بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى(( وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ً)). سورة الأحزاب آية33
(إنّما) أداة توكيد تفيد الحصر. والرجس هو القذارة وهي عبارة عن هيئةٍ في الشيء توجب التجنّب والنفور منها. وقد أطلق القرآن الكريم كلمة( الرجس) على القذارة المادية والقذارة المعنوية. فأما الرجس بمعنى القذارة المادية فكما في الميتة والدم ولحم الخنزير وذلك في قوله تعالى(( إلا أن يكون ميتة ً أو دما ً مسفوحا ً أو لحم خنزير ٍ فإنه رجسٌ)) سورة الأنعام آية 145. وأما الرجس بمعنى القذارة المعنوية فكما في الإعتقاد الباطل والعمل السيّئ وذلك في قوله تعالى(( ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيّقا ًحرجا ً كأنما يصّعد إلى السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذي لا يؤمنون)) سورة الأنعام آية 125. وإذا ما تكلمنا هنا عن الرجس الذي هو بمعنى القذارة المعنوية فالإذهاب به يكون بإزالة كل ما في النفس من اعتقادٍ باطل ٍ أو عمل ٍ سيّءٍ فيما التطهير يكون بجعل ما يقابل ذلك من الاعتقاد الحق والعمل الصالح. كما أنّ الإرادة في الآية هي إرادة ٌ تكوينية ٌ وليست تشريعية ً فلو كانت الإرادة تشريعية ً لما كان هناك معنى لحصر الإرادة بأهل البيت(عليهم السلام ) دون غيرهم لأنّ الله يريد من جميع خلقه أن يتجنبوا الذنوب والمعاصي والآثام وهذا ما يشير إليه
قوله تعالى((يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنباً فاطهَّروا وان كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )) فإن قيل أنّ جعل الإرادة في الآية إرادة ٌ تكوينية ٌ تنزع أي فضيلةٍ لأصحابها لكونهم ليسوا مخيّرين وإنما مجبرين فنقول بأنّ الله سبحانه عَلِمَ صِدقهم وإخلاصهم فعصَمَهم
قال تعالى(( ولقد اخترناهم على علم ٍ على العالمين)) وبالتالي يبطل هذا الإشكال. ومن هنا يتضح لنا أنّ المقطع الثاني من الآية وهو قوله تعالى(( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ً)) يفيد العصمة لأهل البيت(عليهم السلام ) في حين أنّ المقطع الأول من الآية وهو قوله تعالى(( وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله)) والذي يتحدّث عن زوجات النبيصلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد العصمة لهنّ لقرائن كثيرة بعضها من داخل السورة كعدم امتثال بعض زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القرار في البيت وذلك بالخروج إلى معركة الجمل ولقرائن خارجية ٍ أيضا ً كالآيات القرآنية المهدّدة لهنّ بتطليقهنّ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لإيذائهنّ له
قال تعالى(( عسى ربه إن طلّقكنّ أن يُبدِله أزواجا ً خيرا ً منكنّ مسلمات ٍ مؤمنات ٍقانتات ٍ تائبات ٍعابدات ٍسائحات ٍثيّبات ٍوأبكارا)) سورة التحرير آية 5 بل ويخبرنا القرآن بأنّ بعض زوجات النبي كنّ يفشين أسرار رسول اللهصلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال تعالى(( وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا ً فلما نبّأتْ به وأظهره الله عرّفَ عن بعض ٍ وأعرض عن بعض...)) سورة التحريم آية 3. كما أننا نجد أنّ تغيّر ضمير نون النسوة في المقطع الأول من الآية إلى ضمير جمع المذكر في المقطع الثاني منها يفيد تغيّر المخاطب وبذلك يتضح لنا أنّ زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسن داخلات ٍ في عنوان أهل البيت(عليهم السلام ). ولكن يبقى لدينا تساؤلا ًوهو إذا كان كذلك فلم ذكرت زوجات النبي وأهل البيت في آيةٍ واحدةٍ ؟
وللإجابة على هذا التساؤل فإننا نضرب مثالا ً لتقريب الفكرة للقارئ:
فلنفرض أنّ هناك عالمٌ من علماء الأمة البارزين و أنّ له ابنٌ ولكنّ هذا الابن لا يلتزم بتعاليم الإسلام فما إن يقوم هذا العالم بدوره في إرشاد المجتمع سيأتي بعض أعداءه ليطعنوا فيه قائلين بأنّ من لم يستطع تربية ابنه وإرشاده لا يحقّ له أن يقدّم نفسه كمرشدٍ ومُرَبٍّ وذلك لمنعه من أداء دوره في المجتمع وفي المقابل سيأتي بعض المؤمنين لذلك الابن وينصحوه أن يكون ملتزما ً وصالحا ً كأبيه حتى لا يعطي أعداءه الفرصة للطعن فيه والإساءة إليه. وهذا تماما ً ما أرادت الآية أن تذكره حيث بدأت بتحذير نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القيام بأي عمل ٍ شائن ٍ وهدّدتهنّ بمضاعفة العذاب عليهنّ ضعفين إنْ فعلنَ ذلك بل وبالتشديد عليهنّ أكثر من غيرهنّ من النساء بالقرار في البيت وعدم التبرّج وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله وما ذلك إلاّ بسبب ارتباطهنّ بأهل البيت(عليهم السلام ) الذين هم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عن طريق زواجهنّ برسول اللهصلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك صونا ً لساحة أهل البيت(عليهم السلام ) وسدّا ًلأي ثغرة ٍ قد ينفذ منها أعداءهم للإساءة إليهم أو الطعن فيهم لمنعهم من نشر دعوتهم للناس. وهذا ما تشير إليه الروايات الشريفة:
1ـ عن علي(عليه السلام ) قال (( إنّ الله عزّ وجل فضّلنا أهل البيت وكيف لا يكون كذلك والله عزّ وجل يقول في كتابه
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ً) فقد طهّرنا الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن فنحن على منهاج الحق)). بحار الأنوار ج25 ص213
2ـ عن الصادق(عليه السلام ) في قوله تعالى(( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً))
قال(( نزلت في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة فلما قبض الله عزّ وجل نبيه كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين ثم وقع تأويل الآية ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله) وكان علي بن الحسين إماما ً ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عزّ وجل)). بحار الأنوار ج25 ص255
3ـ عن الباقر(عليه السلام ) في قوله تعالى(( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ً))
قال(( نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليا ً وفاطمة والحسن والحسين ثم ألبسهم كساءً خيبريا ً ودخل معهم فيه ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ً فنزلت هذه الآية فقالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله قال أبشري يا أم سلمة فإنك إلى خير)).
بحار الأنوار ج35 ص206
مقوووول