كنت أنظر الى الأحداث، ولا اعرف معناها، أعرف أن أبي كان تاجر سلاح، وهذه التجارة عندنا في القرى والأرياف لا تعني جريمة، فالسلاح يشترونه للدفاع عن حقولهم ومالهم وحلالهم وأعراضهم.
بعد دخول الدواعش للموصل، صعدت أسعار الأسلحة، لكن أبي احتفظ بها، ولم يبع ولا قطعة.. وفي أحد الأيام، طرق الباب الحاج فيصل، وهو من كبار ناسنا ومعه مجموعة من الرجال، رحب بهم أبي وقمنا لهم بواجب الضيافة، قال الحاج فيصل: نحن جئنا لنشتري منك ما تملكه من سلاح.. استغربت حين نكر أبي وقال كاذبا: حاج فيصل وعيونك بعتهن كلهن، وما عدت املك شيئا، والناس بعد الاحداث تركت بيع أسلحتها.
حزنت كثيرا لأني اكتشف لأول مرة أن أبي يكذب..! أردت ان اسأله بعدما خرجوا: لِمَ كذبت يا أبي، لكني خجلت منه ودخلت غرفتي حزينا، بعد أيام رأيته يبيع الأسلحة للفلاحين، وأصحاب المزارع، التفت اليّ بعدها وقال: هل عرفت يا ابني لِمَ كذبت على الحاج فيصل..؟ لأن الحاج فيصل اتى بمجموعة من الدواعش، ولو لم يمنعهم الخوف من اعمامنا وعشيرتنا لاقتحموا الدار وأخذوا الأسلحة، هم يريدون أن يشتروا السلاح ليقتلوا بها ناسنا وأهلنا.
ولذلك كذبت عليهم؛ لأنهم أوغاد..! هل تقبل يا بني أن أشاركهم في دم أعمامك وأخوالك وجيرانك وناسك من اهل القرية، قلت: لكنك بعتها يا أبي، أجابني: بعتها لناس يدافعون بها عن اعراضهم وعن دمهم، ولأن هؤلاء يا ولدي هم المجاهدون الحقيقيون لابد لنا ان نرحب بهم ونساعدهم لإخراج الدواعش عن ديرتنا ومن تعاون معهم أمثال الحاج صبيح وغيره.. لذلك يا ولدي لابد لنا ان نحترم أبناء الحشد؛ لأنهم تركوا الديار وجاءوا من أجل ان يقاتلوا دفاعا عنا وحماية لأعراضنا.
حين عرفت ان أبي ما كان يكذب، لكنه كان يريد ان يزكينا من خبزة الحرام، ويرفع رأسنا عاليا، ويتحول هو من تاجر أسلحة الى ثائر يمول المجاهدين بالسلاح والأعتدة، ولهذا أحببت الحشد؛ لأنهم جاءوا كما قال أبي للدفاع عن أرضنا وعرضنا.. اللهم سلمهم يا رب من كل شر.