بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
تُعَد خِصلة الصَبرُ على البلاء مِن أهم ما يَجب على كل مؤمن أن يتحلى بها لأنها جزءٌ من الإيمان بالله سبحانهُ وتعالى ، ولابد لنا من أن نقف على ماهية الصبر وكفية التحليَّ به لكي نَحظى بِرعاية الله جَلَّ ثناؤهُ ورِضاه ويوفينا أجور الصابرين .
ماهيّة الصَّبر :َّ
يُعرّفَ الصَّبر لغةً : (بأنَّهُ نقيض الجَزَع، وهو الحبسُ والمنع، ويقال: صَبَر صَبْراً: تَجلَّد ولم يَجزع، وَصَبر: انتظر، وَصبّر نفسه: حَبسها وضبطها، وصبر فلاناً: حبسه، وصبرت صبراً: حبستُ النفس عن الجزع، وسُمّي الصوم صبراً لما فيه من حبس النفس عن الطعام، والشراب، والنكاح، فتبيّن بذلك أنّ الصبر هو: منع وحبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكِّي، والجوارح عن التشْويش: كلطم الخدود، وشقّ الجيوب ونحوهما، والمصدر صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور، والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ. وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والصبر: حبس النفس عن الجزع)(1).
أمَّا الصَبر اصطلاحًا :
الصَبرهو: حبس النفس على ما يَقتَضيه العقل والشرع ويَطلبه، أو ما يقتضيه العقل والشرعُ على النفس أن تحبسه، ومن ذلكَ أن تُحبَسَ النَّفسُ عن مَحارمِ الله، وأن تُحبَسَ على فرائِضِهِ وعن التسخُّطِ لأقدارِهِ والشِّكايةِ منها، ومنهُ العزيمةُ والثَّباتُ عندَ البَلايا والترفُّعِ عن الشَّكوى لغيرِ اللهِ تَعالى من حوادِثِ الأيَّامِ ومُجرياتِ القَدَر. الصَّبرُ
من أحسنِ الأخلاقِ وأفضَلِها؛ إذ هو المانِعُ عنِ الاندِفاعِ والوقوعِ فيما لا يُحسن، وفيه قوَّةٌ عَظيمةٌ تسمو بالنَّفسِ حتَّى تذوقَ حلاوةَ الإيمانِ، ومِن هذه القوَّةِ ما يَبذُلُهُ العَبدُ في تحمُّلِ المشاقِ والآلامِ، وما يُبديهِ من ضبطٍ للنَّفسِ واجتِهادٍ في البُعدِ عن المُحرَّماتِ والمعاصي وكبتِ الشَّهوات، وعونُ النَّفسِ في إدراك الطَّاعاتِ وتحمُّلِها والمُداومةِ عليها، ومُجاهَدتُها للسَّعيِ إلى الإحسانِ والانصِرافِ عن التذمُّرِ(2). ومن هنا نصل إلى المعنى الحقيقي للصبر . بقي أن نعرف إن البــــلاء : سُنَّة من سنن الله جلُّ ثناءهُ الجارية في خلقه ؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة .. فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء؛ كما جاء في محكم كتابه ومنير خطابه وهو أفضل الكلام : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (3)] فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه، فيهون عليه الأمر .. ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد .
ما هي الحكمة من نزول البـــلاء ..؟
فالله سبحانه وتعالى يبتلي ليُهذب لا ليُعذب .. فعليك أن تفهم لماذا يبتليك الله تعالى وللبلاء عدة فوائد وهي ما يليَّ:
(1) البلاء في حق المؤمن كفارة وطهور: فقد نُبتلي بذنوبنا ومعاصينا؛ كي يُكفِّرها الله عزَّ وجلَّ عنا فلا نقابله بها، ويوم القيامة ستتمنى لو أنه قد أعطاك المزيد من الابتلاءات في الدنيـــا ..
عن النبي قال "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه [متفق عليه]
وعن أم سلمة (رضوان الله عليها) عنها قالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول " ما ابتلى الله عبدًا ببلاء وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عزَّ وجلَّ أو يدعو غير الله في كشفه (4).
ويروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة(5) .
(2)البـــلاء دليل حب الله للعبد .. والمُحِب لا يتضجر من فعل حبيبه أبدًا، قال رسول الله "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع .. وقال رسول الله[ مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُصِبْ منه [(6) .
(3)البـــلاء يُبلغك المنازل العلا .. برفقة النبي محمد ، فالعبد تكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها (7).
كان شُريح يقول "إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني (8(.
فلا تستعجب إن رأيت أعداء الله يُمكَّن لهم في الأرض، بينما أهل الإيمان مُستضعفون في كل مكان .. فقد قال رسول الله "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة" [متفق عليه]
وهكذا يكون حال المؤمن ما بين الابتلاءات ونزول الرحمات حتي يُلاقي الله عزَّ وجلَّ، أما الكافر فإذا أخذه لم يفلته ..
وكم في البلية من نعمةٍ خفية ..
وليس معنى هذا أن تتمنى البـــلاء، ولكن عليك أن تسأل الله العفو والعافيــة.
ثانيًا: تذكَّر أحوال الأشد منك بلاءً .. فمن يرى بلاء غيره، يهون عليه بلائه ..
قال سلام بن أبى مطيع: دخلت على مريض أعوده، فإذا هو يئن .. فقلت له: اذكر المطروحين على الطريق، اذكر الذين لا مأوى لهم ولا لهم من يخدمهم، قال: ثم دخلت عليه بعد ذلك، فسمعته يقول لنفسه: اذكري المطروحين في الطريق، اذكري من لا مأوى له ولا له من يخدمه [ (9) .
ثالثًا: تلقى البـــلاء بالرضا بقضــاء الله وقدره .. وهذا من أعظم ما يُعين العبد على المصيبة، قال تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (10)
فالبلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتي إلا بخيـــر .. قال ابن مسعود: )لأن أعض على جمرة أو أن أقبض عليها حتى تبرد فى يدى أحب إلى من أن أقول لشيءٍ قضاه الله: ليته لم يكن (11)(.
رابعًا: الجزع وعدم الرضا لا ينفعا .. فالتحسر على المفقود لا يأتي به .. كان يحيي بن معاذ يقول "يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟!، وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟ (12).
خامسًا: معرفة طبيعة الدنيـــا وأنها دار عنــاء .. فالدنيـــا بمثابة القنطرة التي تعبر بها إلى الدار الآخرة، فلا تحزن على ما فاتك فيها ..
قال ابن الجوزي "أما بعد؛ فإني رأيت عموم الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجًا يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت! .. وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟، والكبير إلا الهرم ؟، والموجود سوى العدم ؟ (13) وقال أيضًا ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تَعْتَوِرْ فيها الأمراضُ والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار .. ولو خُلِقت الدنيا للذة لم يكن حظّ للمؤمن منها(14).
سادسًا: معرفة ثواب الصبر العظيم .. وحينها يهون عليك كل بــلاء، قال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( 15)وخير من طبق ذلك هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (سلام الله عليهم ) وتجسد ذلك في السيدة المظلومة جبل الصبر مولاتنا السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عندما صبرت على كل الويلات التي مرت عليها في كربلاء المصاب ، وأحتسب ذلك في جنب الله تعالى .
--------------
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1) لسان العرب : 4/437.
(2) موسوعة الأخلاق:122.
(3) الإنسان: 2,3
(4) رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب : (3401)
(5) رواه الترمذي وصححه الألباني، صحيح الجامع: (5815)
(6) صحيح البخاري / رقم الحديث : (132).
(7) رواه أبو يعلى وابن حبان وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب رقم الحديث: (3408)
(8) سير أعلام النبلاء :7/122.
(9) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين : 22/27.
(10) الحديد: 22 .
(11) طريق الهجرتين وباب السعادتين :16/35.
(12) صفة الصفوة :2/295.
(13) تسلية أهل المصائب: 1/71.
(14) موسوعة فقه الابتلاء : 4 /129.
(15) الزمر :10.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
تُعَد خِصلة الصَبرُ على البلاء مِن أهم ما يَجب على كل مؤمن أن يتحلى بها لأنها جزءٌ من الإيمان بالله سبحانهُ وتعالى ، ولابد لنا من أن نقف على ماهية الصبر وكفية التحليَّ به لكي نَحظى بِرعاية الله جَلَّ ثناؤهُ ورِضاه ويوفينا أجور الصابرين .
ماهيّة الصَّبر :َّ
يُعرّفَ الصَّبر لغةً : (بأنَّهُ نقيض الجَزَع، وهو الحبسُ والمنع، ويقال: صَبَر صَبْراً: تَجلَّد ولم يَجزع، وَصَبر: انتظر، وَصبّر نفسه: حَبسها وضبطها، وصبر فلاناً: حبسه، وصبرت صبراً: حبستُ النفس عن الجزع، وسُمّي الصوم صبراً لما فيه من حبس النفس عن الطعام، والشراب، والنكاح، فتبيّن بذلك أنّ الصبر هو: منع وحبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكِّي، والجوارح عن التشْويش: كلطم الخدود، وشقّ الجيوب ونحوهما، والمصدر صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور، والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ. وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والصبر: حبس النفس عن الجزع)(1).
أمَّا الصَبر اصطلاحًا :
الصَبرهو: حبس النفس على ما يَقتَضيه العقل والشرع ويَطلبه، أو ما يقتضيه العقل والشرعُ على النفس أن تحبسه، ومن ذلكَ أن تُحبَسَ النَّفسُ عن مَحارمِ الله، وأن تُحبَسَ على فرائِضِهِ وعن التسخُّطِ لأقدارِهِ والشِّكايةِ منها، ومنهُ العزيمةُ والثَّباتُ عندَ البَلايا والترفُّعِ عن الشَّكوى لغيرِ اللهِ تَعالى من حوادِثِ الأيَّامِ ومُجرياتِ القَدَر. الصَّبرُ
من أحسنِ الأخلاقِ وأفضَلِها؛ إذ هو المانِعُ عنِ الاندِفاعِ والوقوعِ فيما لا يُحسن، وفيه قوَّةٌ عَظيمةٌ تسمو بالنَّفسِ حتَّى تذوقَ حلاوةَ الإيمانِ، ومِن هذه القوَّةِ ما يَبذُلُهُ العَبدُ في تحمُّلِ المشاقِ والآلامِ، وما يُبديهِ من ضبطٍ للنَّفسِ واجتِهادٍ في البُعدِ عن المُحرَّماتِ والمعاصي وكبتِ الشَّهوات، وعونُ النَّفسِ في إدراك الطَّاعاتِ وتحمُّلِها والمُداومةِ عليها، ومُجاهَدتُها للسَّعيِ إلى الإحسانِ والانصِرافِ عن التذمُّرِ(2). ومن هنا نصل إلى المعنى الحقيقي للصبر . بقي أن نعرف إن البــــلاء : سُنَّة من سنن الله جلُّ ثناءهُ الجارية في خلقه ؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة .. فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء؛ كما جاء في محكم كتابه ومنير خطابه وهو أفضل الكلام : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (3)] فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه، فيهون عليه الأمر .. ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد .
ما هي الحكمة من نزول البـــلاء ..؟
فالله سبحانه وتعالى يبتلي ليُهذب لا ليُعذب .. فعليك أن تفهم لماذا يبتليك الله تعالى وللبلاء عدة فوائد وهي ما يليَّ:
(1) البلاء في حق المؤمن كفارة وطهور: فقد نُبتلي بذنوبنا ومعاصينا؛ كي يُكفِّرها الله عزَّ وجلَّ عنا فلا نقابله بها، ويوم القيامة ستتمنى لو أنه قد أعطاك المزيد من الابتلاءات في الدنيـــا ..
عن النبي قال "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه [متفق عليه]
وعن أم سلمة (رضوان الله عليها) عنها قالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول " ما ابتلى الله عبدًا ببلاء وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عزَّ وجلَّ أو يدعو غير الله في كشفه (4).
ويروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة(5) .
(2)البـــلاء دليل حب الله للعبد .. والمُحِب لا يتضجر من فعل حبيبه أبدًا، قال رسول الله "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع .. وقال رسول الله[ مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُصِبْ منه [(6) .
(3)البـــلاء يُبلغك المنازل العلا .. برفقة النبي محمد ، فالعبد تكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها (7).
كان شُريح يقول "إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني (8(.
فلا تستعجب إن رأيت أعداء الله يُمكَّن لهم في الأرض، بينما أهل الإيمان مُستضعفون في كل مكان .. فقد قال رسول الله "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة" [متفق عليه]
وهكذا يكون حال المؤمن ما بين الابتلاءات ونزول الرحمات حتي يُلاقي الله عزَّ وجلَّ، أما الكافر فإذا أخذه لم يفلته ..
وكم في البلية من نعمةٍ خفية ..
وليس معنى هذا أن تتمنى البـــلاء، ولكن عليك أن تسأل الله العفو والعافيــة.
ثانيًا: تذكَّر أحوال الأشد منك بلاءً .. فمن يرى بلاء غيره، يهون عليه بلائه ..
قال سلام بن أبى مطيع: دخلت على مريض أعوده، فإذا هو يئن .. فقلت له: اذكر المطروحين على الطريق، اذكر الذين لا مأوى لهم ولا لهم من يخدمهم، قال: ثم دخلت عليه بعد ذلك، فسمعته يقول لنفسه: اذكري المطروحين في الطريق، اذكري من لا مأوى له ولا له من يخدمه [ (9) .
ثالثًا: تلقى البـــلاء بالرضا بقضــاء الله وقدره .. وهذا من أعظم ما يُعين العبد على المصيبة، قال تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (10)
فالبلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتي إلا بخيـــر .. قال ابن مسعود: )لأن أعض على جمرة أو أن أقبض عليها حتى تبرد فى يدى أحب إلى من أن أقول لشيءٍ قضاه الله: ليته لم يكن (11)(.
رابعًا: الجزع وعدم الرضا لا ينفعا .. فالتحسر على المفقود لا يأتي به .. كان يحيي بن معاذ يقول "يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟!، وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟ (12).
خامسًا: معرفة طبيعة الدنيـــا وأنها دار عنــاء .. فالدنيـــا بمثابة القنطرة التي تعبر بها إلى الدار الآخرة، فلا تحزن على ما فاتك فيها ..
قال ابن الجوزي "أما بعد؛ فإني رأيت عموم الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجًا يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت! .. وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟، والكبير إلا الهرم ؟، والموجود سوى العدم ؟ (13) وقال أيضًا ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تَعْتَوِرْ فيها الأمراضُ والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار .. ولو خُلِقت الدنيا للذة لم يكن حظّ للمؤمن منها(14).
سادسًا: معرفة ثواب الصبر العظيم .. وحينها يهون عليك كل بــلاء، قال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( 15)وخير من طبق ذلك هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (سلام الله عليهم ) وتجسد ذلك في السيدة المظلومة جبل الصبر مولاتنا السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عندما صبرت على كل الويلات التي مرت عليها في كربلاء المصاب ، وأحتسب ذلك في جنب الله تعالى .
--------------
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1) لسان العرب : 4/437.
(2) موسوعة الأخلاق:122.
(3) الإنسان: 2,3
(4) رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب : (3401)
(5) رواه الترمذي وصححه الألباني، صحيح الجامع: (5815)
(6) صحيح البخاري / رقم الحديث : (132).
(7) رواه أبو يعلى وابن حبان وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب رقم الحديث: (3408)
(8) سير أعلام النبلاء :7/122.
(9) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين : 22/27.
(10) الحديد: 22 .
(11) طريق الهجرتين وباب السعادتين :16/35.
(12) صفة الصفوة :2/295.
(13) تسلية أهل المصائب: 1/71.
(14) موسوعة فقه الابتلاء : 4 /129.
(15) الزمر :10.