قصة رجل من بني عقيمة
في الحديث القدسي :
﴿عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون﴾
روي عن ميثم التمار رضي الله عنه أنه قال:
كنت بين يدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كأنه البدر بين الكواكب،
- إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء، وقد اعتم بعمامة صفراء، وهو متقلد بسيفين، فدخل وبرك بغير سلام، -يعني: جلس بغير سلام- ولم ينطق بكلام،
فتطاولت إليه الأعناق، ونظروا إليه بالآماق -يعني: الأعين- وقد وقف عليه الناس من جميع الآفاق،
- ومولانا أمير المؤمنين لا يرفع رأسه إليهم، فلما هدأت من الناس الحواس، أفصح عن لسانه بأنه حسام جذب عن غمده:
فقال: أيكم المجتبى في الشجاعة والمعمم في البراعة؟!
- أيكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، والموصوف بالكرم؟!
- أيكم الأصلع الرأس، والبطل الدعاس، والمضيق للأنفاس، والآخذ بالقصاص؟!
- أيكم غصن أبي طالب الرقيق، وبطله المهيب، والسهم المصيب، والقسم النجيب؟!
- أيكم خليفة محمد الذي نصره في زمانه، واعتز به سلطانه وعظم به شأنه؟
عند ذلك رفع أمير المؤمنين رأسه إليه فقال:
- مالك يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الأشعث بن أبي السمع الرومي؟
- اسأل عما شئت، أنا عيبة علم النبوة.
قال: بلغنا عنك أنك وصي رسول الله، وخليفته على قومه بعده، وأنك محل المشكلات،
- وأنا رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم: العقيمة
- قد حملوني ميتاً قد مات من مدة، وقد اختلفوا في سبب موته، وهو بباب المسجد،
- فإن أحييته علمنا أنك صادق نجيب الأصل، وتحققنا أنك حجة الله في أرضه، وخليفة محمد على قومه،
وإن لم تقدر على ذلك رددناه على قومه، وعلمنا أنك تدعي غير الصواب، وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه،
قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ميثم!
- اركب بعيره، وناد في شوارع الكوفة ومحالها: من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله علياً أخا رسول الله وزوج ابنته من العلم الرباني فليخرج إلى النجف،
- فخرج الناس إلى النجف، فقال الإمام عليه السلام: يا ميثم!
- هات الأعرابي وصاحبه، فخرجت ورأيته راكباً تحت القبة التي فيها الميت، فأتيت بها إلى النجف،
- فعند ذلك قال علي عليه السلام:
قولوا فينا ما ترون منا، وارووا عنا ما تشاهدوه منا،
ثم قال: يا أعرابي!
أبرك الجمل، وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين،
- قال ميثم: فأخرجت تابوتاً وفيه وطء ديباج أخضر، وفيه غلام أول ما تم عذاره على خده بذوائب كذوائب لامرأة حسناء،
فقال علي بن أبي طالب: كم لميتكم؟
- قال: أحد وأربعون يوماً،
- قال: ما سبب موته؟
- فقال الأعرابي: يا فتى، إن أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله؛ لأنه بات سالماً وأصبح مذبوحاً من أذنه إلى أذنه، ويطالب بدمه خمسون رجلاً، يقصد بعضهم بعضاً فاكشف الشك والريب يا أخا محمد،
فقال الإمام عليه السلام: قتله عمه لأنه زوجه ابنته فخلاها وتزوج بغيرها، فقتله حنقاً عليه،
- قال الأعرابي: لسنا نقنع بقولك، فإنا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترفع الفتنة والسيف والقتال.
فعند ذلك قام الإمام علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي، فصلى عليه وقال:
- يا أهل الكوفة!
ما بقرة بني إسرائيل بأجل عند الله مني قدراً،
- وأنا أخو رسول الله، وإنها أحيت ميتاً بعد سبعة أيام، ثم دنا أمير المؤمنين من الميت وقال:
- إن بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش،
- وأنا أضرب هذا الميت ببعضي لأن بعضي خير من البقرة كلها، ثم هزه برجله وقال له:
- قم بإذن الله يا مدرك بن حنظلة بن غسان بن بحير بن فهر بن فهر بن سلامة بن الطيب بن الأشعث، فها قد أحياك الله تعالى على يد علي بن أبي طالب.
قال ميثم التمار: فنهض غلام أضوأ من الشمس أضعافاً، ومن القمر أوصافاً،
- فقال: لبيك لبيك يا حجة الله على الأنام، المتفرد بالفضل والإنعام،
- فعند ذلك قال: يا غلام!
من قتلك؟
- قال: قتلني عمي الحارث بن غسان،
- فقال له الإمام: انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك.
- فقال: يا مولاي!
لا حاجة بي إليهم، أخاف أن يقتلوني مرة أخرى ولا يكون عندي من يحييني،
- قال: فالتفت الإمام عليه السلام إلى صاحبه وقال: امض إلى أهلك فأخبرهم،
- قال: يا مولاي! والله لا أفارقك، بل أكون معك حتى يأتي الله بأجلي من عنده، فلعن الله من اتضح له الحق، وجعل بينه وبين الحق ستراً،
- ولم يزل بين يدي أمير المؤمنين حتى قتل بصفين، ثم أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة فاختلفوا أقوالاً فيه عليه السلام.
-----------------------------------------------
المصدر :سلوني قبل أن تفقدوني ج2 / ص 256