالضجر نتيجة أبسط المواقف التي لا تستحق أن يتضجر منها الإنسان، أو يبدي التذمر تجاهها.
    تنمية حال الضجر


    إنّ هناك من الناس من يرعى وينّمي حالة الضجر في نفسه!. فترى الواحد من هؤلاء بالغ التضجر والانزعاج والتشكي والتذمر، وهذه حالة تكاد تكون شائعة عند كثير من الناس تجاه تصرفات الأطفال مثلًا، فمن طبيعة الطفل البكاء والصراخ، واللعب والعبث بكل ما حوله، غير أنّ بعض الآباء لا يتحملون من أطفالهم هذه الحالة، فتجدهم شديدي التضجر منها، وهذا ما يقودهم إلى التوتر، ويدفعهم إلى إبداء القسوة تجاه أطفالهم أحيانًا. والحال أن هذه حالة طبيعية عند الأطفال، ولا ينبغي أن تضيق نفوسنا بها، حتى إنّ هناك نصوصًا دينية تشير إلى أن بكاء الأطفال هو نوع من الدعاء والاستغفار للوالدين، وبذلك يثيب الله سبحانه وتعالى الوالدين بالمغفرة والثواب الجزيل نظير تحمّلهما وصبرهما على أطفالهما.

    وقد تنسحب حالة التوتر والضجر هذه حتى إزاء أبسط المواقف اليومية، عند إشارة المرور مثلًا، ومع تأخر انطلاق السيارة التي أمامنا عند اشتعال الإشارة الخضراء!.

    وهكذا ينسحب الأمر على مواقف عديدة من قبيل طول الانتظار للعائلة مثلًا، أو لوجبة طعام من مطعم، فترى الواحد من هؤلاء يغلي في داخله من شدة الضجر. وهذا بالضبط هو ما نصفه بتنمية حالة الضجر في النفوس.
    سلبيات وأضرار


    حقيقة الأمر، أنّ هناك أخطارًا ومضاعفات مرضية لنمو حالة الضجر والتذمّر عند الإنسان.

    ومن أبرز تلك المضاعفات إيذاء النفس، لذلك جاء في وصية النبي الأكرم لعليّ: «يا عليّ، من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة»، فاستيلاء الضجر هو أمر مساوٍ تماما لذهاب الراحة بحسب الوصية النبوية.

    إنّ قضايا الحياة ليست دائمًا طوع يدي الإنسان، وبذلك لا يستحق الأمر أن يؤذي الإنسان نفسه ويحرق أعصابه، ويعيش التشنج والتوتر. ومما يشار إليه في هذا السياق ظهور دراسة علمية عام 2010 أثبت من خلالها الباحثون أن أولئك الذين يشعرون بالضجر والضيق باستمرار، هم أكثر عرضة للوفاة بنسبة الضعف، قياسًا على الآخرين الذين يتحلّون بالهدوء وبرودة الأعصاب في التعامل مع مختلف المواقف، وأكدت الدراسة التي أجريت على سبعة آلاف حالة واستغرقت 25 عامًا، أن معظم الذين يعانون من الملل والضجر والضيق كانت أعمارهم أقصر وحالتهم الصحية أسوأ، سيما لناحية الإصابة بأمراض القلب .

    ومن مضاعفات حالة الضجر، حرمان الإنسان من لذة الاستمتاع بالحياة. فالإنسان المتضجر دائمًا لا يستمتع بحياته، فهو باستمرار يشعر بالأذى والضيق والألم، ومثل هذه الحالة تجعل من مجرد الخروج القصير للاستمتاع مع العائلة عند البعض سببًا إضافيًّا للانزعاج والضيق، نتيجة استيلاء حالة الضجر عليه لأسباب مختلفة، ربما بسبب الانتظار القصير عند إشارة المرور، أو محطة الوقود، أو المطعم!، وينسحب الأمر على بعض المسافرين المتضجرين أيضًا، علمًا بأن غاية سفرهم من حيث الأصل كانت بغرض الاستمتاع!، فإذا بهم يحرقون أعصابهم وأعصاب من حولهم، من هنا يفقد أمثال هؤلاء المتذمّرون حالة الاستمتاع بمباهج الحياة.

    ويحضرني في هذا الصدد ما رأيته من أحد الاخوان، وقد كان غارقًا في المشاغل المتعلقة بتعمير منزله الجديد، بشكل جعله يعدّد مختلف المصاعب التي تواجهه مع البناء، بدءًا من مشاكله مع مقاول البناء، وليس انتهاءً بأسعار مواد البناء، والحال أن هذا الأخ كان يفترض به التحمل، بل الاستمتاع بما رزقه الله ومكنه من امتلاك أرض، والشروع في بناء منزل، سيمّا وأن تلك المشاكل التي يسردها هي في أغلبها أمور طبيعية جدًّا، ولا تستحقّ أن يُتلف الإنسان أعصابه بسببها!.

    والغريب أن كثيرًا من الناس يفسدون على أنفسهم فرص الاستمتاع بمختلف شؤون حياتهم ومناسباتهم، نتيجة انفلات اعصابهم واستيلاء حالة التذمر والضجر عليهم. ومما يروى عن الإمام الرضا أنه قال: «قال أبي لبعض ولده، إيّاك والكسل والضّجر، فإنهما يمنعانك من حظّك في الدنيا والآخرة».

    أما ثالث مضاعفات التضجر، فهي تثبيط الإنسان عن الحركة والإنجاز. فالمبتلى بحالة التذمّر والضجر يشعر بالرهبة باستمرار من خوض التجارب والأعمال، وبذلك تصبح حالة التضجر عنده سببًا لتقليل فاعليته. وقد ورد عن رسول الله أنه قال: «إيّاك وخصلتين: الضّجر والكسل، فإنك إنْ ضجرت لم تصبر على حقّ، وإن كسلت لم تؤدِّ حقًّا» .

    وأخيرًا، فإنّ حالة التضجر غالبًا ما تدفع الإنسان لاتخاذ مواقف وردود أفعال سيئة تجاه الآخرين. وبذلك تكون تداعيات هذا الأمر أكثر سوءًا وسلبية.
    مشروع المعالجة والخلاص


    ولعلّ أول سبل العلاج لحالة التضجر والتذمّر عند الإنسان هو التحلي بالنظرة الواقعية للأمور. فمن الضروري أن يجري المرء التقدير الصحيح لمختلف المواقف، كلٌّ بقدره، فلكلّ مسألة أو قضية امتداداتها الطبيعية ومشاكلها المتوقعة، ويؤدي إدراك هذه البدهية للدخول في مختلف الأعمال مع الإدراك المسبق لطبيعة المشاكل المحيطة بالأمر، سواءً ارتبط ذلك بالدخول في مشروع كبير، أو مواجهة التزام صغير، أو حتى مجرّد مراجعة لإدارة حكومية.

    إنّ التقدير المسبق، والفهم الواقعي للأمور، يجعل المرء، بطبيعة الحال، أكثر تقبّلًا ومرونة في التعاطي مع المشاكل المحيطة.

    وعلى النقيض من ذلك إذا رسم الإنسان أبراجًا من الأوهام النرجسية، إزاء مختلف الأمور المزمع خوضها، فهو بذلك يقدم على الارتطام بعقبات وحواجز لم تكن في حسبانه، عندها سيكون هو الملام نتيجة سوء التقدير عنده!. إنّ النظر للأمور بواقعية يساعد الإنسان على تجاوز حالة الضجر.

    والأمر الثاني من سُبُل العلاج لحالة التضجر والتذمر يتمثل في تنمية حالة التحمل عند مواجهة مختلف الظروف. فمن المطلوب باستمرار أن يدرّب الإنسان نفسه ويُعوّدها التحمل والصبر، في مختلف الظروف، وهناك في هذا الصدد جملة من النصوص الدينية التي تأمر الإنسان بالتصبّر والتحلّم، فقد ورد عن أمير المؤمنين قوله: «إنْ لم تكن حليمًا فتحلّم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم» ، وهذه إشارة إلى إمكانية أن يُغيّر الإنسان طبيعته من خلال المران والتدرّب، بخلاف ما يدّعيه الكثيرون الذين يُبرّرون انفلات أعصابهم، بأنّ هذه هي طبيعتهم!. فالمطلوب أن يتحمّل الإنسان، وأن يُدرّب نفسه، وينمّي في ذاته طبيعة التحمّل، حتى ينأى بنفسه عن حالة التضجر والتذمر الدائمة.

    والأمر الأخير، من سبل العلاج لحالة التضجر والتذمّر، هو إيجاد البرامج البديلة والمساعدة. ومن ذلك ما درج عليه الناس في مجتمعات كثيرة، من حمل الكتب معهم لتمضية أوقاتهم عند لحظات الانتظار، سواء كان ذلك في انتظار الدخول على الطبيب، أو في انتظار الدور في محلّ الحلاقة، أو في انتظار خروج العائلة، فكلّ هذه الظروف متوقعة، لذلك كان من المناسب أن يحسب الإنسان لها حسابًا، ويعدّ لنفسه بديلًا يصرف عنه الملل والضجر في لحظات الانتظار تلك، وقد وفرت الأجهزة الإلكترونية الحديثة كالآيباد والجوال وغيره إمكانات واسعة لتمضية الوقت فيما هو مفيد. وفي هذا السياق ثمة روايات كثيرة تأمر بالانشغال بذكر الله سبحانه وتعالى في لحظات الفراغ، وذلك إدراكًا للشارع المقدّس لخطورة الإصابة بحالة التضجر والتذمر على نفس الإنسان. من هنا، كان لزامًا أن يضع الإنسان لنفسه برامج بديلة مفيدة تساعده على امتصاص حالة التضجر التي ربما نكدت عليه حياته.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X