إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

34-الإنسانُ السَّوِيِّ قَلْبُهُ يَنْصَدِعُ لِقَتْلِ الحُسَينِ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ):-

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 34-الإنسانُ السَّوِيِّ قَلْبُهُ يَنْصَدِعُ لِقَتْلِ الحُسَينِ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ):-

    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ

    حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْقُرَشِيُّ اَلرَّزَّازُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اَلْجَبَّارِ اَلنَّهَاوَنْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ وَ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ وَ أَبِي سَلَمَةَ اَلسَّرَّاجِ وَ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ كُلُّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يَقُولُ: ( إِنَّ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمَّا مَضَى بَكَتْ عَلَيْهِ اَلسَّمَاوَاتُ اَلسَّبْعُ وَ اَلْأَرَضُونَ اَلسَّبْعُ وَ مَا فِيهِنَّ وَ مَا بَيْنَهُنَّ وَ مَنْ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِنَّ وَ اَلْجَنَّةُ وَ اَلنَّارُ وَ مَا خَلَقَ رَبُّنَا وَ مَا يُرَى وَ مَا لاَ يُرَى)، كامل الزيارات ، ج1 ، ص80.
    إنَّ قضيةَ الإمامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قضيَّةٌ خَاصةٌ في الإسلامِ ، لمْ تُشبهُهُا أيَّةُ قضيَّةٍ أُخرَى، فهي مَلحمةٌ مُفجعَةٌ ومَعركةٌ حاسمَةٌ، إنتصرَ فيهَا الدِّينُ في مَقطَعٍ زمانيٍّ خَطيرٍ، فكانتْ التَّضحياتُ الجَّسيمَةِ للإمامِ أبي عبدِ اللهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، إنقاذاً لِشرعَةِ الحَقِّ وإيقاظاً للأمَّةِ مِنْ حالاتِهَا الهَابطَةِ بلْ السَّاقطَةِ، وكانتْ رفعةً للإسلامِ الحنيفِ بعدَ أنْ كادَ بنو أميَّةِ أنْ يشوهوهُ ويحرفوهُ، ويَحرِفوا النَّاسَ عنْ طريقِهِ ويَمسخوهُم ويرتدوا بِهِم إلَى الجَّاهليَّةِ الأولَى .
    وفي هذا المَفصلِ التَّاريخي الحَساسِ، كانَ الإسلامُ يحتاجُ إلَى مُهَجٍ غيورةٍ وإلَى دماءِ شُهداءٍ ساخنَةٍ وإلَى نُفوسِ فداءٍ شُجاعَةٍ.. فقامَ للهِ سِبطِ رسولِ اللهِ، وهو الأجدَرُ لذلكَ، وتقدمَ لِيصدعَ بكلماتِ الحَقِّ نَاصحاً، حتَّى إذا أبوا إلّا قتالِهِ وقتلِهِ، رأوا منْهُ مَا أذهلَهُم وإنتصَرَ عليْهِم إنتصارَ عِزَّةٍ وشَرَفٍ وعقيدَةٍ ومبدأٍ إلهيٍّ شامخٍ لا يتنازلُ.. ومنْ هُنَا بَلغنَا الإسلامَ من جديدٍ، ومنْ هُنَا فَهِمَ البَعضُ قولَ رسولِ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) منْ خلالِ هذهِ الرِّوايةِ ، عَنْ يَعْلَى اَلْعَامِرِيِّ : أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إِلَى طَعَامٍ دَعَوْا لَهُ قَالَ فَاشْتَمَلَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أَمَامَ اَلْقَوْمِ وَ حُسَيْنٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) مَعَ غِلْمَانٍ يَلْعَبُ فَأَرَادَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أَنْ يَأْخُذَهُ فَطَفِقَ اَلصَّبِيُّ يَفِرُّ هَاهُنَا مَرَّةً وَ هَاهُنَا مَرَّةً فَجَعَلَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ قَالَ فَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ قَفَاهُ وَ اَلْأُخْرَى تَحْتَ ذَقَنِهِ فَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ وَ قَبَّلَهُ وَ قَالَ: ( حُسَيْنٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنِ أَحَبَّ اَللَّهَ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً حُسَيْنٌ سِبْطٌّ مِنَ اَلْأَسْبَاطِ )...، كشفُ الغُمَّةِ ج2 ، ص61 ، فحَقٌّ لِكُلِّ مؤمنٍ بعدَ ذلكَ أنْ يفتخِرَ أنَّهُ يُحِبُّ الحسينَ ويوالي الحُسينَ ، كَمَا يَحِقُّ لَهُ أنْ يحزنَ علَى الحُسينِ، فليسَ مِثْلَ ظَليمتَهُ ظَليمَةٌ وليسَ مِثلَ مُصيبتَهِ مصيبةٌ عَظيمَةٌ.
    بلْ أكثَرُ منْ ذلكَ وَعَلَى لِسانِ الإمامِ الصَّادقِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَرَدَتْ هذهِ الرِّوايةِ العَجيبَةِ ، عَنْ مِسْمَعٍ كِرْدِينٍ قَالَ: ( قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ يَا مِسْمَعُ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ أَ مَا تَأْتِي قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ قُلْتُ لاَ أَنَا رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ وَ عِنْدَنَا مَنْ يَتْبَعُ هَوَى هَذَا اَلْخَلِيفَةِ وَ أَعْدَاؤُنَا كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلقَبَائِلِ مِنَ اَلنُّصَّابِ وَ غَيْرِهِمْ وَ لَسْتُ آمَنُهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا عَلَيَّ حَالِي عِنْدَ وُلْدِ سُلَيْمَانَ فَيُمَثِّلُونَ عَلَيَّ قَالَ لِي أَ فَمَا تَذْكُرُ مَا صُنِعَ بِهِ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَتَجْزَعُ قُلْتُ إِي وَ اَللَّهِ وَ أَسْتَعْبِرُ لِذَلِكَ حَتَّى يَرَى أَهْلِي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَأَمْتَنِعُ مِنَ اَلطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَبِينَ ذَلِكَ فِي وَجْهِي قَالَ رَحِمَ اَللَّهُ دَمْعَتَكَ أَمَا إِنَّكَ مِنَ اَلَّذِينَ يُعَدُّونَ فِي أَهْلِ اَلْجَزَعِ لَنَا وَ اَلَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَ يَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا وَ يَخَافُونَ لِخَوْفِنَا وَ يَأْمَنُونَ إِذَا أَمِنَّا أَمَا إِنَّكَ سَتَرَى عِنْدَ مَوْتِكَ وَ حُضُورِ آبَائِي لَكَ وَ وَصِيَّتِهِمْ مَلَكَ اَلْمَوْتِ بِكَ وَ مَا يَلْقَوْنَكَ بِهِ مِنَ اَلْبِشَارَةِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنَكَ قَبْلَ اَلْمَوْتِ فَمَلَكُ اَلْمَوْتِ أَرَقُّ عَلَيْكَ وَ أَشَدُّ رَحْمَةً لَكَ مِنَ اَلْأُمِّ اَلشَّفِيقَةِ عَلَى وَلَدِهَا قَالَ ثُمَّ اِسْتَعْبَرَ وَ اِسْتَعْبَرْتُ مَعَهُ)، بحار الأنوار ، ج44، ص289.
    كمَا رُويَ عنْ إمامنِا الصَّادقِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أنَّ الجَزَعَ مكروهٌ إلَّا علَى الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فمَا هو السِرُّ في ذلكَ ، أي أنْ يتحولَ الجَزَعُ علَى المُصابُ والمَكروهُ شَرعاً إلَى أمرٍ مُستحَبٍ تدعونَا الأحاديثُ الشَّريفَةُ لَهُ؟
    فقدْ ورَدَ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ( إِنَّ اَلْبُكَاءَ وَ اَلْجَزَعَ مَكْرُوهٌ لِلْعَبْدِ فِي كُلِّ مَا جَزِعَ مَا خَلاَ اَلْبُكَاءَ عَلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَإِنَّهُ فِيهِ مَأْجُورٌ وسائلُ الشَّیعَةِ ، ج14 ،ص506.

    أيها الإخوة الأحبَّةُ، كانَ أهلُ البيتِ (عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ) يباركونَ أحزانَ الموالينَ علَى الحُسينِ الشَّهيدِ، ويشجعونَ علَى التَّفجُعِ بالبُكاءِ وإقامةِ مجالسِ العَزاءِ وقراءةِ أدبِ الرِّثاءِ ويؤكدونَ للراثينَ أنْ يذكروا للنَّاسِ مَا جرَى علَى أهلِ بيتِ النُّبوَّةِ منَ الظُّلمِ والقَتلِ والحَبسِ والتَّشريدِ، ودَسِّ السُمومِ والتَّضييقِ وأنواعِ الإيذاءِ والتَّنكيلِ بالأسرِ والإحضارِ والنَفي.
    وأمَّا قِصَةُ كربلاءَ، فهي لوحةٌ خَاصَةٌ تجلسُ عندهَا الأجيالُ لتنظرَ إليهَا بعيونٍ دامعةٍ، ومآتمٍ كئيبةٍ، وذلكَ مَا حقَّقَهُ أهلُ البيتِ
    (عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ) بأحاديثِهم ومَجالِسِهِم وأقوالِهِم وأفعَلِهِم ، ودعوا إليهِ وندَبوا إليهِ وشَجَعوا عليهِ تحتَ عناوينَ مُتعددةٍ، منْهَا: مَا ذَكَرَهُ الشَّيخُ اَلصَّدُوقِ فِي كِتَابِ اَلْإِخْوَانِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: ( اِجْتَمِعُوا وَ تَذَاكَرُوا تَحُفَّ بِكُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا )، مُستدرَكُ الوسائلِ ج12 ص393 ، وقدْ عَقدوا لسَّيِّدِ الشُّهداءِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مآتمَ، خاصةً أيامَ عاشوراءَ وفي أوقاتٍ أُخر، إحياءً لذكرِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وبياناً لمَا جَرَى وتَحقَّقَ وتعظيماً لِشعائِرِ الإسلامِ .
    وقدْ أقامَ الإمامُ عليُّ بنُ الحُسينِ
    (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) طِوالَ حياتِهِ الشَّريفَةِ بعدَ شهادةِ أبيهِ عشراتِ المآتمِ والمَجالِسِ على تِلكَ المُصيبَةِ الفاجعَةِ، وكانَ هو المُشَوِّقُ والمُحرِّضُ لذلكَ.. وقدْ أورَدَ التَّاريخُ رواياتٍ كثيرَةٍ في ذلكَ ومِنْهَا :
    قَالَ اَلرَّاوِي: ثُمَّ اِنْفَصَلُوا مِنْ كَرْبَلاَءَ طَالِبِينَ اَلْمَدِينَةَ قَالَ بَشِيرُ بْنُ جَذْلَمٍ فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْهَا نَزَلَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (
    عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) فَحَطَّ رَحْلَهُ وَ ضَرَبَ فُسْطَاطَهُ وَ أَنْزَلَ نِسَاءَهُ وَ قَالَ يَا بَشِيرُ رَحِمَ اَللَّهُ أَبَاكَ لَقَدْ كَانَ شَاعِراً فَهَلْ تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فَقَالَ بَلَى يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إِنِّي لَشَاعِرٌ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( اُدْخُلِ اَلْمَدِينَةَ وَ اِنْعَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ) ، قَالَ بَشِيرٌ : فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَ رَكَضْتُ حَتَّى دَخَلْتُ اَلْمَدِينَةَ فَلَمَّا بَلَغْتُ مَسْجِدَ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) رَفَعْتُ صَوْتِي بِالْبُكَاءِ وَ أَنْشَأْتُ أَقُولُ:
    يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ بِهَا..................... قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارٌ
    اَلْجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلاَءَ مُضَرَّجٌ................... وَ اَلرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى اَلْقَنَاةِ يُدَارُ.

    قَالَ ثُمَّ قُلْتُ هَذَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) مَعَ عَمَّاتِهِ وَ أَخَوَاتِهِ قَدْ حَلُّوا بِسَاحَتِكُمْ وَ نَزَلُوا بِفِنَائِكُمْ وَ أَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ أُعَرِّفُكُمْ مَكَانَهُ قَالَ فَمَا بَقِيَتْ فِي اَلْمَدِينَةِ مُخَدَّرَةٌ وَ لاَ مُحَجَّبَةٌ إِلاَّ بَرَزْنَ مِنْ خُدُورِهِنَّ مَكْشُوفَةً شُعُورُهُنَّ مُخَمَّشَةً وُجُوهُهُنَّ ضَارِبَاتٍ خُدُودُهُنَّ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَ اَلثُّبُورِ فَلَمْ أَرَ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ وَ لاَ يَوْماً أَمَرَّ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ وَ سَمِعْتُ جَارِيَةً تَنُوحُ عَلَى اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَتَقُولُ:
    نَعَى سَيِّدِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَوْجَعَا ................. وَ أَمْرَضَنِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَفْجَعَا
    ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا اَلنَّاعِي جَدَّدْتَ حُزْنَنَا بِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَ خَدَشْتَ مِنَّا قُرُوحاً لَمَّا تَنْدَمِلْ فَمَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اَللَّهُ فَقُلْتُ أَنَا بَشِيرُ بْنُ جَذْلَمٍ وَجَّهَنِي مَوْلاَيَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) وَ هُوَ نَازِلٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا مَعَ عِيَالِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَ نِسَائِهِ قَالَ فَتَرَكُونِي مَكَانِي وَ بَادَرُونِي فَضَرَبْتُ فَرَسِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَوَجَدْتُ اَلنَّاسَ قَدْ أَخَذُوا اَلطُّرُقَ وَ اَلْمَوَاضِعَ فَنَزَلْتُ عَنْ فَرَسِي وَ تَخَطَّيْتُ رِقَابَ اَلنَّاسِ حَتَّى قَرُبْتُ مِنْ بَابِ اَلْفُسْطَاطِ وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) دَاخِلاً فَخَرَجَ وَ مَعَهُ خِرْقَةٌ يَمْسَحُ بِهَا دُمُوعَهُ وَ خَلْفَهُ خَادِمٌ مَعَهُ كُرْسِيٌّ فَوَضَعَهُ لَهُ وَ جَلَسَ عَلَيْهِ وَ هُوَ لاَ يَتَمَالَكُ عَنِ اَلْعَبْرَةِ وَ اِرْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ اَلنَّاسِ بِالْبُكَاءِ وَ حَنِينِ اَلنِّسْوَانِ وَ اَلْجَوَارِي وَ اَلنَّاسُ يُعَزُّونَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَضَجَّتْ تِلْكَ اَلْبُقْعَةُ ضَجَّةً شَدِيدَةً. فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنِ اُسْكُتُوا فَسَكَتَتْ فَوْرَتُهُمْ فَقَالَ: (﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ﴾..... ﴿ مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ ﴾،سُورَةُ الفَاتِحَةِ ، الآيتان 2+4، بَارِئِ اَلْخَلاَئِقِ أَجْمَعِينَ اَلَّذِي بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِي اَلسَّمَاوَاتِ اَلْعُلَى وَ قَرُبَ فَشَهِدَ اَلنَّجْوَى نَحْمَدُهُ عَلَى عَظَائِمِ اَلْأُمُورِ وَ فَجَائِعِ اَلدُّهُورِ وَ أَلَمِ اَلْفَجَائِعِ وَ مَضَاضَةِ اَللَّوَاذِعِ وَ جَلِيلِ اَلرُّزْءِ وَ عَظِيمِ اَلْمَصَائِبِ اَلْفَاظِعَةِ اَلْكَاظَّةِ ، اَلْفَادِحَةِ اَلْجَائِحَةِ أَيُّهَا اَلْقَوْمُ إِنَّ اَللَّهَ وَ لَهُ اَلْحَمْدُ اِبْتَلاَنَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ وَ ثُلْمَةٍ فِي اَلْإِسْلاَمِ عَظِيمَةٍ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)وَ عِتْرَتُهُ وَ سُبِيَ نِسَاؤُهُ وَ صِبْيَتُهُ وَ دَارُوا بِرَأْسِهِ فِي اَلْبُلْدَانِ مِنْ فَوْقِ عَامِلِ اَلسِّنَانِ وَ هَذِهِ اَلرَّزِيَّةُ اَلَّتِي لَيْسَ مِثْلُهَا رَزِيَّةً أَيُّهَا اَلنَّاسُ فَأَيُّ رِجَالاَتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لاَ يَحْزُنُ مِنْ أَجْلِهِ أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبِسُ دَمْعَهَا وَ تَضَنُّ عَنِ اِنْهِمَالِهَا فَلَقَدْ بَكَتِ اَلسَّبْعُ اَلشِّدَادُ لِقَتْلِهِ وَ بَكَتِ اَلْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا وَ اَلسَّمَاوَاتُ بِأَرْكَانِهَا وَ اَلْأَرْضُ بِأَرْجَائِهَا وَ اَلْأَشْجَارُ بِأَغْصَانِهَا وَ اَلْحِيتَانُ وَ لُجَجُ اَلْبِحَارِ وَ اَلْمَلاَئِكَةُ اَلْمُقَرَّبُونَ وَ أَهْلُ اَلسَّمَاوَاتِ أَجْمَعُونَ يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَيُّ قَلْبٍ لاَ يَنْصَدِعُ لِقَتْلِهِ أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لاَ يَحِنُّ إِلَيْهِ أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ اَلثُّلْمَةَ اَلَّتِي ثُلِمَتْ فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ يَصُمُّ أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُودِينَ ، وَ شَاسِعِينَ عَنِ اَلْأَمْصَارِ كَأَنَّا أَوْلاَدُ تُرْكٍ وَ كَابُلَ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اِجْتَرَمْنَاهُ وَ لاَ مَكْرُوهٍ اِرْتَكَبْنَاهُ وَ لاَ ثُلْمَةٍ فِي اَلْإِسْلاَمِ ثَلَمْنَاهَا﴿ مٰا سَمِعْنٰا بِهٰذٰا فِي آبٰائِنَا اَلْأَوَّلِينَ إِنْ هٰذٰا إِلاَّ اِخْتِلاٰقٌ ﴾، سُورَةُ ص ، الآية 7، وَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ اَلنَّبِيَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي قِتَالِنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي اَلْوِصَايَةِ بِنَا لَمَا زَادُوا عَلَى مَا فَعَلُوا بِنَا فَ﴿ .....إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ، الآية 156، مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَ أَوْجَعَهَا وَ أَفْجَعَهَا وَ أَكَظَّهَا وَ أَفْظَعَهَا وَ أَمَرَّهَا وَ أَفْدَحَهَا فَعِنْدَ اَللَّهِ نَحْتَسِبُ فِيمَا أَصَابَنَا وَ مَا بَلَغَ بِنَا فَإِنَّهُ﴿ .....عَزِيزٌ ذُو اِنْتِقٰامٍ ﴾، سُورَةُ آلِ عِمرانَ ، الآية 4 )، قَالَ اَلرَّاوِي: فَقَامَ صُوحَانُ بْنُ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ وَ كَانَ زَمِناً فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ زَمَانَةِ رِجْلَيْهِ فَأَجَابَهُ بِقَبُولِ مَعْذِرَتِهِ ، وَ حُسْنِ اَلظَّنِّ فِيهِ وَ شَكَرَ لَهُ وَ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِيهِ ، اللهوف علی قتلی الطفوف ، ج1، ص174 .

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X