بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
النَّفْسُ عنْدَ الحُكَمَاءِ: كمالُ أولٌ لِجسمٍ طَبيعيٍ آليٍ منْ جهةِ مَا يَتغذَى ويَنمو أو يَحسُّ ويتحرَكُ بالإرادةِ أو يَعقِلُ الكُلِّيِّاتِ ويَستنبطُ الآراءَ,وقدْ يُعبِرُ عنْ كُلِّ ذلكَ بِلازمٍ واحدٍ وهو: مِنْ حيثُ أنَّهُ ذو حياةٍ بالقُوّةِ والمقصودُ بالكَمَالِ الأوَّلِ: الصُّورةُ الّتي يَحصلُ الجِسمُ فيهَا حياً، إذِ الكَمال مُجرداً عنْ قيدِ (الأول) جِنسٍ يتناولُ المَحدودَ وغيرِهِ ، أمَّا الكمالُ الثَّاني للجِسمِ الطَّبيعيِّ الآليِّ فيتناولُ جُملةَ الصِّفاتِ سِوَى ذلكَ كالشِّكْلِ والَّلونِ ومَا أشبَه.
وهيَ علَى أنواعْ: نَفْسٌ نَباتيَّةٌ وخاصيتُها التَّغذيَّةُ والنُّمو، و نَفْسٌ حَيوانِيَّةُ وخاصيتُها الحِسُّ والحَركةُ الإراديَّةِ، و نَفْسٌ نَاطقيَّةٌ وخاصيتُها إدراكُ المَعقولاتِ، و نَفْسٌ قُدسيَّةٌ وخاصيتُها أنْ تكونَ مَحلاً للفيوضاتِ الرَّبَّانيَّةِ والأسرارِ الإلهيَّةِ.
والنَفْسُ الّتي ينبغي علَى الإنسانِ التعرّفِ عليْهَا ولَا ينبغي الغَفلةَ عنْهَا هيَ تِلكَ النَفْسٌ الّتي نَبَّهَ اللهُ تَعالَى في كتابِهِ علَى عدمِ نسيانِهَا لِقَولِهِ تعالَى في كتابِهِ العَزيزِ: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾، سورة الحشر، الآية: 19.
القُوّةُ الحَيوانيَّةُ: إسمٌ مؤنَّثٌ منسوبٌ إلَى حَيَوانِ، قوّةٌ حيوانيّةٌ: إحساسٌ يعني الحَاسةُ والحِسِّ.
مَصدرٌ صِناعيّ منْ حَيَوانٍ: بهيميّةٌ، جنسيَّةٌ، جانبٌ حيوانيٌّ منَ الطَّبيعةِ البشريّةِ
والحسّيَّةِ الحيوانيَّةِ لهَا خمسُ قوىً: سمعٌ، وبَصرٌ، وذوقٌ، وشَمٌّ، ولمسٌ ، ولهَا خاصّيتان: الشَّهوةُ والغَضبُ، وإنبعاثِهَا منَ القَلبِ، وهيَ أشبهُ الأشياءُ بِنَفْسِ السّباعِ.
فهَى إمَّا أنْ تكونُ مُحَرِكِةٌ أو مُدرِكَةً ، فإنْ كَانتْ مُحَرِكِةٌ ، فهى إمَّا مباشرةٌ للتَّحريكِ أو باعثَةٌ عليْهِ ، أمَّا المباشرةُ للتَّحريكِ فهَى القُوى المُوجودةُ فى العضَلاتِ الّتى منْ شأنِهَا أنْ تُحركَهَا تارةً الَى الجَذبِ وتارةً الى الدَّفعِ.
وأمَّا البَاعثَةُ فلهَا مراتبٌ : المرتبَةُ الأُولَى منْ تلكَ القُوى العَضليَّةُ هى الإرادةُ الجَازمةُ ، والشَّوقُ الجَازمُ ، وهذهِ الإرادةُ الجَازمَةُ إنَّمَا تتولدُ منْ شَهوةِ القُوَّةِ علقةٌ تَجذبُ المُلائِمَ أو منْ غضبٍ يتعلقُ بدفعِ المُنافى ، وهذهِ الشَّهوةُ والغضبُ إنَّمَا يتولدان منْ شعورِ الإنسانِ بكونِ الشيءِ ملائماً أو بكونِهِ منافياً ، فإنْ حصلَ الشُّعورُ يكونُ الشيءُ ملائماً ترتبَ عليْهِ المَيلُ عنْ هذا الشُّعورِ ، وإنْ حَصَلَ الشُّعورُ بكونِهِ منافياً ترتبَ الغضبُ علَى هذا الشُّعورُ ، ثُمَّ هذا الشُّعورُ قدْ يكونُ مُختلفاً وقدْ يكونُ فكرياً.
أمَّا القُوى المُدرِكَةُ ، فهَى إمَّا القُوى المُدرِكَةُ الظَّاهرةُ وهَى الحَواسُّ الخَمسُ وإمَّا القُوى المُدرِكًةُ البَاطنَةُ وهَى عندَهُم خَمسةٌ: ـ
وطريقُ الضَّبطِ أنْ نقول : هذهِ القُوى البَاطنةُ إمَّا مُدركةٌ ، وإمَّا متصرفةٌ.
أمَّا المُدرِكَةً ، فإمَّا أنْ تكونَ مُدرِكَةٌ لِصورِ المَحسوساتِ ، وهَى القُوّى الّتى تَجتمعُ فيهَا صورُ الحواسِّ الخَمسِ وهَى المُسماةُ عندَهُم بالحِسِّ المُشتركِ ـ وإمَّا أنْ تكونَ مُدرِكَةٌ للمعانى الجُزئيَّةِ الّتى لَا تكونُ محسوسةً لكنَّهَا تكونُ قائمَةً بالمحسوساتِ ، وهو مثلُ حُكمِنَا بأنَّ هذا الشَّخصُ صَديقٌ وذاكَ الآخرُ عدوٌ ، وهذهِ القُوَّةُ هىَ المُسماةُ بالوَهمِ ، ثُمَّ لكُلِّ واحدٍ منْ هاتينِ القُوَّتينِ خزانَةٌ ، فخزانةُ الحِسِّ المُشتركِ هو الخيالُ ، وخزانةُ الوهمِ هىَ الحافظةُ ، والمجموعُ أربعةٌ.
وأمَّا المُتصرفةُ فهَى القُوَّةُ الّتى تتصرفُ فى هذهِ الصُّورُ الجُزئيَّةُ ، والمعانى الجُزئيَّةُ بالتَّركيبِ تارةً والتَّحليلِ أُخرى ، وهىَ المُسماةُ بالقُوَّةِ المُفكرَةِ ، فهذهِ هىَ الحَواسُّ الخمسُ البَاطنَةُ.
إنَّ الحيواناتِ لديهَا إرادةٌ تُمكِنَّهَا منَ الحركةِ الإراديَّةِ، فهَيَ تتحركُ بإرادتِهَا من مكانٍ إلى مكانٍ ، والإرادةُ الحيوانيَّةُ هي تلكَ المُسماةُ بالغريزَةِ، وهَي تَسعَى بشكلٍ أساسيٍّ لمَا فيهِ بقاءُ الحيوانِ ومنفعتِهِ المَاديَّةِ.
وتنقسمُ هذهِ الغريزةُ أو الإرادةُ إلَى نوعينِ أساسيَّينِ، الأوَّلُ هو الشَّهوةُ، وهَي إرادةٌ حيوانيَّةٌ أو غريزةٌ تَسعَى لجلبِ النَّفعِ الجَسديِّ للحيوانِ، مِثلَ شهوةُ الأكلِ والشُّربِ والجِنسِ والرَّاحَةِ والنَّومِ و…
والنَّوعُ الثَّاني هو الغضبُ، وهو إرادةٌ حيوانيَّةٌ أو غريزةٌ تَسعى لِدفعِ الضَّررِ الجَسديِّ عنِ الحيوانِ، مثلَ غضبُ الحيوانِ عندمَا يؤذيِهِ أحدٌ، أو عندمَا يَرَى صيادًا أو…
والإدراكُ الحَيواني هوَ قُدرةُ الحَيوانِ علَى مَعرفةِ الواقعِ مِنْ حولِهِ، وللحيوانِ نوعانِ منَ الإدراكِ، الأوَّلُ هو الإدراكُ الحِسِّيُّ الّذي يَستخدمُ الحَواسَّ كالَّلمسِ والتَّذوقِ والشَّمِ والسَّمعِ والبَصرِ، والثَّاني هو الإدراكُ الخَياليِّ الّذي يقومُ بوظيفتينِ همَا الذاكرةُ الحِسيَّةُ والتَّركيبُ الخيَاليُّ.
فالذاكرةُ الحِسيَّةُ هَي قُدرةُ بعضِ الحيواناتِ علَى تَذكُرِ الصُّورِ الحِسيَّةِ الّتي رأتهَا سابقًا، حيثُ يسترجِعُهَا الحيوانُ في ذِهنِهِ أو خَيالِهِ، فالقّطةُ مثلاً تَعرفُ شِكلَ صاحبَهَا أي أنَّهَا تتذكرُ صورتَهُ، وكذلكَ الكلبُ، والحمارُ يتذكرُ الطَّريقَ منْ وإلَى الحَقلِ...
أمَّا التركيبُ الخياليُّ فنقصدُ بِهِ قدرةَ بعضِ الحيواناتِ علَى تركيبِ الصُّورِ الحسَّيَّةِ الّتي رأتهَا سابقاً في ذهنِهَا أو خيالِهَا للوصولِ إلى صورٍ جديدةٍ تساعدُهَا مثلاً في حَلِّ بعضِ المُشكلاتِ الّتي تُقابلَهَا
فالعديدُ منَ التَّجاربِ أيضًا تُوضحُ قُدرةُ الغُرابَ مثلاً علَى حَلِّ بعضَ الألغازِ الّتي تتطلبُ تركيبَ الصُّورِ الحِسِّيَّةِ في ذِهنهِ أو خيالِهِ أولًا ثُمَّ تركيبهَا في الواقعِ ثانيًا
وبالتَّالي مَا يجعلُ الإنسانَ إنسانًا فاضلًا هو أنْ تُسيطرُ قواهُ العقليَّةِ والروحيَّةِ والمعنويَّةِ علَى قواه الحيوانيَّةِ، فيكونُ العقلُ بعلومِهِ الصحيحَةِ هو الحَاكمُ في مملكةِ الإدراكِ وليسَ الحِسُّ أو الخيالُ، ويساعدُ علَى ذلكَ إلتزامِ الخطِّ الإلهيِّ الأصيلِ المتمثلُ بمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صَلَواتِ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعِينَ وتَعلُّمَ العلومَ الصحيحةِ والاعتقاداتِ الحَقَّةِ، وخيرُ مثالٍ على هذا الكلامُ هو قَولُ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ : وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ * وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ)، نهجُ البلاغةِ، من كتابِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إلَى واليهِ علَى البَصرَةِ عثمان بن حنيف.
وأنْ يكونَ الضَّميرُ هو المُتحكمُ في إرادةِ النَّفْسِ وليسَ غريزةُ الشُّهوةِ أو الغضبِ، منْ هُنَا فإنَّ سَيطرةَ الإنسانِ علَى أهوائِهِ وضبطِ رغباتِهِ يعدّانِ أمراً ضرورياً. فنَفْسُ الإنسانِ كفرسٍ جَموحٍ غيرَ مروّضٍ، إذا لمْ يعملْ علَى تهدئتِهِ بالرِّياضَةِ والتَّمارينِ فلنْ يتمكّنْ مِنَ الإستفادةِ منْهُ، وإذا بَقيَّ علِى إضطرابِهِ وهيجانِهِ فسيؤدي بهِ إلَى الهاويةِ حتماً، كمَا قالَ مولى الموحدينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( اِغْلِبُوا أَهْوَاءَكُمْ وَ حَارِبُوهَا فَإِنَّهَا إِنْ تَقْتَدِكُمْ تُورِدْكُمْ مِنَ اَلْهَلَكَةِ أَبْعَدَ غَايَةٍ)، مستدرك الوسائل ، ج۱۲، ص114.
ويساعدُ عليْهِ تربيةُ النَّفْسِ أو مَا يُسمَى بـتهذيبِ النَّفْسِ أو رياضةِ النَّفْسِ ، وهذا مَا يؤدي إلَى السَّعادةِ الإنسانيَّةِ المعنويَّةِ والرُّوحيَّةِ والعقليَّةِ الحقيقيَّةِ، ويسمو بالإنسانِ منْ مستنقعِ الحيوانيَّةِ إلَى سماءِ الملائكيَّةِ .
فالنَّفْسُ بمرتبتِهَا الدُّنيَا هيَ حيوانيَّةُ المُيولِ، لهَا صفاتُ وآثارُ الحيوانِ، وتميلُ كمَا يميلُ أيُّ حيوانٍ ، وبمرتبتِهَا العُليَّا هيَ إنسانيَّةٌ ملكوتيَّةٌ طَاهرةٌ كاملةٌ، إلَّا أنَّهَا تحتاجُ لكمالِهَا إلَى التَّربيَّةِ والتَّهذيبِ، فالإنسانُ يحتاجُ في المرتبةِ الدُّنيَا إلَى الماءِ والطَّعامِ والمَسكنِ والهواءِ والزَّواجِ وغيرِ ذلكَ، فهو حيوانٌ بالفِعلِ، إلَّا أنَّ النَّفْسَ تقبلُ النُّمو والتَّربيَّةُ، وتميلُ إلَى الكمالِ والصِّفاتِ الكماليَّةِ منْ علمٍ ومعرفةٍ وإحسانٍ وإيثارٍ وعدالةٍ وعفوٍ وإستقامَةٍ وصدقٍ وأمانةٍ وشجاعةٍ وكرمٍ وحُبٍّ للخيرِ ودفاعٍ عنِ المظلومينَ وغيرِ ذلكَ، وبهذا يكونُ كمالُهَا وبذلكَ تَصِلُ إلَى مَرتبتِهَا العُليا ، يَقولُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام: ( إِنَّ اَلنَّفْسَ لَجَوْهَرَةٌ ثَمِينَةٌ مَنْ صَانَهَا رَفَعَهَا وَ مَنِ اِبْتَذَلَهَا وَضَعَهَا )،غررُ الحكم، ص231 ، ح 4616.
فالذَّاتُ الحيوانيَّةُ تسعَى دائماً لإرضاءِ رغباتِهَا وميولِهَا، وتحاولُ أنْ تقطعَ طريقَ الرُّقيِّ والتَّكاملِ علَى النَّفْسِ الإنسانيَّةِ، وعلِى العكسِ منْ ذلكَ، فإنَّ الذَّاتَ الإنسانيَّةِ تسعَى دائماً للسَّيطرةِ علَى الرَّغباتِ والغرائزِ الحيوانيَّةِ منْ أجلِ طَيِّ المراحلِ الرفيعةِ للكمالاتِ الإنسانيَّةِ، حتّى تنالُ مقامَ القُربِ الإلهيِّ ، فإذا تغلَّبَ البعدُ الإنساني في هذا الصِّراعِ إرتقَى الإنسانُ في مدارجِ الكمالِ، ولو تغلَّبَ البعدُ الحيواني فيهِ إنحدرَ الإنسانُ في وادي الضَّلالِ والإنحرافِ لقولِهِ تَعالَى في كتابِهِ الكريمِ: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾،سُورَةُ الجَاثيَّةِ،الآية 23.