*_يومُ "دحو الأرض" يومٌ يُذكّرنا بزمانِ الدولةِ المهدويّة وبعصرِ الرجعةِ العظيمة_*

[يازهراء]

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد

❂ _نقرأ في الآية 48 مِن سورةِ إبراهيم: {يومَ تُبَدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماوات_..}
هذه الآيةُ في أُفقٍ مِن آفاقِها تتحدّثُ عن القيامةِ الكبرى.. ولكنّها في أُفُقٍ آخر تتحدّثُ عن زمانِ الدولةِ المهدويّةِ وعن عصرِ الرجعةِ العظيمة.
فكما أنّ الأرضَ في يومِ القيامةِ الكبرى تتبدّلُ ولكن ليس إلى أرضٍ أُخرى.. وإنّما تتبدّلُ إلى شيءٍ آخر،
كذلك فإنّ الأرضَ ستتبدّلُ إلى أرضٍ جديدة في زمانِ دولةِ أهلِ البيت.. وهو الزمانُ الذي يبدأُ بإقامةِ الدولةِ المهدويّةِ العُظمى ويمتدُّ ويستمرُّ إلى عصرِ الرجعةِ العظيمة (حينما يرجعُ نبيُّنا الأعظمُ والأئمةُ صلواتُ الله عليهم)

فالأرضُ ستتبدّلُ في زمانِ الدولةِ المهدويّة، وكذلك السماواتُ ستتبدّلُ بشكلٍ تدريجي بحيث يختلطُ عالمُ الشهادةِ مع عالمِ الغيب.. وسيستمِرُّ هذا التبدّلُ والتغيّرُ في السماواتِ والأرضِ ويترقّى في زمانِ الرجعةِ العظيمة إلى أن يبلُغَ ذُروتَهُ في زمانِ الدولةِ المحمّديّةِ العُظمى التي يكونُ الحاكمُ فيها نبيّنا الأعظم والوزراءُ فيها هم الأئمةُ صلواتُ الله عليهم (وهي آخرُ مرحلةٍ مِن مراحلِ عصرِ الرجعةِ العظيمة) حيثُ ستتحوّلُ الأرضُ فيها إلى الجنّةِ الكاملة.. تلك هي جنّةُ الدنيا التي تسبقُ القيامة الكبرى.

✸ قد يقول قائل:
وما علاقةُ يومِ "دحو الأرض" بزمانِ الدولةِ المهدويّة وعصرِ الرجعة؟
الجواب:
لابُدّ أن نعرفَ أوّلاً ما المرادُ مِن "دحو الأرض" في ثقافةِ العترة.. كي نعرفَ بعدها كيف يُذكّرنا يومُ دحوِ الأرضِ بزمانِ الدولةِ المهدويّة
• المراد مِن دحو الأرض: يعني أنّ اللهَ تعالى بسط الأرضَ ومدّها مِن تحتِ الكعبة، كما يقولُ إمامُنا الباقر:
(لمّا أراد اللهُ أن يخلُقَ الأرض، أمر الرياحَ الأربعَ فضربنَ متنَ الماءِ حتّى صار موجاً، ثمّ أزبد فصار زَبَداً واحداً، فجَمَعه في موضعِ البيت، ثمّ جعَلَه جبلاً مِن زَبَد، ثمّ دحا الأرضَ مِن تحتِه، وهو قولُ اللهِ عزّ وجلّ: {إنّ أوّلَ بيتٍ وُضِعَ للناسِ لَلّذي ببكّةَ مُباركاً) فأوّلُ بقعةٍ خُلقت مِن الأرض الكعبة، ثمّ مُدّت الأرض منها)
[من لا يحضره الفقيه: ج4]

فالأرضُ بُسطت ومُدّت مِن تحتِ الكعبة.. فالكعبةُ تُمثّلُ مركزَ الأرضِ كما يقولُ إمامُنا الرضا حين سُئل عن عِلّةِ وضعِ البيتِ وسط الأرضِ؟ قال:
(علّةُ وضعِ البيتِ وسطَ الأرضِ أنّه الموضعُ الذي مِن تحتِه دُحيت الأرض، وكلُّ ريحٍ تهبُّ في الدنيا فإنّها تخرجُ مِن تحتِ الرُكن الشامي، وهي أوّلُ بقعةٍ وُضعت في الأرض، لأنّها الوسط، ليكونَ الفرضُ لأهلِ الشرقِ والغربِ في ذلك سواء)
[علل الشرائع]

✸ أمّا كيف يُذكّرنا يومُ (دحو الأرض) بزمانِ الدولةِ المهدويّة؟ فيُجيبُنا عن ذلك إمامُنا السّجاد، إذ يقول في معنى قولِهِ تعالى: {يومَ تُبدّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ} قال: (يعني بأرضٍ لم تُكتسب عليها الذُنوب، بارزةً ليست عليها جبالٌ ولا نباتٌ كما دحاها أوّل مرّة)
[تفسير العيّاشي]

فالإمامُ هنا يتحدّثُ عن تبدّلٍ للأرضِ إلى أرضٍ أُخرى جديدةٍ طاهرة لم تُكتسَب عليها الذنوب، وهي شبيهةٌ بالأرضِ التي دحاها اللهُ مِن تحتِ الكعبةِ في بدايةِ الخِلقة.
والأرضُ -كما ذكرنا- ستتبدّلُ في زمانِ الدولةِ المهدويّة وعصرِ الرجعةِ العظيمة.. كما يُشيرُ إلى ذلك إمامُنا الصادقُ في حديثٍ له مع داوود الرقّي يُبيّنُ فيه معنى ورمزيّةِ السلامِ على رسولِ الله، يقول:
(إنّ اللهَ تبارك وتعالى لمّا خلَقَ نبيّهُ ووصيّهُ وابنتَهُ وابنيهِ -أي الحسن والحسين فهما ابنا رسول الله حقّاً وحقيقة- وجميعَ الأئمة وخلَقَ شيعتَهم، أخذ عليهم المِيثاق وأن يصبروا ويُصابروا ويُرابطوا وأن يتّقوا الله، ووعَدَهم أن يُسلّم لهم الأرضَ المُباركة والحَرَم الآمنَ وأن يُنزّلَ لهم البيتَ المعمور، ويُظهِرَ لهم السقفَ المرفوع ويُريحَهم مِن عدوّهم،
والأرض التي يُبدِّلُها اللهُ مِن السلام ويُسلِّم ما فيها لهم "لاشيةَ فيها" قال: لا خصومةَ فيها لعدوّهم، وأن يكونَ لهم فيها ما يُحبّون، وأخذ رسولُ اللهِ على جميعِ الأئمةِ وشيعتِهم الميثاقَ بذلك،
وإنّما السلامُ عليه تذكرةُ نفسِ الميثاقِ وتجديدٌ له على الله، لعلّه أن يُعجّلَه عزّ وجلّ ويُعجّلَ السلامَ لكم بجميعِ ما فيه)
[الكافي الشريف: ج1]

هذه الروايةُ تحدّثت عن ميثاقين:
ميثاقٌ مِن اللهِ أُخِذَ على الأئمةِ الأربعة عشر وعلى شيعتِهم، وميثاقٌ مِن رسولِ اللهِ أُخِذَ على الأئمةِ وعلى شيعتِهم.
فحوى هذا الميثاق: هي أن يصبروا ويُصابروا ويُرابطوا وأن يتّقوا الله.. وعاقبةُ الوفاءِ بهذا العهدِ والميثاقِ هي أن يُسلِّم اللهُ لهم الأرضَ المباركةَ والحَرَم الآمن.
فهناك صبرٌ وهناك مُصابرةٌ وهي أعلى رُتبةً مِن الصبر، وهناك مرابطةٌ وانتظارٌ لإمامِ زمانِنا، وهناك تقوى.. وبعد ذلك يُسلّمُ اللهُ تعالى الأرضَ المُباركةَ ويكونُ ذلك في أيّامِ دولةِ الحقّ.
بداياتُ ذلك تكونُ في زمانِ الدولةِ المهدويّة.. وتتحقّقُ هذه المعاني بشكلها التام في عصرِ الرجعةِ العظيمة
هذه الأرضُ المُباركةُ التي وعد اللهُ تعالى أن يُسلِّمها لهم هي الأرضُ الجديدةُ التي تتبدّلُ الأرضُ السابقةُ إليها.. فالأرضُ ستتبدّلُ في زمانِ دولةِ أهلِ البيتِ كما مرّ.. وهذه الروايةُ تُشيرُ إلى هذه الحقيقة حين تقول: (والأرضُ التي يُبدِّلُها اللهُ مِن السلامِ ويُسلِّم ما فيها لهم "لاشيةَ فيها" قال: لا خصومةَ فيها لعدوّهم، وأن يكونَ لهم فيها ما يُحبّون)
✦ قوله: (ويُسلِّم ما فيها لهم.. لا خصومةَ فيها لعدوّهم) هو نفسُ المضمونُ الذي ذَكَرهُ إمامُنا السجّاد: بأنّ الأرضَ ستُبدَّلُ بأرضٍ لم تُكتسَب عليها الذنوب.
هذه هي جنّةُ الدنيا التي تتحقَّقُ على أرضِ الواقعِ بشكلها النهائي التام في زمانِ الرجعةِ العظيمة التي مُقدّمتُها الدولةُ المهدويّة.

✸ملاحظة:
قطعاً المِيثاقُ الذي يُؤخذُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ليس كالميثاقِ الذي يُؤخذُ علينا نحن.. المِيثاقُ المأخوذُ على محمّدٍ وآله ذلك أمرٌ بينهم وبين الله تعالى، نحن لا نعرفه.
ولكن بالمُجمل.. الروايةُ تحدّثت عن ميثاقين أُخِذا على الأئمةِ وعلى شيعتِهم.. تكونُ عاقبةُ الوفاءِ بهذا الميثاقَ أن يُبدِّلَ اللهُ هذه الأرضَ إلى الأرضِ المُباركة، إلى أرضِ السلام،
مِن هنا كان معنى السلامِ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ هو تذكيرٌ بذلك الميثاقِ الذي تكونُ ثمرتُهُ بأنّ اللهَ تعالى سيمنَحُهم ويمنحُ شيعتَهُم السلامَ والرحمةَ والبركةَ والأرضَ المُباركة،
ومن هنا كان ليومِ "دحو الأرض" المبارك وليلتِهِ فضلٌ عظيمٌ في ثقافةِ العترة.. لأنّه يُذكّرنا بالعهدِ الجديدِ للأرض، الذي تتبدّلُ فيه الأرضُ إلى أرضٍ جديدةٍ طاهرةٍ مُباركةٍ لم تُكتسَب عليها الذُنوب كما دحاها اللهُ أوّل مرّة.
ولِمَن أراد توضيحاً لمعنى حديثِ إمامِنا الصادق عن معنى السلامِ على رسولِ اللهِ وعلى الأئمة، والميثاق المأخوذ عليهم..