بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
الإرتبَاطُ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ
مِن دعاءِ الإمامِ الحسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يومَ عرفة: ( اللّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ، وَأسْعِدْنِي بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ )، الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2، ص577.
يبيّنُ الإمامُ الحسينُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في هذه الفقرةِ من الدعاءِ كيف يرسمُ الإنسانُ علاقتَهُ باللهِ عزّ وجلّ، وكيف يمكنُ للإنسانِ أن يوجّهَ هذه العلاقةَ بالنحوِ المفيدِ والمثمر، والمتمثّلِ بخطواتٍ أربع:
1. الخشيةُ من اللهِ عزّ وجلّ: الخوفُ إذا كان له منشأٌ عقلائيٌّ، لا يكونُ مذموماً، بل يكونُ ممدوحاً، ومِن مصاديقِ ذلك الخوفُ من الله، وهذا الخوفُ عندما يكونُ مِن بابِ الشعورِ بعظمةِ مَن تخافُ منهُ وهيبتِهِ، يكونُ خشيةً مطلوبة. وفي علاقةِ الإنسانِ باللهِ عزّ وجلّ، الخشيةُ مطلوبة، فعن الإمامِ الصادقِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( خَفِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي أَنَّهُ يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاكَ ثُمَّ اسْتَتَرْتَ الْمَخْلُوقِينَ بِالْمَعَاصِي وبَرَزْتَ لَهُ بِهَا، فَقَدْ جَعَلْتَهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ )، فقه الإمام الرضا (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ، ص382.
وللخوفِ من اللهِ علاماتٌ، منها انكسارُ القلوبِ وخشيتُها الدَّائمةُ من الله، واتِّهامُ النَّفسِ دائماً بالتَّقصير، وقلَّةُ الكلام، وعدمُ الخوفِ من النَّاس، والمسارعةُ والمسابقةُ نحو أفضلِ الأعمالِ الصَّالحة، وعدمُ الرِّضا بالأعمالِ العاديَّة. فعن أميرِ المؤمنينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً كَسَرَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ، فَاسْتَنْكَفُوا عَنِ الْمَنْطِقِ، وَإِنَّهُمْ لَفُصَحَاءُ بُلَغَاءُ أَلِبَّاءُ نُبَلَاءُ، يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْكَثِيرَ، وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ الْقَلِيلَ )، وسائل الشيعة، ج12، ص199.
2. التقوى سعادةٌ: إذا كان ميزانُ السعادةِ أن يكونَ عملُ الإنسانِ مقبولاً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنّ بابَ القبولِ هو التقوى، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾، سورة المائدة، الآية 27.
و مِمَّا وَرَدَ مِن حِكَمِ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عَلِىِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( صِفَتَانِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَعْمَالَ إِلَّا بِهِمَا: التُّقَى وَالْإِخْلَاص )، غرر الحکم ج1 ص423.
3. المعصيةُ شقاءٌ: إذا كان الإنسانُ يسعى لعدمِ الوقوعِ في الشقاء، فإنّ مفتاحَهُ مخالفةُ الهوى، وَرَدَ عَنْ أميرِ المؤمنينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ اَلْخَرَاجِ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى أُمَرَاءِ اَلْخَرَاجِ : ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ وَ لَمْ يُحْرِزْهَا وَ مَنِ اِتَّبَعَ هَوَاهُ وَ اِنْقَادَ لَهُ فِيمَا لَمْ يَعْرِفْ نَفْعَ عَاقِبَتِهِ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحَنَّ مِنَ اَلنَّادِمِينَ أَلاَ وَ إِنَّ أَسْعَدَ اَلنَّاسِ فِي اَلدُّنْيَا مَنْ عَدَلَ عَمَّا يَعْرِفُ ضَرَّهُ وَ إِنَّ أَشْقَاهُمْ مَنِ اِتَّبَعَ هَوَاهُ فَاعْتَبِرُوا وَ اِعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ مَا قَدَّمْتُمْ مِنْ خَيْرٍ وَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَدِدْتُمْ لَوْ أَنَّ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اَللّٰهُ نَفْسَهُ وَ اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ )، بحارُ الأنوارِ ، ج72 ، ص355.
والشقاءُ بالمعصيةِ يودي بالإنسانِ إلى بلاءاتِ الدنيا، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( تَوَقَّوُا الذُّنُوبَ، فَمَا مِنْ بَلِيَّةٍ وَلَا نَقْصِ رِزْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، حَتَّى الْخَدْشِ وَالنَّكْبَةِ وَالْمُصِيبَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ: ﴿ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾، سورة الشورى، الآية 30 )، الخصال ، ص 612 و 615 .
4. التسليمُ للهِ عزّ وجلّ: وهو من أركانِ الإيمانِ الحقيقيّ، فعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ( اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنِ اللَّهِ فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَصَنَعَ بِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ وَكَرِهَ وَ لَنْ يَصْنَعَ اَللَّهُ بِمَنْ صَبَرَ وَ رَضِيَ عَنِ اَللَّهِ إِلاَّ مَا هُوَ أَهْلُهُ وَ هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا أَحَبَّ وَ كَرِهَ )، الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج8، ص8.
والإنسانُ الذي يعيشُ حالةَ التسليمِ هذه، يكونُ سعيداً، مِمَّا وَرَدَ مِن حِكَمِ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عَلِىِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( إِنَّ أَهْنَأَ النَّاسِ عَيْشاً، مَنْ كَانَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ رَاضِياً )، غرر الحکم ، ج1 ، ص220.
فالإرتباطُ باللهِ تَعالَى والإستسلامُ لَهُ والعزمُ علَى طَاعَتِهِ منْ شأنِهِ أنْ يُمحّصَ القلوبَ، ويُطهّرَ النُّفوسَ، لأنَّهُ ينقلُ الإنسانَ مِنْ مرحلةِ التَّفكّرِ والتَّدبّرِ في عظمَةِ اللهِ تَعالَى وهيمنتِهِ ورقابَتِهِ إلَى مرحلَةِ العَملِ الصَّالحِ في ظلِّ هذا التَّدبّرِ، فالعزمُ يتبعَهُ العونُ منْهُ تَعالَى، ويتبعَهُ التَّثبيتُ علَى المُضي في طريقِ تَزكيَةِ النَّفسِ .
وهذا الإرتباطُ باللهِ تعالَى يبدأُ بمعرفتِهِ الّتي تَحولُ بينَ الإنسانِ وبينَ مُخالفَةِ ربّهِ وخالقِهِ، قالَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عَلِىُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( ما عرف الله من عصاه)، تحفُ العقولِ، ص 215.
ويتحققُ الإرتباطُ باللهِ تعالَى أيضاً عنْ طريقِ المُداومَةِ علَى العباداتِ وقدْ حثَّ الإمامُ عَلِىُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) الجماعةَ الصَّالحةَ علَى كثرةِ العبادَةِ، حتَّى جعلَهَا إحدَى خصائِصِهم ، فقالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( التَّعاوُنُ عَلى إقامَةِ الحَقِّ ، أمانَةٌ ودِيانَةٌ )، غُررُ الحِكَمِ : ج 1 ص 350 ح 1327. وقالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في عبادةِ الجَماعَةِ : ( لَيَحضُرُنَّ مَعَنا صلاتَنا جَماعَةً ، أو لَيَتَحَوَّلُنَّ عنّا ولا يُجاوِرُونا ولا نُجاوِرُهُم )،أمالي الطوسي ،ج 2 ،ص 307 .
وحثّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) على قراءةِ القرآنِ الكريمِ والسَّيرَ علَى منهاجِهِ، فقالَ : ( الله الله في القُرْآن، لا يَسْبِقكُمْ بالعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ )، بحارُ الأنوارِ ، ج42، ص256.
كما حثّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) علَى جعلِ الرَّوابطِ والعلاقاتِ الاجتماعيَّةِ قائمَةٌ علَى أساسِ القُربِ والبُعدِ منَ اللهِ تعالِى، فقدْ أورَدَ أحاديثَ لرسولِ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) تؤكد هذهِ الرَّوابطُ ، قالَ النَّبيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): ( تَرَى المُؤمِنينَ في تَراحُمِهِم وتَوادِّهِم وتَعاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ ، إذَا اشتَكى عُضواً تَداعى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمّى )، صحيحُ البُخاري ، ج 5 ،ص 2238 ،ح 5665 .
وفي كلامٍ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في عهدِهِ إلِى مالكٍ الأشتَّرِ يقولُ : ( وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ اَلرَّحْمَةَ بِالرَّعِيَّةِ وَ اَلْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اَللُّطْفَ بِهِمْ وَ لاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ)، مُستدرَكُ الوسائلِ ، ج13 ،ص160.