بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
يُطلَقُ العيدُ علَى كُلِّ يومٍ يجمعُ النَّاسَ عامَّةً ، و أصْلُهُ مِنَ العَودِ لأنَّهُ يعودُ كُلَّ عامٍ و يتَكَرَّرُ ، و قيلَ معناهُ اليومَ الّذي يعودُ فيه الفَرحُ و السُّرُورُ .
ولقدْ كانت الأعيادُ مُتداوَلَةً بينَ الأُممِ السَّابِقَةِ فقدْ قالَ اللهُ عزَّ وّ جَلَّ و هو يَذكرُ تحاورَ السَّحَرةُ معَ فرعونَ : ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ ،سُورَةُ طه ، الآيتان: 58 - 59 ، والمقصودُ مِنْ يومِ الزِّينَةِ هو يومُ العِيدِ ، فيومُ العِيدِ هو يومُ الإجتماعِ العامِّ الشَّاملِ
الإسلامُ ينظرُ الَى الأعيادِ بنظرةٍ مُتميِزَةٍ، فيرَى أنَّ العيدَ فرصةٌ للإجتماعِ الإيماني الكَبيرِ بهدفِ ذكرِ اللهِ و إحياءِ السُّنَنِ و ذكرِ اللهِ و التَّوجهِ إليهِ بالدُّعاءِ و الإبتهالِ إليهِ فعَنِ الامامِ عليِّ بنِ مُوسى الرِّضَا(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ وَ يَوْمَ فِطْرٍ وَ يَوْمَ زَكَاةٍ وَ يَوْمَ رَغْبَةٍ وَ يَوْمَ تَضَرُّعٍ وَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ يَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَ الشُّرْبُ ، لِأَنَّ أَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ شَهْرُ رَمَضَانَ فَأَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَجْمَعٌ يَحْمَدُونَهُ فِيهِ وَ يُقَدِّسُونَهُ ...)، مَنْ لَا يَحضُرُهُ الفَقيهُ ،ج 1 ، ص 522.
و لقد صرَّح الامامُ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنَ أبي طَالبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بأنَّ يومَ العِيدِ هو يومُ الذِّكرِ و الدُّعاءِ في خطبتِهِ الّتي أوردَهَا في يومِ الجُّمعةِ بإعتبارِهِ يومِ عيدٍ قائلاً: (... أَلَا إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ عِيداً، وَ هُوَ سَيِّدُ أَيَّامِكُمْ وَ أَفْضَلُ أَعْيَادِكُمْ، وَ قَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ فِيهِ إِلَى ذِكْرِهِ فَلْتَعْظُمْ رَغْبَتُكُمْ فِيهِ وَ لْتَخْلُصْ نِيَّتُكُمْ فِيهِ، وَ أَكْثِرُوا فِيهِ التَّضَرُّعَ وَ الدُّعَاءَ وَ مَسْأَلَةَ الرَّحْمَةِ وَ الْغُفْرَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَسْتَجِيبُ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُ وَ يُورِدُ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وَ كُلَّ مُسْتَكْبِرٍ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ ... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ سُورَةُ غَافِر ، الآية: 60، وَ فِيهِ سَاعَةٌ مُبَارَكَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ فِيهَا شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ ...)، مَنْ لَا يَحضُرُهُ الفَقيهُ، ج 1، ص431.
وفي حَادثةٍ مَثَلتْ أعظمُ إمتحانٍ إلهيٍ يتعرضُ إليهِ الإنسانُ، الامتحانُ الّذي وصَّفَهُ القرآنُ الكريمُ بالبلاءَ المُبينِ في قولِهِ تَعالَى ﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾،سُورَةُ الصَّافاتِ ، الآية: 106.
وأرادُ اللهُ سُبحانَهُ بهذهِ الأُضحيَّةِ أنْ يُذَكِّرَ النَّاسَ بالإمتحانِ العظيمِ الّذي مرَّ علَى أبي الأنبياءِ إبراهيمَ الخليلِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، حينَ أمرَهُ سُبحانَهُ أنْ يذبحَ إبنَهُ إسماعيلَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، الإمتحانُ الّذي شَرَحَهُ القرآنُ الكريمُ في سُورَةِ الصَّافاتِ في قولِهِ تَعالَى ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴾، سُورَةُ الصَّافاتِ ، الآية: 101.
هلْ يُمكنُ أنْ يتخيلَ الإنسانُ إمتحاناً كهذا الإمتحانُ ويفوزَ فيهِ كمَا فازَ النَّبيُّ إبراهيمُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، و هلْ يُمكنُ أنْ يتخيلَ الإنسانُ إبناً كإسماعيلَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يخاطبُ أباهُ وهو يُحَدِثُهُ عنْ أمرِ اللهِ بِذبحِهِ فيقولُ تَعالَى عنْ ذلكَ في الكِتاب العزيزِ: ﴿... يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾، سُورَةُ الصَّافاتِ ، الآية: 102.
وقدْ واجهَ إبراهيمُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) هذا الأمرَ الإلهيَ بالذَّبحِ ـ نعمْ . . الذَّبحُ لَا مُجردَ الضَّربُ أو الطَّردُ ـ بصبرٍ وأناةٍ ، وتَصدَى لإمتثالِ أمرِ اللهِ سُبحانَهُ بِكُلِّ رِضاً وثباتٍ ، وعزيمةٍ وإصرارٍ.
ولمْ نَجدهُ أفسحَ المجالَ لأيِّ إحتمالٍ أو وهمٍ يراودُ نفسَهُ ، فيمَا يرتبطُ بجديَّةِ هذا الأمرِ ، وأنَّهُ إنَّمَا جاءَ عنْ طريقِ الرؤيا ، ولم يتساءلَ عنْ أسبابِهِ ، فلَعَلَّهُ يَقدرُ على إزالةِ تلكَ الأسبابُ...
ومِنَ المَعلومِ : أنَّ الأنبيَاءَ هُمْ أكملُ البَشَرِ في إنسانيَّتِهم ، وأصفَاهُم نَفْساً ، وأشدَّهُم إحساساً . ونفوسُهُم تزخرُ بالعواطفِ النبيلَةِ ، ومشاعرِ الحُبِّ الجيَّاشَةِ .
وهُمْ في مُنتَهَى الرِّقَةِ علَى بني الإنسانِ ، فكيفَ إذا كانَ هذا الإنسانُ طِفلاً ، وكيفَ إذا كانَ في مُستوى نَبيٍّ هو إسماعيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، إنَّ هذهِ الخُصوصيَّاتِ الّتي بينَاها تُعطينَا القيمَةَ الحقيقيَّةَ لإمتثالِ الأمرِ الإلهي لإبراهيمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بالذَّبحِ لولدِهِ إسماعيلَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كمَا أنَّهَا تُعطي أيضاً قيمَةً كُبرى لإيمانِ إبراهيمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) الّذي أوصَلَهُ إلَى درجةِ الرِّضَا ، بهذا الأمرِ ، والإندفاعِ إليهِ ، رغمَ كُلَّ هذا الإحساسُ المرهفُ ، وكُلَّ هذهِ العاطفةِ الجَيَّاشَةِ ، الّتي يُغذِيها إدراكٌ عميقٌ لقيمةِ مزايَا إسماعيلَ ، ومعرفةٍ حقيقيَّةٍ بهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)...
والأمرُ المُتوجِهُ إلَى إبراهيمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بالذَّبحِ ، مَشروطٌ في بُلوغِهِ حَدَّ الإلزامِ بقبولِ وإختيارِ وموافقةِ إسماعيلَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، أمَا لو إختارَ أنْ يَرفضَ ذلكَ ، فإنَّ الأمرَ يَسقطُ عنْ إبراهيمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) والشَّاهدُ على ذلكَ إرجاعُهُ الأمرَ إلَى إسماعيلَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في قولِهِ : ﴿ ... فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ... ﴾، سُورَةُ الصَّافاتِ ، الآية: 102.
أمَّا إسماعيلُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) نَفْسُهُ ، فإنَّهُ ليسَ مُلزماً بإختيارِ هذا الطَّرَفِ أو ذاكَ . وإختيارِ أيٍّ مِنهُمَا لَا ينقصُ منْ مقامِهِ ، ولَا يوجبُ لَهُ أيَّ مُشكِلَةٍ . وإنْ كانَ يحرِمَهُ من مقاماتِ أجَلٍّ وأسمى...
هذا الموقفُ الّذي ليسَ لَهُ نظيرٌ في تَاريخِ الإنسانِ، أرادَهُ اللهُ أنْ يكونَ خالداً لِشِدَّةِ مَا فيه منْ عِبرةٍ وموعظةٍ، وتصديقاً لقولِهِ تَعالَى:﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴾، سُورَةُ الصَّافاتِ ، الآية: 101.
ليسَ هذا فَحسبُ، وإنَّمَا أرادَ اللهُ أنْ يتمثَلَ الإنسانُ هذا الموقفُ بالأُضحيَّةِ الّتي يَفدي بِهَا، والّتي يَنبغي أنْ تَعني لَهُ وكأنَّهُ يَفدي عنْ نَفْسِهِ تطهيراً لِذاتِهِ، وتَقرُباً لرَبِّهِ.
فسُمِّيَ هذا العيدُ بعيدِ الأضحَى لأنَّ الحَاجَّ يُقدمُ فيهِ أُضحيَّةً، وكأنَّهَا بِمعنَى الفِداءِ عَنِ الذَّاتِ للهِ سُبحانَهُ، كمَا فَدى نَبيَّ اللهِ إبراهيمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كبشاً عنْ إسماعيلَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، وذلكَ بعدَ أنْ تَمنَى علَى رَبِّه هو في مِنَى، أنْ يجعلَ مكانَ إبنِهِ إسماعيلَ كبشاً يأمرُهُ بذبحِهِ فأعطاهُ اللهُ مَا تَمنَى .
ومنْ جِهةٍ أُخرَى إنَّ العيدَ في الإسلامِ يرتبطُ بالعطاءِ، ففي عيدِ الفِطرِ يُعطي الإنسانُ زكاةَ الفِطرَةِ، وفي عيدِ الأضحَى يُعطي الحَاجُّ هَدياً، ليكونَ العيدُ تذكيراً وتراحماً وتكافلاً معَ الفُقراءِ والضُعفاءِ والمُحتاجينَ منَ النَّاسِ .
كُلُّ عامٍ وأنتم بألفِ خيرٍ أعَادهُ اللهُ عليكُم بالعافيةِ وصحةٍ وإيمانٍ .