بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
العِزَّةُ : القُوَّةُ والغلبةُ ، الحمِيَّةُ والأَنَفَةُ ، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ....﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 206،
لَهُ العِزَّةُ :- : الغَلَبَةُ، القُوَّةُ. ﴿ وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَللمُومِنِين ﴾، سُورَةُ المُنَافِقونَ ،الآية 8 .
قوّة وغلبة، عظمة؛ حالةٌ مَانِعَةُ الإنسانِ منْ أنْ يُغلبُ :- ﴿ .....وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾، سُورَةُ الشُّعَرَاءِ ،الآية 44.
العَزِيزُ: منْ صفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وأَسمائِهِ الحُسنَى ؛ ومعناهُ الغَالبُ الّذي لَا يُقهرُ ولَا يُنالُ مِنْهُ :- ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾، ، وقالَ الزَّجاجُ: المُمتَنِعُ فلَا يَغلِبَهُ شيءٌ، وقالَ غيرُهُ: هو القَويُّ الغالبُ كُلَّ شيءٍ، وقيلَ: هو الّذي ليسَ كَمثلِهِ شيءٌ.
قالَ تَعالَى: ﴿ ......وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ ﴾، سُورَةُ ص، الآية 34، أي غَلبَني، وقيلَ: معناهُ صَارَ أعزَّ مِنْى في المُخاطَبَةِ والمُخاصَمَةِ .
﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 129، أي يَصعُبُ مَنَالَهُ ووجودُ مثلِهِ . مُعجمُ المعَاني الجَّامعِ .
*إنَّ العِزَّةَ حالةٌ ذاتُ بُعدينِ، بُعدٌ قائمٌ في أعماقِ النَّفْسِ والقَلبِ والفَكرِ، وبعدٌ آخرُ قائمٌ في الخَارجِ، ولَهُ واقعَهُ الخَاصُّ بِهِ.
فالعِزَّةُ البَاطنيَّةُ ( النَّفْسيَّةُ ) هي إحساسُ الإنسانِ برفعةِ شخصيَّتَهُ، وأنْ يكونَ في نفسِهِ مُحترماً لِنَفسِهِ ، أمَّا حِينَمَا يَحُسُّ بالهوانِ والضَّعَةِ والصَّغَارِ ولَا يَكُنُّ لنفسِهِ الإحترامَ، فمثلِ هذا لنْ تَنفعَهُ العِزَّةُ الظَّاهريَّةُ، ويكونُ كمَا لَو كانَ قَذراً بَدنَهُ نَظيفةً ثيابَهُ، ومَا نفعُ نظافةَ الثِّيابِ معَ قَذارَةِ البَدنِ؟
أمَّا كيفَ يعيشُ المَرءُ العِزَّةَ النَّفسيَّةَ الحقيقيَّةَ؟
إنَّهُ يعيشَهَا حِينمَا يعرفُ نفسَهُ، ولنْ يَعرِفَ الإنسانُ نَفسَهُ حتَّى يعرفَ ربَّهُ؛ أي حِينَمَا يَعرفُ أنَّهُ مخلوقٌ خَلقَهُ اللهُ تباركَ وتَعالَى لِيكرِمَهُ ويَعزَّهُ، وأنَّهُ لَا شيءَ في هذهِ الحياةِ بمقدورِهِ إهانَتِهِ مَا دامَ مُتصلاً بربِّ العِزَّةِ والملكوتِ؛ ملكوتِ السَّماواتِ والأرضِ..
أما البُعدُ الآخرُ للعِزَّةِ ؛ أي العِزَّةُ الظَّاهريَّةُ، فهَي كونُ الإنسانِ غيرَ مُحتاجٍ إلَى الآخرينَ، لَاسِيَّمَا الأشرارَ والدنيئينَ مِنْهم ، فقدْ جاءَ في المَأثورِ عنْ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام، أنَّهُ قالَ : (اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تكُنْ نَظيرَهُ)، الخِصالُ ، ج 2 ، ص 45. كمَا أنَّهُ عليه السلام سَمِعَ أحدُ المؤمنينَ يَدعو رَبَّهُ بألَّا يَجعَلَهُ مُحتاجاً لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فنصَحَهُ أميرُ المؤمنينَ أنْ يستثنيَ منْهُم الأخيارَ المؤمنينَ..
نَعمْ؛ إنَّ العِزَّةَ الظَّاهريَّةَ هَي ألَّا يتكبرَ الإنسانُ علَى أحدٍ، وألَّا يقبلَ أنَّهُ يتكبرُ عليهِ أحدٌ ، فلَا تَسمَحُ لنفسِكَ بقبولِ الهوانِ مِنْ أحدٍ، لَاسِيَّمَا منَ المُجرمينَ ـ وهمْ كثيرٌ ـ الّذينَ يُحاولونَ وَضعَكَ في قَفصِ الإتِّهامِ، أو مُلاحَقتِكَ بالسَبِّ وتوجيهِ تافِهَ القَولِ.. لَا تسمحُ لأحَدٍ أنْ يَذِلَّكَ أبداً ، ولعَلَّكَ قدْ سَمعتَ ما عَنْ أَبِي بَصِيرٍعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قال: ( إِنَّ اَللَّهَ فَوَّضَ إِلَى اَلْمُؤْمِنِ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ إِذْلاَلَ نَفْسِهِ )، الکافي ج5 ص6۳ .
اذنْ؛ فالعِزَّةُ النَّفْسيَّةُ ( البَاطنيَّةُ )هيَ معرفَةُ قيمةُ النَّفْسِ، أما ظَاهرُ العِزَّةِ هيَ أنْ تحترمُ نفسكَ وأنْ لَا تقبلَ الهوانَ لَهَا..
ومِنْ هُنَا؛ قالَ رَبُّنَا سُبحانَهُ: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ... ﴾، ثم يعطف بالقول الكريم: ﴿ ... إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ... ﴾، سُورَةُ فَاطِرِ ، الآية: 10 ، فالكَلمةُ الطَّيبةُ والعَملُ الصَّالحُ كأنَّهُمَا جَناحانِ يَسمو بِهمَا المؤمنُ ويحلقُ إلَى مَا شاءَ منَ الْعِزَّةِ الإلهيَّةِ المُطلَقَةِ
قالَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( الصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ مَعَ الْعِزِّ أَجْمَلُ مِنَ الْغِنَى مَعَ الذُّلِّ )، عيون الحكم و المواعظ: 62 ، قالَ الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ عليٍّ الجَّوادِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): (عِزُّ الْمُؤْمِنِ غِنَاهُ عَنِ النَّاسِ )، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 137.
يقولُ الراغبُ الأصفهانى في مفرداتِهِ ، قالَ تَعالَى : ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍۢ وَشِقَاقٍۢ ﴾، سُورَةُ ص، الآية 2، ووجهُ ذلكَ أنَّ العِزَّةَ الّتي للهِ ولرسولِهِ وللمؤمنينَ هيَ الدَّائمةُ الباقيَّةُ الّتي هيَ العِزَّةُ الحقيقيَّةُ، والعِزَّةُ الّتي هيَ للكافرينَ هيَ التَّعززُ وهو في الحقيقةِ ذُلٌّ كَمَا في الحديثِ عن نبيّنا الأعظم صلى اللّه عليه وآله: (كلّ عِزٍّ ليس بالله فهو ذُلٌّ )، وعلى هذا قوله:
﴿ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا ﴾، سُورَةُ مريمَ ، الآية81، أي ليتمنعوا به من العذاب، وقوله: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ... ﴾، سُورَةُ فَاطِرِ ، الآية: 10، معناه منْ كانَ يُريدُ أنْ يُعَزَّ يَحتاجُ أنْ يكتسبَ منْهُ تَعالىَ الْعِزَّةَ فإنَّهَا لَهُ . مفرداتُ غريب القرآنِ ، ص ٣٣٣.
ولكنَّ الإسلامَ أعزَّ المسلمَ ، لقد أنقذَ الإسلامُ كثيراً مِن المسلمينَ، الّذينَ كانوا ينتمونَ إلَى عوائلَ وضيعةٍ ، بمنعِهِ مِنْ ذَمِّ بعضِهِم البعضَ، وهكذا نجدُ أنَّ هؤلاءِ يتواصلونَ معَ النَّاسِ، ويُعاشرونَهُم دونَ شعورٍ بالخَجلِ والإنحطاطِ، وإذا كانَ أحدٌ مِنَ المُسلمينَ يوجِّهُ الذَّمَّ نحوهُم، فإنَّ الرسولَ الأعظمَ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كانَ يمنعَهُ مِنْ ذلكَ بصراحةٍ.
وكلُّنا نعلمُ ما كانَ يقومُ بهِ أبو جهلٍ في صدرِ الإسلامِ، مِن مُعارضة النَّبيِّ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في نشرِ دَعوتِهِ، وقدْ اشتهرَ بسبَّبِ مَا أضمرَ، وفظاعةَ الجرائمَ الّتي قامَ بهَا، بالخيانةِ والدَّنَسِ بينَ المسلمينَ.
وقدْ حضرَ إبنُهُ عِكرمةُ بعدَ موتِ أبيِهِ، بينَ يَديِّ النَّبيِّ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) واعتنقَ الإسلامَ، فَقَبِلَ لنَّبيُّ إسلامَهُ، واحتضنَهُ وأثنَى عليِهِ، لكنْ لمَّا كانَ عِكرمَةُ ينتمي إلَى أُسرةٍ أصرَّتْ علَى الكُفرِ، واشتهرتْ بسوءِ السُّمعةِ بينَ المُسلمينَ، فإنَّ ذلكَ كانَ داعياً إلَى احتقارِهِ مِنْ قِبَلِ المسلمينَ، وفي روايةٍ أنَّ المُسلمينَ كانوا يقولونَ: هذا ابنُ عدوِّ اللهِ أبي جهلٍ؛ فشَكَا ذلكَ إلَى النَّبيِّ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فمنعَهُم مِنْ ذلكَ، ثمَّ استعملَهُ علَى صدقاتِ هوازنَ .
فالعِزَّةُ في الُّلغةِ العربيَّةِ القُّدرةِ والسُّلطانِ غيرِ القَابلِ للتَّصدُعِ والتَّدهورِ ، وقدْ جعلَ القرآنُ الكريمُ الْعِزَّةَ منَ الأمورِ الّتي يختصُّ بِهَا اللهُ تَعالَى ، كَمَا في الآيةِ العَاشرةِ من سورة فاطر حيث يقولُ تعالى : ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾. فأولياءُ اللهِ وأحباؤهُ يقتبسونُ نوراً منْ نورِ اللهِ فيأخذونَ عِزّاً من عزَّتِهِ ، ولهذا فإنَّ رواياتٍ إسلاميَّةٍ عديدةٍ حذرتْ المؤمنينَ منَ التَّنازُلِ عنْ عزَّتِهِم ونهتْهُم عنْ تهيأةِ أسبابِ الذِلَّةِ في أنفسِهِم ، ودعتْهُم بإلحاحٍ إلَى الحفاظِ على هذهِ الْعِزَّةِ. فقد ورَدَ في حديثٍ عنِ الإمامِ الصَّادقِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في تفسير هذه الآية ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين . قال (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( الْمُؤْمِنُ يَكُونُ عَزِيزاً وَ لاَ يَكُونُ ذَلِيلاً ثُمَّ قَالَ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ أَعَزُّ مِنَ اَلْجَبَلِ إِنَّ اَلْجَبَلَ يُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالْمَعَاوِلِ وَ اَلْمُؤْمِنُ لاَ يُسْتَقَلُّ مِنْ دِينِهِ بِشَيْءٍ)، بحار الأنوار ج۹۷ ص۹۲ ،وفي حديثٍ آخرٍ عنِ الإمامِ الصَّادقِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) جاء فيه : ( إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَوَّضَ إِلَى اَلْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا وَ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ أَ لَمْ تَرَ قَوْلَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى هَاهُنَا: «وَ لِلّٰهِ اَلْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ» وَ اَلْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَزِيزاً وَ لاَ يَكُونَ ذَلِيلاً )، تفسير نور الثقلين ج5 ص336. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج ١٨، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص ٣٦٧
عنْ مُفضلِ بنَ عمرٍ قالَ: قالَ أبو عبدِ اللهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قلتُ: بِمَا يُذِلَّ نَفْسَهُ ؟ قالَ: يدخلُ فيمَا يعتذرُ منْهُ )، الكافي ، ج ٥ ، ص ٦٤.