بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واذا طلب حاجة من الحاجات الشرعية ومطلبًا من المطالب الأخروية من الله عزّ وجلّ ولم يحصل هذا الأمر، يجب أن لا ييأس أو يفقد الأمل من الوصول إلى مبتغاه، ويجب أن يعرف أولاً: أن الوعد الإلهي حق وهو لايخلف وعده أبدًا، وقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة حيث يقول في القرآن الكريم:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا ... ﴾ 1.
وقال في مكان آخر:﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... ﴾ 2.
ثانياً: أن التأخير في الاستجابة قد يكون نتيجة لبعض الحِكَم والمصالح كما أشير الى بعضها المعصية تمنع استجابة الدعاء:
يمكن أن يحجب الدعاء نتيجة لارتكاب بعض المعاصي، والدليل على أن التأخير في الإستجابة للدعاء هو لطف بالمحتاج، أنه يوفقه للإستمرار بالدعاء، ونفس هذه النعمة أكبر شاهد، فهو أولاً محل العناية وسوف يستجاب دعاءه فيما بعد، وحتى لو لم يحدث ذلك فهو سيوفق للإستمرار في الدعاء.
التأخير في الإستجابة يوجب القرب
ويمكن أن يكون السبب في التأخير استمرار الخير على العبد من بارئه. ولهذا يتأخر استجابة دعاء الذين هم مورد عناية ولطف الخالق.
يقول العلامة المجلسي (قدس سره) في كتاب حياة القلوب: في سند صحيح عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه روى: كان إبراهيم (عليه السلام) يجول في الصحاري والسهول حتى يأخذ العبرة من مخلوقات الله، ذات يوم رأى شخصًا في الصحراء يصلي وصوته يرتفع نحو السماء وكان سرواله من الشعر، تعجب إبراهيم (عليه السلام) من صلاته فجلس قربه ينتظر إلى أن فرغ من صلاته، فقال له: أعجبتني طريقتك وأحب أن أصبح صديقًا لك، أخبرني أين منزلك حتى أزورك عندما أريد، فقال لا تستطيع العبور فقال (عليه السلام) وكيف تعبر أنت؟ فقال أنا أعبر على الماء فقال (عليه السلام) إلهك الذي جعلك تستطيع العبور على الماء يستطيع تسخير الماء لي لأعبر أيضًا، هيا بنا نذهب وسأبقى الليلة عندك، عندما وصلا إلى الماء قال الرجل: بسم الله وعبر الماء، قال إبراهيم (عليه السلام) بسم الله أيضًا وعبر على الماء، تعجب الرجل من ذلك وبعد ذلك دخلا المنزل.
سأله إبراهيم (عليه السلام): أي الأيام أصعب؟ فقال العابد: اليوم الذي يحاسب الله عباده على أعمالهم، فقال إبراهيم (عليه السلام) : تعالَ ندعو الله كي يحفظنا من شر هذا اليوم، وفي رواية أخرى: تعالَ ندعو الله ليغفر ذنوب المؤمنين.
قال العابد: أنا لا أدعو فلي ثلاث سنوات وأنا أدعو الله لحاجة ولم يستجب لي ولن أطلب منه شيئًا حتى يقضيها لي. فقال (عليه السلام): كلما أحب الله عبدًا حبس دعاءه، حتى يناجيه ويطلب منه، وإذا كان العبد عدوًا استجاب دعاءه بسرعة أو أدخل إلى قلبه اليأس حتى لايدعو.
وعندها سأل العابد: ما كانت حاجتك؟ قال: ذات يوم كنت في المكان الذي رأيتني فيه فرأيت طفلاً في غاية الحسن والجمال وكان النور ينبعث من جبينه، كان يرعى بعض المواشي من بقر وغنم فسألته لمن الماشية فقال: لي فسألته ومن أنت؟ قال: إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) خليل الله، فدعوت الله أن يريني خليله إبراهيم (عليه السلام).
فقال إبراهيم: لقد إستجاب دعاءك الآن، فأنا إبراهيم .
ففرح العابد ووضع يده على رقبة إبراهيم (عليه السلام) وبدأ بتقبيله شاكرًا الله، ثم أخذ بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
إلى هنا أيها المؤمنون نختم حديثنا حول اليأس من روح الله، وذلك بعد أن تبين لنا أنه لاينبغي للمؤمن أن ييأس من رَوحه تعالى، بل يجب عليه أن يتكل على الرحمة الإلهية، وأن يسلم أمره إلى الله سبحانه وتعالى في كل أموره، الحياتية منها الدنيوية والأخروية .
المصادر
1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 186، الصفحة: 28.
2. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 60، الصفحة: 474.