المهزلة عمل يتغلب فيه الهزل على الجد، والهزل لا يعني إضحاك الناس، بل هو المحتوى الفكري الهزيل الذي كانت تتمتع به قريش، لم تكن هذه المهزلة تفسيراً إلا عن الجهل الذي كان آفة من أكبر آفات المجتمع القريشي المتخلف في تفكيره.
ويبدو أن ظهور نبي في مجتمعهم أربك موازينهم الفكرية، وجعلهم أناساً غير أسوياء، موقف أضحكني كثيراً، وأظهر لي تخلف قريش الفكري، لا بد أن نعرف المهزلة: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، والوليد بن المغيرة، من أكثر الذين أظهروا العداء للنبي وللإسلام، وعمارة هو أخو خالد بن الوليد، والمهزلة في قصته أن قريش اقترحته بديلاً للنبي (ص)، نحتاج الى وقفة تأملن ولذلك سأعيد لكم الجملة:
أخذته قريش بديلاً للنبي (ص)، عندما شكلوا وفداً كبيراً الى أبي طالب عمّ الرسول للمرة الثانية، وقالوا له اغرب جملة قالتها العرب والإنسانية بغثها وسمينها: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أجمل فتى في قريش، فخذه لك عقله ونصره واتخذه ولدا، فهو لك، وسلّم الينا ابن اخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومك، وسفّه احلامهم، فنقتله..!
يا إلهي، لم أصدق ما أقرأ، ورحت أبحث عن المصادر، واذا هذه المهزلة معروفة ومعلومة ومثبتة في مئات المصادر، لهذا الحد من السذاجة هو تفكير قريش، بعض الكتاب والمفكرين يكتبون عن الذهنية العربية قبل الإسلام، ويصفونها، فهل مروا بهذه الحكاية وبكوا على العقل العربي قبل الإسلام.
وفد كبير من قريش يقايض أبا طالب لتبديل ابنهم النبي بعمارة بن الوليد، قال لهم أبو طالب (عليه السلام): لبأس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذيه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه، هذا والله لا يكون أبداً.
بهذا التخلف كان يُقاد المجتمع القريشي، فأي قدرة على الحكم يطلقها مثل أصحاب هذه العقول؟ وهل أستغرب بعد هذه المسألة ان يكفر المجتمع أبا طالب ودلائل اسلامه كثيرة لا تُحصى، فسلام الله عليك سيدي أبا طالب، يوم رحيلك الأبدي الى دار الخلد.