بدأت الركضة في عاشوراء سنة (1303/ 1885) وذلك عندما كان الناس يستمعون الى قراءة المقتل الحسيني في الدار الكبيرة السيد صالح بن مهدي القزويني، ومع نهاية المقتل ضجَّ الناس بالبكاء والعويل والنحيب، بشكل لا إرادي، إذ فقدوا مشاعرهم لهذه الفاجعة، واخذوا يلطمون على رؤوسهم، ولهول المصيبة، طلبوا من القزويني الذهاب ركضاً الى مرقد سيد الشهداء (عليه السلام)، لتقديم آيات العزاء، فامتطى جوادًا، وتقدمهم بالمسير، وفي الطريق انضمَّت إليهم جموع من المعزِّين؛ لمّا انتظمت الركضة تاريخيا، أخذت- في كل عام- تبدأ من قنطرة السلام على طريق طويريج، وتبعد خمسة كيلومترات عن مركز المحافظة ، وتبدأ بعد أذان الظهر، وهو الوقت الذي يسقط فيه الإمام صريعاً على رمضاء كربلاء، وتتقدم الجموع البشرية، وهم يلطمون على الرؤوس، وينادون: يا حسين يا حسين.
تبيانًا لقدمها وشهرتها نلحظ توصيفًا لمجلة الأب أنستاس الكرملي سنة (1329/ 1911) ذكرت أنَّ في عاشوراء تزخر المسيب بحركة عظيمة، لما يختلف إليها من الناس، إذ يرى فيها- كل سنة- أكثر من مائتي ألف زائر، يأتونها من جميع البلاد- عن طريق بغداد، ليذهبوا إلى كربلاء؛ إما عدد سكانها المقيمين فيها فيقدر بستة الآلاف نسمة؛ وهذه المسيرة التي تتم على شكل هرولة، يصحبها لطم على الصدور والوجوه في اليوم العاشر من محرم، فقد تعبِّر عن مدى فزع أهل البيت في هذا اليوم العصيب؛ فهي تشكل نمطا من أكثر أنماط المسير العزائي جذبا وإثارة للعاطفة الدينية، لذا تجدها آخذةً في التنامي في السنين الأخيرة، وكم كنا نقصدها- على باب طويريج- على سبيل الملاحظة والمشاركة. في عاشوراء 1439/ 2017، شارك صاحب الحكيم (سفير السلام العالمي، مقرر حقوق الإنسان في العراق)، وأحصى ثلاثة ملايين راكض، في وقت استمر ثلاث ساعات وثلاثين دقيقة، وقال: أرقام غريبة، وأظن أن لا مثيل لهذه الركضة في العالم كله ، حقا إنَّها أكبر مارثون عالمي يحمل عنوان العقيدة.
.....................
التقرير، مجلة لغة العرب، ع3، أيلول، 1911، ج1، ص 109.
* المخزومي، زيارة الأربعين: دراسة ميدانية