في دجى الليل الطويل وفي حلكته السوداء، دخل الى حديقة بيتها، طرق نافذة غرفتها وعيناه الزرقاوان غارقتان بالدموع، كأنها بحر تتلاطم فيه الأمواج تنتظر قارباً تلاعب مجاذيفه أمواجه، نظر اليها فإذا بها نائمة كأنها أميرة وجدائلها السوداوان ملقتان على وسادتها البيضاء الناعمة، ووجهها المستدير كأنه القمر في ليلة تمامه وثغرها الباسم انها حبيبته وخطيبته، وهو يتمعن بها بشرود ذهنه لما سيحصل، أفاقت من نومها واقتربت من النافذة رأته والحزن في عينيه التي أبحرت في دمعهما عندها شعرت بعاصفة الفراق، جاء كي يودعها؛ لأن الواجب تجاه الوطن يحتم عليه أن يستجيب لندائه في الدفاع المقدس، في الوجوب الكفائي الذي أطلقته المرجعية في النجف الأشرف وكربلاء ليحيى الوطن معززاً مكرماً متطهراً من داعش الإرهابي.
بعد أسبوع من الفتوى كان موعد زفافهما، لكنه أبى أن يفرح ووطنه حزين مدنس من قبل الإرهاب التكفيري، لبس ملابس القتال ليذهب الى سوح الوغى حيث التضحية والاستبسال لهزيمة الإعداد المغتصبين. لقد كان خائفاً أن تثنيه عن عزيمته عندما التقى بها شجعته وأوجزت ما كان خائفاً منه في عبارة "اذهب سأكون في انتظارك" عندما قالت تلك العبارة تلاشى جزء من حزنه وابتسم وقبل أن يودعها اعطته خاتم خطوبتها، وقالت: اجعله في يدك مع خاتمك ليندمجا معاً ويعانقا بندقيتك، وتذكرني في كل إطلاقة نار تطلقها على العدو.
كان يقاتل ببسالة بعد أن ودع حبيبته وكان كلما يقتل داعشياً يسمع صوتها مغرداً في نبضات قلبه، يسجد على تراب الوطن ويقبل خاتمها، جاءتهم الأوامر للتقدم والهجوم على التكفيرين لتطهير المنطقة بأكملها منهم، وفي اثناء تقدمه انفجرت قنبلة تحت قدميه فاستشهد وتناثرت أشلاؤه، وعندما جاء قائد فرقته وزملاؤه لينتشلوه لم يجدوا سوى كفه وفي اصبعه الخاتمان.
هذه حكاية البطل الذي صوّر لنا اجمل قصة للدفاع عن الوطن واضعاً عشقه على كفه تحت رماد المعركة، فكان عشقه لوطنه أكبر من عشقه لحبيبته، فطوبى لأبطالٍ امتطوا خيول المنايا من أجل أن لا يدنس تراب وطنهم مغتصب.